مؤسســــــــــــة المعارضــــــــــــــة الديمقراطيـــــــــــــــة
التقرير السنوي للعام 2016
حول تقييم الأداء الحكومي ورؤية المؤسسة لأوضاع البلد
15فبراير 2017
لقد انشأ المشرع الموريتاني مؤسسة المعارضة الديمقراطية من أجل دعم و توطيد الديمقراطية التعددية و تشجيع مشاركة جميع القوي السياسية في عملية البناء الوطني.
و شدد المشرع على أهمية المؤسسة في ضبط الحوار السياسي ضمن حدود الشرعية و الاحترام المتبادل و ضمان تناوب سلمي و هادئ على السلطة.كما كفلها حق انتقاد العمل الحكومي بصورة تصب في اتجاه توطيد المبادئ الديمقراطية و البناء الوطني و التقدم مع احترام القيم السامية المشتركة للشعب الموريتاني ضامنا لها حرية التعبير.
و تأسيسا على ما سبق و انطلاقا من دور المؤسسة في تنوير الرأي العام الوطني فإن المؤسسة تتقدم بهذه الوثيقة التي تعكس رؤيتها للحالة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الأمنية للبلد على مدار العام 2016.
كان بودنا أن نؤسس هذه الوثيقة على تحليل المعطيات الرسمية ودراستها بطريقة علمية، غير أن منطق إقصاء المؤسسة كشريك وطني بقوة القانون يجب التشاور معه في القضايا الوطنية الكبرى، وسياسة التعتيم والرفض الحكومي للتعاطي معها وتمكينها من الولوج للمعلومات والمعطيات حالت دون ذلك، رغم الطلبات والرسائل التي وجهنا للدوائر الحكومية بغية تمكين طاقمنا من مباشرة عمله الفني حول تقييم السياسات الحكومية وأثرها على خدمة المجتمع ورفاه المواطن، الأمر الذي دفعنا لاعتماد المعطيات والمعلومات الموثقة في بعض التقارير الدولية والوطنية الصادرة عن الجهات والهيئات المختصة.
إن أي دراسة متأنية للمعطيات المتوفرة حول السياسات الحكومية ستقود حتما إلى الخروج بخلاصة مفادها أن سنة 2016 لم تكن سوى استمرار لسياسات حكومية قادت البلاد نحو وضعية متدهورة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
فعلى المستوى السياسي تستفحل الأزمة السياسية وتتسع الهوة بين الفرقاء يوما بعد يوم في ظل تمنع النظام تارة و فشله تارة اخري من إقامة حوار جدي وشامل يضمن انتشال البلاد والخروج بها إلى بر الأمان، في تنكر واضح لمنطق الشراكة الوطنية وتجسيد الحد الأدنى من متطلبات الفعل الديمقراطي، واستمراره في انتهاج سياسات أحادية تقوض العمل الديمقراطي وتهدد التلاحم والوئام الوطنيين.
وعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي، فرغم توفر البلاد على مقدرات هائلة، وطفرة اقتصادية في السنوات الأخيرة مكّنت الحكومة من الحصول على موارد كبيرة، لا يزال الوضع المعيشي صعب و الفقر يضرب بأطنابه ويعاني منه أكثر من ثلث السكّان، كما تنتشر البطالة خصوصا بين الشباب ذي المؤهلات العلمية، وتزداد وضعية التعليم سوء، وتواصل تدهور الخدمات الصحية، إضافة إلى غياب شبه تام لمختلف الخدمات في الوسط الريفي وشبه الحضري و انهيارها في الحضر.
وفي المجال الأمني يعاني سكّان المدن الموريتانية من شبه غياب للأمن الحضري وانتشار العمليات الإجرامية في ظل ضعف القوى الأمنية وفشلها في انتهاج سياسية أمنية ردعية تمنع قيام الجريمة، وتوفر الأمن والسكينة للمجتمع رغم التبجح بالانفاق الكبير في هذا المجال.
