(إيجاز صحفي)
تم ليلة أمس اختتام فعاليات النسخة الثانية من مهرجان نواكشوط للشعر العربي، وهو المهرجان الذي ينظمه بيت الشعر - نواكشوط، وشهد على مدة ثلاثة أيام فعاليات ثقافية متعددة.
وأكد الدكتور عبد الله السيد مدير بيت الشعر – نواكشوط تنويهه بالمشروع الثقافي الكبير الذي يرعاه سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، مضيفا أن مبادرة سموه بافتتاح بيوت الشعر في الوطن العربي جاءت هبة للشعراء العرب والمثقفين بصفة عامة من أجل تحريك الساحة الإبداعية ومنحها رافعة قوية نحو التواصل وتبادل التجارب والرقي بالكلمة الشعرية العربية، وإتاحة الفرصة أمام أجيال الشعراء، وخاصة الشباب للتواصل المباشر مع الجمهور عبر منابر بيوت الشعر.
وأبدى الدكتور عبد الله السيد تشكراته لوفد الشارقة الثقافي ولضيوف المهرجان الذي تشجموا عناء السفر ليواكبوا فعاليات المهرجان ويشاركوا الموريتانيين تجربتهم الشعرية عبر مختلف أجيال القصيدة الموريتانية المعاصرة. كما تقدم بالتهنئة إلى المشاركين في هذا الحدث الثقافي الهام من شعراء ومنظمين، ووجه الشكر الخاص للجمهور الذي حرص على الحضور الكثيف لأمسيات المهرجان. وأكد الدكتور ولد السيد أن هذا المهرجان وإن انتهى فإن هناك انطلاقة جديدة وموسما ثقافيا جديدا سيكون حافلا بكل النشاطات التي تخدم الأهداف التي يسهر بيت الشعر - نواكشوط على تنفيذها.
وجرت وقائع حفل الاختتام تحت إشراف محمد عبد الله البريكي مدير بيت الشعر في الشارقة والدكتور عبد الله السيد مدير بيت الشعر - نواكشوط، وبحضور نخبة أدبية كبيرة وجمهور غفير، غصت به قاعتا الأنشطة في بيت الشعر.
كما تم تكريم الشعراء المشاركين في الأمسية الختامية إضافة إلى أوفياء بيت الشعر.
وكانت الأمسية الختامية قد شهدت إلقاءات شعرية قدمها ستة فرسان استباحوا صهوة الضاد حاملين الجمهور معهم إلى أبعاد جمالية وصور شعرية بديعة حظيت بتفاعل كبير من طرف الجمهور.
وقد أدار الأمسية الشاعر الأمجد محمد المامي الذي رحب بالحضور وقدم الشعراء المشاركين، قبل أن يعتلي المنصة الشاعر الشيخ ولد بلعمش الذي افتتح الأمسية شعرا وقرأ نصين شعريين، اختتمهما برائعته "نقوش مسافرة"، التي يقول فيها:
اشرب فليلك بالهيام جديرُ
كل الكؤوس إلى يديكَ تشير
لا ثوبَ في سهر الدموع لبستَه
إلا و فيهِ من الرَّجاء بَخورُ
أوتيتَ مزمارا يعتق بوْحه
جَدَلُ الضفاف و رملُها المسحور
أنتَ المُسافرُ لا ظلال لِسربِه
حتى ظلالك في السرابِ هجيرُ
إلى أن يقول:
أيامُ عمرِكَ للرحيل مدائنٌ
وحروفُ شعركَ للحنين جسور
لم ترسُم الصحراء فيك منارةً
إلا و عيرٌ خلفَها ونفيرُ
ودَّعتَ قافلة الحجيج فلم يَزلْ
في الكف من أثر الوَداع عبيرُ
ويختم ولد بلعمش بقوله:
ونقشتَ في روح النخيل حكاية
عنْ سدِّ مأربَ ربعُها مهجورُ
وطفقتَ من وَرَقي على الحسرات تخـ
ـصِفُ يا أبي و أنا بك المستور
قدرٌ علينا أن نسيرَ وربما
تتوقف الدنيا و نحن نسير!
