نص التدوينة
تشعر بالغثيان حين ترى بعض من تحسبهم مثقفين يخلطون بين العلمانية و العداء للدين.. العلمانية ليست رديف الإلحاد و لا اللادينية، و الارتباط الذهني بينها و معاداة الدين مرجعه إن الكلمة مشحونة تاريخياً، فلو استبدلناها مثلا بالدنيوية لما تحسسوا منها كثيرا.. عبد الوهاب المسيري المفكر الإسلامي الذي تبنى في أيامه الأخير فكرة العلمانية يرى أن هنالك علمانية جزئية هي فصل الدين عن السياسة و علمانية شمولية تعادي الدين.. و القسم الثاني من العلمانية لا يعتبره منظرو العلمانية، لأنه منافٍ لروح الفكرة مخالف للديمقراطية.
بعضهم يقول لك في مقابل "العلمانية هي الحل" أن "الحل هو الإسلام" و كأن العلمانية نقيض له..و الحقيقة أن الدين يقنّن العلاقة بين المرء و ربه، أما العلمانية فتعتني بأن تجعل من الشأن العام، الذي هو وظيفة السياسة، شأنا عاماً فعلا، يتنافس فيه المسلم و غير المسلم، الصالح (بالمعنى الديني) و الطالح متكافئين في الفرص، متساويين في الحظوظ و الوظائف.
العلمانية تحمي الدين من تداعيات الخلط بينه و بين السياسة..
سيقولون لك: نحن نبحث عن تعليم و صحة و شبع و ريّ.. نحن نبحث عن دولة.، و الحديث عن العلمانية رفاه فكري.. و هم بذلك يجعلون العربة أمام الحصان.. فبداية تصور الدولة يكون بتحديد نمط الحكم: هل نريده ديمقراطيا أم شموليا..علمانيا أم دينياً.؟. ثم بعد الاتفاق على ذلك تبدأ الدولة تقديم خدماتها، التي تتوقف على الإجابة على السؤال الأول.
و سيقول لك آخرون إنها مؤامرة لتغيير اسم الجمهورية الإسلامية.. و آخرون إنهم عملاء الغرب الكافر.. و آخرون إنها موجة إلحاد و خروج من الملة.. أعرهم الصماء من أذنيك و قل لهم إنك تتحدث لغة العدالة و الحداثة، و إنهم بمصادرتهم لرأيك و إقصاءهم لك و اتهامهم يقيمون الحجة عليهم أنهم لا يزالون يتحدثون لغة الإسفاف و البدائية.!