أولا: الوضعية السياسية
ترتكز فلسفة النظام ورؤيته السياسية على الأحادية وإقصاء الفاعلين السياسيين شركاء الوطن، سواء تعلق الأمر بمؤسسة المعارضة الديمقراطية كشريك سياسي قانوني منحه القانون الحق في تمثيل المعارضة، ومكنها من حق إبداء الرأي في القضايا الوطنية للنظام بناء على استشارة النظام لها ، أو تعلق الأمر بالأحزاب والتجمعات السياسية المعارضة (قانون رقم:019_2008)يهدف هذا القانون الي وضع نظام قانوني للمعارضة الديمقراطية من اجل دعم و توطيد الديمقراطية التعددية و تشجيع مشاركة جميع القوي السياسية في عملية البناء الوطني
لقد ظلت القطيعة السياسية هي السمة الأبرز التي طبعت المشهد السياسي، رغم محاولات الحوارات المتعددة التي لم تنه القطيعة ولم تحل الأزمة السياسية، نتيجة مقاطعة أطراف من الطيف المعارض لمختلف الحوارات استشعارا منها لعدم الجدية وغياب الضمانات المطلوبة و التنازلات المطمئنة.
و حتي الحوار الذي شاركت فيه أطراف سياسية معارضة أبانت ظروفه و أجواؤه والمراحل التي سبقت تحضيره وتلكأ النظام في تطبيق العديد من مخرجاته عن حالة من الارتباك السياسي و التنكر لروح الشراكة الوطنية التي يجب أن يتسم بها الفعل السياسي لأي سلطة.
مما قد يعمق القطيعة و يخيب آمال قوى سياسية كانت في القريب شريكة للنظام في بعض جوانب الفعل السياسي.
لقد زاد من عمق القطيعة واتساع الشرخ تعامل النظام مع مؤسسة المعارضة الديمقراطية وتنكره للدور السياسي الممنوح لها قانونا، حيث اتسمت علاقته بالمؤسسة بالتجاهل و الإقصاء بدء بالتأخر المتعمد لتسليمها مبكرا في بداية المأمورية، وتجاوزه ودوسه على القانون الذي يبوئها صدارة المشهد السياسي خلال يوميات الفعل السياسي الوطني
ان تنكر النظام لمؤسسة المعارضة تجسد من خلال تمنعه ورفضه لواجب الاستشارة المنصوص عليها قانونا، حيث انقطعت الاتصالات وغابت اللقاءات التشاورية طيلة الفترة المنصرمة من المأمورية بعد اللقاء الوحيد عند مستهل مدة الانتداب، مما يشي باستبطان النظام لفلسفة تقويض المؤسسات وتعطيل القانون. (المادة 12 يستشير رئيس الجمهورية و الوزير الأول كلما اقتضت الضرورة ذلك الزعيم الرئيس و أعضاء مجلس الإشراف علي مؤسسة المعارضة الديمقراطية حول المشاكل الوطنية و القضايا الكبرى المتعلقة بحياة الأمة و في كل الحالات ومن اجل تشجيع الحوار السياسي بين الحكومة و المعارضة ينظم لقاء دوري كل ثلاثة أشهر)
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تعددت مظاهر الإقصاء والتهميش، وتجسدت في رفض ولوج المؤسسة للمعلومات ومنع خبرائها من تقصي المعطيات الرسمية حول السياسات الحكومية رغم مراسلتنا وإلحاحنا في ذلك على الجهات المعنية، (المادة 11للتشكلات السياسية المعارضة الحق في الإعلام حول جميع القضايا المتعلقة بالحياة الوطنية و من اجل ذلك يحق لها تسهيل حرية النفاذ إلي الإعلام من طرف الوزارات و الإدارات العمومية في حدود النصوص المعمول بها ,,,)إضافة إلى تجاهل مطالب المؤسسة لاستكمال الترسانة القانونية من خلال إصدار المرسوم التطبيقي لقانون المؤسسة، و لم يكن النقص الممنهج لميزانية المؤسسة طيلة هذه السنوات إلا مظهرا من مظاهر الإقصاء وضربا من ضروب التقويض و الحصار، ينضاف إلى هذا عدم تمكين الزعيم من الحصول على امتيازاته البروتوكولية، وحرمان أعضاء مجلس الإشراف من امتيازاتهم المادية.