بعد ذلك صعد المنبر الشاعر محمد عبد الله البريكي (الإمارات)، والذي قرأ قصيدته "بكائية الغيم والطين"، والتي يقول فيها:
كما حملـــتْ روحـــي كتاباً مبعثـرا
أجـــيءُ ولكن ألمـحُ الجمرَ أخضرا
كبيـرٌ بغصنِ الحبِّ طيري .. كأنـَّـهُ
يحـطُّ على الغيماتِ لو كانَ أصغـرا
على كتفيَّ الأرضُ تحملُ وزرَهـــا
ويحملُنــــي ضلـــعٌ أراهُ مكسـّــــرا
ولكنَّ دمعي كلما طحـــــتُ قال لي
توكأْ وخذ جرحي يُسطـِّـرُ ما جرى
إلى أن يقول: أنا آدمـــــيُّ الروح لســتُ نبيَّهـا
أخاطـــــبُ ذاتَ المغرمين بما أرى
أدفتـِــــرُ أحزانـــــي كثيـــراً وكلَّمـا
تفيــــضُ بــــه الآهاتُ أحتاجُ دفترا
وأخــــدعُ صبـــــحَ الأمنياتِ بكذبـةٍ
بأنَّ زوالَ الليـــــلِ يبغــــي تصبـُّرا
ولكن حلمـــــي قـد تأبـَّـــطَ شَـــــرَّهُ
وعمري بصحراءِ الوعودِ تشنفـرى
أما الشاعر محمد ولد اعلي؛ فقد قرأ قصيدتين من ديوانه هما: "رسالة من المسجد الأقصى"، و"مدائن الوهم"، التي يقول فيها:
هاذي شموعي تلاشت في توهجها
وبذرتي لم تزل تهفو لإنبات
لم أعط للروح أبياتي لتسكنها
لكن روحي هي السكنى لأبياتي
ولم أعر لضباب الشك أخيلتي
ولم أأجر له يوما محلاتي
تلك المغارات كم أهوى تجنبها
ماذا سيخرج من تلك المغارات؟
إلى أن يقول:
مدائن من شظايا الوهم أذرعها
دربا فدربا فلا أنهي مسافاتي
تمتصني ثم تذروني غبار أسى
على الرمال وفي صفر المفازات
أنا الشتات الذي لم يجتمع أبدا
فمن سيجمع أشلائي وأشتاتي؟
ويختم بقوله:
للناس أوطانهم تلك التي نزلت
بالعقل والذات في سفح المتاهات
ولي أنا وطن.. عقلي يفتش عن
عقلي.. وتبحث ذاتي فيه عن ذاتي.
بعد ذلك صعد الشاعر رعد أمان (اليمن) المنبر، وأعلن سعادته بوجوده نواكشوط، مؤكدا أن هذه هي أول مرة يقرأ فيها الشعر في عاصمة عربية خارج الإمارات العربية المتحدة، قبل أن يقرأ قصيدته عن "اللغة العربية". يقول رعد أمان:
الضربُ بالسيف لا كالضرب بالقلمِ
فذاكَ ينبو وذا يبقى بلا ثَلَمِ
السيفُ تُبلي صروفُ الدهر جِدَّتَه
ويخلدُ القلمُ الرائي بغير دَمِ
فكنْ إذا غايةٌ أغرتكَ ذا قلمٍ
فإنما تُدرَكُ الغاياتُ بالقلمِ
والمرءُ إنْ عظُمتْ في نفسه هممٌ
سمَتْ به بين عالي النجم والسُّدُمِ
هناكَ حيثُ يرى أغلى مقاصدِه
يهمي ضياهُ عليه من ذرى العِظَمِ.
إلى أن يقول:
وهبتُها العمرَ والأنفاسَ وهي هنا
في أضلعي وحنايا الروح من قِدَمِ
جمالُها ما له نِدٌّ ولا شبهٌ
لسانُها عربيٌّ ساحرُ النغَمِ
هي التي أغرت الدنيا وما فتئتْ
تُروي بسحر لَماها العذب كلَّ ظَمي.
ويختم بقوله:
سبحانَ من خَصّها بالفضل حين بها
عليه نزَّلَ وحياً أقدسَ الكَلِمِ
هل بعد ذا شرفٌ تزهو به لغةٌ؟
لا والذي صانَها للفخر في شَمَمِ
تبقى لنا الضوءَ هذي الضادُ ما نبضَت
ففي ضُحاها ضياءٌ ضاءَ من إضَمِ.
وكان للشعر النسائي حضور مميز مع الشاعرة الشابة لميمه أحمد سالم، التي قرأت ثلاث قصائد من بينها قصيدة "نونية القرن العشرين"، التي تقول فيها:
إني ﻷعلم لولا أن تفندني
غدا بأنك آت سوف تجمعني..
بيني وبينك أحلام مبعثرة
كلا الفريقين منفي.. بلا وطن
لولا الغموض الذي قد لفَّ زورقنا
لاستوقف الموجُ ما في البحر من سفن
بعضي..كأني على بعضي أعرفه
كذاك يجهل قلبي ما على بدني
أمُلْتُ أن أجتني اﻷثمار في زمن
صارت ثمار الهوى شيئا بلا ثمن.
إلى أن تقول:
أتيت من لوعتي أهذي بأغنية
أخرى وما وجدت في الناس من أذني
حرفي.. جنوني بلادي كل أشرعتي
صارت سرابا على درب من الشجن
وتحتم بقوله:
كاد الهوى بيننا يغري بأسلحة
لولا السلام الذي علمته مدني
لله كل الذي قد كان يجمعنا...
ومرحبا بك.. لولا أن تفندني.
هذا، وكان اختتام الأمسية مع الشاعر محمد الأمين الناتي، الذي ألقى قطعة شعرية ترجم فيها فرحه بوجوده في أجواء تعبق بالشعر والفن وجمالية التواصل بين المثقفين.