إن التصرف الارتجالي الذي يدير بيه النظام البلاد لم يقتصر فقط على تغييب و تحييد المعارضة بل نالت الأحزاب المكونة للأغلبية حظها من التهميش و عدم الاستشارة.
يعكس هذا السلوك الأحادي مع الشركاء السياسيين أننا بحق في ممارسة ديمقراطية صورية أو شكلية أنتجت أزمة مستفحلة يتطلب الخروج منها إجماعا وطنيا لمختلف القوى الوطنية السياسية والمدنية حول تجاوز كافة الإشكالات الجوهرية العالقة بشأن مختلف القضايا الكبرى للأمةـ، سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو الثقافي، أو على مستوى التعايش والوحدة الوطنية، وهو ما يفرض على النظام الاستماع بشكل أكثر جدية للمطالبات المتكررة بإعطاء ضمانات حقيقية تثبت جديته في هذا الحوار من حيث التحضير، و من حيث المجريات، ومن حيث ضمانات التنفيذ المجسدة للتفاهمات الناتجة عن هذا الحوار دون مراوغة أو تلكؤ.
وفي المقابل نعتبر أن سياسية الهروب الي الأمام التي ينتهجها النظام و تغييبه للكثير من القوي الوطنية السياسية و المدنية عن المشاركة في رسم معالم واضحة وجدية للفعل السياسي الوطني رهانات خاسرة لن تزيد الحالة السياسية إلا تأزما، ولن تزيد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية إلا ترديا.
ثانيا: الحراك الحقوقي و واقع الحريات و موضوع المظالم
يطبع تعاطي الحكومة مع ملف الحريات مفارقات عجيبة، تدعي الحكومة حرية واسعة في المجال الإعلامي، وقد خطا خطوات معتبرة ظاهريا في هذا المجال، لكن النظرة المعمقة في الموضوع تكشف عورا بينا وأخطاء جسيمة تفقد الموضوع جوهره ونتيجته، يتعلق الأمر بتوقيف البرامج ومضايقة بعض الصحفيين، واحتكار الإعلام الرسمي من طرف النظام وأنصاره ومنع القوى المعارضة من ولوجه، كلها أمور تعكس زيف الحرية في هذا المجال وإفراغها من مضمونها رغم تأكيد الحوارات المنعقدة من حين لآخر وبصفة خاصة علي تقاسم الحصص بين الأغلبية و الحكومة من جهة والمعارضة من جهة أخري,
ولم تكن حرية التجمع بأحسن حال حيث تم التعامل مع طلبات الترخيص للأحزاب بمستوى كبير من الحيف ، فقد تم رفض الترخيص لبعض المشاريع الحزبية بحجة الخلفية الفئوية والبعد الديني و ترخيص لأحزاب أخري في ظرفية اقل ما يقال عنها أنها شبه انحيازية و مكشوفة.
كما تعتبر مضايقة الأحزاب في حراكها والسعي لتفتيتها، والتضييق على منتسبيها وحرمانهم من الحقوق، والتمييز بينهم أمام المرفق العمومي، وفي تقلد المهام والوظائف الإدارية مؤشرا قويا على محاصرة النظام للفعل السياسي والتعددية الحزبية التي تعتبر ركنا من أركان الحكامة السياسية الديمقراطية.
كما شهد تعاطي النظام مع الملف الحقوقي تراجعا كبيرا، حيث استمرت الانتهاكات الصارخة و قمع العديد من التظاهرات السلمية.
و دشنت الحكومة حملة تسريح لليد العاملة الوطنية على نطاق واسع وعلى مستوى بعض المؤسسات العمومية فبعد الإذاعة جاء دور صناديق القرض والادخار وشركة المياه و النقل العمومي.
إن تسريح هذه الإعداد وبشكل متزامن- فضلا عن كونه خطوة-يبدو أنه أصبح ركنا أساسيا من سياسة الحكومة العمياء التي لا تلقى بالا ولا اعتبارا و لا ابسط اهتمام لتداعيات وانعكاسات تلك الممارسات الخطيرة وما سينتج عنها من زيادة للبطالة ومشاكل اجتماعية تزيد الوضعية الاجتماعية والاقتصادية تعقيدا وتدفعها نحو الانفجار لا قدر الله.
ثالثا: فى مجال الحكامة و محاربة الفساد
لقد كانت مظاهر الفساد في ظل النظام الحالي بادية للعيان من حيث الحظوة والامتيازات التي تمنح للمقربين في الصفقات، وفي الاستثمار وفي التراخيص، وفي منح العقارات، وفي بيع الممتلكات أملاك المجال العمومي ، إضافة إلى غياب المساءلة وضعف الهيئات الرقابية و عدم فاعليتها.
لقد شهدت البلاد في السنوات الأخيرة موجة ثراء كبيرا لخواص لم يكونوا يمارسون نشاطا يسمح لهم ببناء إمبراطورات مالية في آجال زمنية محدودة مما أدي إلي وجود شبهات دون أن يكونوا موضوع أي مساءلة أو متابعة.
كما ظل ضعف تفعيل القانون المتعلق بالتصريح بالممتلكات مثار ريبة و جدل، فرئيس الجمهورية على سبيل المثال لم يُقْدم على الإعلان بممتلكاته بشكل دوري حتى يسن سنة حسنة قد تشجع بقية المسئولين الساميين للإقتداء به .
ويعتبر انتشار الرشوة والمحسوبية سمتان للعمل الحكومي حيث الريبة و عدم الشفافية في الصفقات العمومية المتحصل عليها و غياب تام لسياسة إعلام نزيه في حال الكلام عن هذا النوع من الممارسات,
إن متطلبات الحكامة الرشيدة تقوم على عدة دعامات أساسية تعتبر الشفافية في مجال تسيير الأموال العمومية أحد ركائزها الرئيسية، و من مقتضيات هذه الشفافية اطلاع المواطنين على حيثيات تسيير الشأن و إصدار تقارير دورية بذلك، وهو ما يفتقده التدبير العمومي في بلادنا.يضاف الي هذا غياب آلية شفافة تضمن بشكل علني و دوري و شفاف التأكد من مطابقة الممتلكات المصرح بها من طرف كبار المسؤولين مع مصادر الدخل.
و بناء على هذه الصورة القاتمة، فليس من المستغرب أن تحجز البلاد المرتبة الأخيرة في قائمة الدول لأكثر انتشارا للرشوة وفق تقرير مؤشر التنافسية العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لسنة 2016. و قد احتلت موريتانيا نفس السنة ذيل مؤشر مدركات الفساد الذي صدر مؤخرا عن منظمة الشفافية الدولية في المركز 142 من أصل 176 دولة وبرصيد لا يتجاوز 27 نقطة من 100، متراجعة بذلك عن المركز 123 الذي كانت تحتله العام الماضي.
ومن هنا يأتي التساؤل عن دور منظومة الاستثمار و مدي حمايتها للمستثمر الأجنبي و الوطني ليس فقط من ناحية التشجيع ولكن أبعاد الوساطة و تشجيع العدالة و الوقوف عند القوانين و تطبيقها.
ويتركز الفساد خصوصا في قطاعات المعادن والصيد، وهو ما يطلق عليه الفساد الأسود، حيث كشفت مثلا تحقيقات أمريكية عن تقديم شركة كينروس- التي تستغل منجم تازيازت للذهب- رشى لمسئولين موريتانيين مقابل التستر على خروقات وانتهاكات للقانون، وهي الاتهامات التي تغاضت عنها الحكومة ورفضت التحقيق فيها.
يعني هذا كله أن الحرب علي الفساد ليست إلا مجرد شعار شعبوي يرفع من حين لأخر لأغراض سياسية و ديماغوجية.
رابعا :الحالة المعيشية و الاجتماعية
تزداد الوضعية المعيشية في البلاد سوءا، بفعل عوامل متعددة كالتدهور المستمر للقدرة الشرائية للمواطنين و عدم قدرتهم على تحمل أعباء الظروف المعيشية الصعبة و الارتفاع المذهل و المضطرد للأسعار و إصرار السلطات على عدم خفض أسعار المحروقات- رغم أن كل دول شبه المنطقة اتخذت سياسات في هذا الاتجاه- و التي يساهم خفضها في تراجع الأسعار بحكم الارتباط الوثيق بين أسعار المحروقات و أسعار المواد الغذائية.
وقد زاد الوضع سوءا وتفاقما بارتفاع البطالة في صفوف القوي النشطة، وتردي الخدمات الأساسية من ماء و كهرباء و صحة و صرف صحي و طرق، الأمر الذي أفقد المواطنين الثقة في وعود الحكومة و برامجها الاجتماعية و الاقتصادية، حيث أفقدت الانقطاعات المتكررة للكهرباء و شبكة المياه تأكيدات وزير الطاقة ان البلاد حققت اكتفاء في مجال الطاقة في غضون ست سنوات من مضمونها وأفرغتها من مصداقيتها، وهو ما يترجم المفارقة الواضحة بين تصدير الطاقة لدول الجوار في التصريحات الرسمية، وواقع المواطنين ومعاناتهم.
إن تكريس سياسيات الإنهاك و التحايل علي المواطنين من خلال قمع ومحاصرة الحراك الاجتماعي والوقفات الاحتجاجية للمواطنين المطالبين بتخفيف معاناتهم كالحمالة و سكان الأحياء العشوائية، حيث ييتم قمعهم والتنكيل بهم بدل التجاوب معهم وحل مشاكلهم أصبح شيئا معتادا و لا يمكننا في هذا الصدد إلا أن نذكر قصة التنقيب عن الذهب التي أصبحت معاناة فرضت الدولة خلالها ضرائب مجحفة على آلاف المواطنين.
و في مجال غياب الأمن وصلت الجريمة في هذا العام مستوي قياسيا، لم يعد المواطن معه يأمن على روحه و ماله و عرضه، و الأخطر في شأن الجريمة هذه ضعف الإجراءات الرادعة المتخذة من طرف الحكومة في سبيل مواجهتها.
ويعد سببا في استفحال ظاهرة الجريمة عدم تأهيل نزلاء السجون واكتظاظها وعدم التمييز بين السجناء على أساس مؤشر الخطورة- حيث أصبحت السجون دورا لتخريج المحترفين وممتهني الإجرام بدل تأهيلهم وتقويم سلوكهم- و تهميش بعض الأسلاك الأمنية و عدم تزويدها بالمتطلبات و اللوازم الكفيلة بوضعها في جو يسمح لها بالقيام بأداء مهامها وفق الوجه المطلوب.
وبخصوص التحديات الأمنية العابرة للحدود، فقد تم تصنيف موريتانيا منذ عامين، من قبل مكتب المخدرات والجريمة التابع للأمم المتحدة على أنها من أخطر معابر المخدرات.
وشهد العام المنصرم اعتقال العديد من مهربي المخدرات وتم إيقاف العديد من باصات المخدرات المتجهة إلى الداخل الموريتاني، دون أن تكشف التحقيقات عن الأفراد الضالعين خلف هذه العمليات، وهو ما يثير الدهشة والاستغراب.
أما على مستوى الهجرة السرية فتشير وثائق الأنتربول أن أفواج المهاجرين العابرين لحدود موريتانيا في اتجاه الشواطئ الأوروبية أصبح في حدود سبعة آلاف مهاجر للعام، وأن شبكات التهريب تستفيد من ذلك مئات المليارات من الأوقية.
تشهد الخدمات الصحية في البلاد تراجعا كبيرا على جميع المستويات، سواء في مجال الصحة القاعدية، أو في مجال الكفاية في الطاقم الطبي في مختلف التخصصات، أو في مجال الأدوية ومحاربة الغش والتزوير، أو على مستوى البنية التحتية والمعدات الطبية، حيث لا زالت الرحلات الاستشفائية تنهك كاهل المواطن نحو دول الجوار بسبب رداءة الخدمة الصحية في البلد.
و تأتي خدمة الأوراق المدنية ككابوس آخر من المعاناة اليومية للمواطنين فلم تعد الحالة المدنية تستنزف جيب المواطن فقط ففيها ضياع لوقته حيث يمضي المواطنون اياما طويلة للحصول على وثيقة عادية أو تخزينها. هذا ناهيك عن تعقد الإجراءات المتعلقة بالحصول علي الوثائق.
إن واقع التعليم بمختلف مستوياته شهد هو الآخر تراجعا كبيرا في أداء منظومته التربوية و نسب نجاح تلامذته و طلابه، فما يسمي سنة التعليم التي أرادتها الحكومة
سنة نموذجية تحولت إلي واحدة من أسوء سنوات الحياة التعليمية و شواهد ذلك كثيرة ، و من أبرزها التدني غير المسبوق لنجاح التلاميذ في مسابقات دخول التعليم الأساسي و شهادة ختم الدروس الإعدادية و الباكالوريا.
و قد أكد التقرير السنوي لمؤشر جودة التعليم هذه الحقيقة حيث احتلت بلادنا المرتبة 137 من أصل 140، من حيث جودة التعليم علي مستوي التعليم الأساسي وفي مجال التعليم العالي والتكوين احتلت المركز الأخير 140 من أصل 140 دولة.
إن أزمة التعليم لم تعد للأسف تتوقف على منظومة تربوية و لا على جودة المخرجات و لا على كفاءة الطواقم التربوية، بل تجاوزت كل ذلك إلى أزمة أخلاق و قيم تتجلي مظاهرها في تحول العديد من مؤسساتنا التعليمية إلى أوكار لتعليم التلصص و تعاطي الممنوعات و التسيب الأخلاقي بمختلف أشكاله.
ان بلدا هذا واقعه التعليمي و الصحي و الاجتماعي ليس غريبا أن تحتل المرتبة 130 في مؤشر السعادة عالميا للعام 2016، وفق تقرير تعده سنويا الأمم المتحدة حول السعادة العالمية انطلاقا من تقييم سعادة السكان في محاولة لبناء مجتمعات سليمة وفعالة أكثر
خامسا: الحالة الاقتصادية
إن تردي الأوضاع الاجتماعية و المعيشية للمواطنين لا يمكن عزله عن الحالة الاقتصادية السيئة للبلاد، رغم المحاولات الرسمية للتغطية عليها بتصريحات و خرجات إعلامية غير مقنعة و لا متماسكة و لا موفقة، ففي الجانب الاقتصادي تؤشر المعطيات إلي تراجع المعدل المزعوم للنمو لهذا العام حيث من المتوقع ان تصل نسبته 4.1% وفق توقعات صندوق النقد الدولي، و يعود هذا التراجع بشكل أساسي إلي اعتماد البلاد على المواد الأولية كمصدر إيراد أساسي-رغم التراجع العالمي لأسعار الحديد- في نسيجها الاقتصادي و غياب سياسات فاعلة و رشيدة تقوم على تنويع الاقتصاد الوطني و جعل بعض قطاعاته تساهم بشكل أساسي في النمو الاقتصادي لامتلاكها لمقدرات تنموية هامة كالقطاع الريفي بشقيه الرعوي و الزراعي مثلا.
و أدت هذه الوضعية الصعبة إلي زيادة الديون الخارجية حيث وصلت 93% من الناتج المحلي الخام، وتعتبر هذه النسبة من أكبر معدلات الاستدانة على مستوي القارة الإفريقية.
و قد تميزت سياسة الحكومة في مجال التحصيل و الإيرادات بالتركيز على الضغط الضريبي في ظل تراجع بعض الإيرادات غير الضريبية. فيبدوا أن الحكومة مصرة علي انتهاج سياسة ضريبة مجحفة تجاه المواطنين حيث اتسعت أوعية الضرائب و تشعبت مواردها من خلال زيادات معتبرة و متصاعدة.
و تسعي هذه السياسة لتكميل و تعويض النقص الحاصل في مجال تراجع أداء بعض الأنشطة الإنتاجية.و قد انعكست هذه السياسيات في زيادة القيمة المضافة بنسبة 2%، و في إضعاف القطاع الخصوصي بسبب الضرائب المتعددة التي أصبحت تُفرض على المؤسسات الخصوصية. و قد ساهمت السياسات الضريبية المجفحة- التي لا تقابلها خدمات ملموسة للمواطنين- في زيادة الفقر و انتشار البطالة. و سجلت موريتانيا سنة 2016 أعلي نسبة بطالة، وفق تقرير أصدره البنك الدولي عن دول شملتها إحصائيات عن البطالة. و حسب التقرير فإن نسبة البطالة بموريتانيا تصل 31.5%.
في حين بلغت نسبة الفقر حوالي 46% من السكان يرتكز ما يقارب 75% منهم في الأرياف.
ويعاني الاقتصاد الموريتاني من الهشاشة بسبب الاستخدام غير الفعال لعائدات الموارد الطبيعية من معادن وعائدات اتفاقيات الصيد وإهمال قطاعات حيوية وكثيفة العمالة إضافة إلى ضعف القدرة التنافسية فموريتانيا تحتل المرتبة 138 على تقرير تنافسية الاقتصاد العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي وبرصيد لا يتجاوز 3 من 7.
و لا تقتصر تحديات الاقتصاد الوطني على النقاط التي تمت الإشارة إليها، فالاقتصاد الموريتاني يفتقر أيضا إلى التنويع ويعاني من سوء الإدارة وانتشار الفساد والرشوة، وهذا ما أدّى لتراجع النمو من 6 % سنة 2014 إلى 2 % فقط سنة 2015 بعد انهيار أسعار خام الحديد وهو ما كانت له تداعياته على كل القطاعات التي استفادت من طفرة التعدين(الأشغال العامة و النقل و الاتصالات...)، كما تراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 66% وانسحبت العديد من الشركات التي كانت تستثمر في المعادن و غيرها.
ولمعالجة هذه الوضعية الكارثية عمدت السلطات للعديد من الإجراءات كان المواطن ضحيتها الأول فخلال سنة واحدة تمّت زيادة نسبة ضريبة القيمة المضافة من 14% إلى 16 % لترتفع نسبة موارد الميزانية من الضرائب إلى 70 %، وهو ما أدى لتوقف العديد من الشركات عن العمل.
وتستمر عائدات الضرائب في احتلال مكانة بارزة في الموازنة العامة للدولة، فقد تم توسيع القاعدة الضريبية؛ والضغط الضريبي في ازدياد منتظم. وقد صنّف تقرير لشركةPrice water house Coopers والبنك الدولي موريتانيا في المرتبة 186 من أصل 190 دولة في ما يتعلق بالعبء الضريبي على الشركات الصغيرة والمتوسطة.
لقد فشلت الحكومة في الوصول إلى الهدف الأول من أهداف الألفية للتنمية ويتمثل في خفض معدل الفقر إلى 28 % في أواخر عام 2015، مع أن البلاد حصلت على موارد هائلة خصوصا من قطاع المعادن والمحروقات والتمويلات الأجنبية وهو ما انعكس على أرقام النمو الذي تضاعف خلال السنوات الماضية لكنه لم يكن نموا شاملا ولم يحدث أثرا على حياة الفقراء، فلا القدرة الشرائية ارتفعت ولا تم إيجاد حل لغلاء المعيشة المستمر. ولم يكن لهذه الأرقام من فائدة سوى أنها أخرجت موريتانيا من تصنيف الدول ذات الدخل المتوسط وبالتالي حرمتها من الاستفادة من شطب الديون.
ولا تزال البطالة في البلاد في تصاعد مستمر لتصل في صفوف الشباب إلى 21 % سنة 2014 مسجلة صعودا بخمس نقاط مقارنة مع العام 2012. ورغم عدم موثوقية هذه الأرقام الرسمية وإجماع المتخصصين على أن النسبة أكبر وتصل إلى أزيد من 30 % إلا أنها تظل أرقاما كبيرة ومقلقة جدا وتشكل مؤشرا على فشل سياسات التشغيل التي انتهجتها الحكومة خلال السنوات الأخيرة سواء من خلال الوكالة الوطنية لتشغيل الشباب أو من خلال التوجه نحو التكوين المهني وكذلك إنشاء صندوق الإيداع والتنمية الذي تمكّن من جمع أكثر من 50 مليار أوقية من الودائع. فأموال الصندوق التي هي في الأصل موجهة لتمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة من أجل مكافحة البطالة والفقر أصبحت تستخدم من أجل أغراض سياسية من خلال تقديم تمويلات بأرقام فلكية لشخصيات موالية للنظام دون ضمانات حقيقية.هذا بالإضافة إلى إهمال الحكومة للقطاعات كثيفة العمالة مثل قطاع الصيد والقطاع الريفي والتركيز على قطاع المعادن الذي لا يشغل سوى 4 % من الموريتانيين النشطين.
كما أن موريتانيا لا تزال مصنفة ضمن فئة البلدان ذات التنمية البشرية المنخفضة 156 من أصل 188، على دليل التنمية البشرية الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. و تتميز هذه البلدان بانعدام المساواة في توزيع الثروات الوطنية وارتفاع نسبة التسرب المدرسي وتدهور المستوى المعيشي هذا علاوة على انعدام الأمن الحضري وعدم توفر بيئة نظيفة وصالحة للعيش.
إن الصورة القاتمة التي تطبع الحالة العامة للبلاد تدعونا في المؤسسة للتأكيد على ما يلي:
- المطالبة باتخاذ سياسات صارمة و سريعة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية الصعبة التي يواجهها المواطنون من خلال خفض أسعار المواد الغذائية و المحروقات، و العناية بالفئات الهشة التي أصبحت تتسع قاعدتها في الفترات الأخيرة.
- الدعوة لحوار شامل و صريح و عاجل يفضي لقيام دولة مؤسسات بعيدا عن الفردية و التحكم و تضمن توفير جو التناوب السلمي بدل تكريس مبدأ احتكار السلطة.
- إشراك كل الفاعلين الأساسيين من اجل وضع إستراتجية تضمن تعزيز الوحدة الوطنية و حسن التعايش بين مكونات الوطن
- وضع آلية فعالة لامتصاص البطالة من خلال فتح فرص حقيقية للتوظيف تعتمد على الشفافية و إنشاء مشاريع حقيقية مدرة للدخل لاستيعاب العاطلين عن العمل.
- زيادة مخصصات الصحافة المستقلة و الأحزاب السياسية و مؤسسة المعارضة الديمقراطية.
- مساعدة الحقل الإعلامي للبلد حتى يتمكن من لعب الدور المنوط به في كشف الحقائق و تثقيف المواطن
- مراجعة المنظومة القانونية للبلد عبر مشاركة كل القوي الحية و إرساء دعائم حقيقية لدولة القانون و المؤسسات
- الاستجابة لمطالب العمال المفصولين تعسفيا من المؤسسات الحكومية.
- بذل جهود حثيثة للكشف عن مصرين كل من الصحفي إسحاق ولد المختار و رجل الأعمال رشيد مصطفي و إرجاعهما لذويهما.
- انتشال الحالة المدنية من الضياع بتسهيل ولولوج المواطنين لخدمات وكالة الوثائق المؤمنة و تمكين عمالها من حقوقهم و خاصة لجان التقييد التي لم تستلم مخصصاتها منذ أكثر من سنتين.
- تسهيل عمليات التنقيب التقليدي عن الذهب التي تقوم بها مجموعات كبيرة من المواطنين و إعطائهم المعلومات الصحيحة و توفير الأمن لهم بدل مضايقتهم و مطاردتهم و حجز ممتلكاتهم و إرهاقهم بالرسوم.
- دعوة القوي السياسية المعارضة لتناسي خلافاتها و للعمل الجاد من أجل ان تكون سنة 2019 سنة مفصلية في تاريخ الديمقراطية الموريتانية.