حكاية مستقبل زاهر لشخصية فذة من الماضي المضطرب ..
للتو اكملت بعد الوقوف علي كل حرف قراءة الجزء الاول من حكاية "الموت ولا الدنا" المتعلق بمسار شخصي غني من ماضينا المضطرب في ظل الاحكام السياسية كما رسمه شاهد على العصر ارتبط اسمه في العقود الاخيرة بدوره الدولي كوجه بارز في منظمة الامم المتحدة التي خصص لعمله ضمنها جزأ من كتابه ..اجزم قبل ان اقرأه بأهميته القصوي في إنارة الراي العام حول اسرار اكبر واقدم معبد دبلوماسي في تاريخ الإنسانية ..
و مع قراءة الجزء الاول اكتملت لدي ملاحظات عن الكتاب وعن صاحبه وهو شخصية وطنية كنت قد سمعت عنها مذ ايام الاضطرابات التي تلت نهاية حكم الرييس المختار ولد داده رحمه الله ايام كنا في الثانوية الوطنية نسميه باحمدو ولد عبد الله المدني بغية التميز بينه وبين ابن عمه وسمييه العسكري احمدو ولد عبد الله رحمه الله ..
بالطبع التقيت به بعد ذلك بعقود في مناسبات غالبا ما كانت بروتوكولبة و سريعة و تعرفت عليه بالسماع بواسطة أخوة وأصدقاء عرفوه عن قرب .. وحدثوني عن كفاءته و عن وسع معرفته و علاقاته المفبيدة. و كما يقول المثل اهل مورتان متعارفين فيما بينهم .. كما كنت قد تابعت باهتمام الأحاديث المتعلقة بشخصيته الفذة و بطموحه الذي يستمد مشروعيته من خبرته و تجربته و مكانته الاجتماعية في البلد و حصل لي الشرف ان التقي به بمبادرة منه او من بعض المروجين له. ضمن مجموعة من الشباب .. نسبيا ...المهتم بالشأن السياسي ايام انطلاق ما يعرف بالمسلسل الديمقراطي في بداية التسعينات حيث حدثنا حينها عن أغلاط نظام " الحزب الواحد " غير المنصف parti unique, parti inique
ولم يفاجئني اذن اسلوب الحكواتي الذي تميزت به مذكرات الموظف الكبير والوزير الخبير و قد استمتعت بحديثه الشيق مذ البداية المؤثرة جدا في " حاسي عبد الله " حيث ولد في ظروف قاسية و تربي يتيما بعد اختفاء الوالد و سجن العم رحمها الله في اعقاب الفتنة الأهلية بين انصار الشيخ حماه الله و خصومه. عفا الله عما سلف .. و حيث وجدت مجموعته نفسها مضطرة لإسناد أمرها الي امراة.(عمته العظيمة رحمها الله) ..في مشهد لفت انتباه الادارة الاستعمارية .. فمن كان حينها يتصور ان الطفل الذي ذهب الي مدرسة نائية علي ظهر جمل وتابع فيها الدروس الابتداية .حافي القدمين. بعد ان كان يتعشي غالبا من حليب الغطاء ( لبن الفرو ) في قرية نستها الجغرافيا بعد ان أهملها التاريخ. سيكتب بحروف من ذهب اسمه في سجل عظماء العالم ؟
انها حكاية الطالب الذي أدرك علي طريق العظيم نابليون في جنوب فرنسا بان العظمة التي تكمن في سبيل الحظ لا تتطلب ابدا العدول عن التواضع.. و ان المكتوب له افضل على الدوام مما يسعي لنيله .. و الذي رمت به الأقدار في عملية البناء الوطني في الأوقات الأكثر حرجا لجمهورية الرمال الزاحفة كوزير ليبرالي في نظام ذي توجهات اشتراكيية و كاول سفير بمعقل الامبرالية الامريكية. لجمهورية اسلامية دفعها شعور القومية العربية الي قطع العلاقت مع سيدة العالم.التي لا تري عشره فوق ظهر حمار. .. تجربة اكتسب من خلالها. خبرة ملحوظة ايام نهاية حرب الصحراء المشؤومة حين سعي بوصفه وزيرا للخارجية التي أضاف لها التعاون .. في حراك دبلوماسي محموم ..إلى إخراج البلاد من ورطة الهاوية التي أضرت بهويتها ... و حين كان اكبر شاهد علي أطماع القوي العظمي و المتوسطة والصغرى التي تغذت من مأساتنا ...في حقبة صراع التماسيح. حين كان لا يد لدولة صغيرة ان تختار معسكرها .. ايام كان القذافي رحمه الله يريد من حكامنا ان يتحصنوا بالكتاب الأخضر و ان يقطعوا الروابط مع الدول الإمبريالية والرجعية و ان "يحذروا داخليا من مكر الماركسيين من امثال بدر الدين و احمدو ولد عبد القادر وولد أشدو. و كذلك من البعثيين المدعومين من العراق "
حكاية تتخللها حكايات كثيرة. تارة علي نهج عظماء الحكاوتيين و تارة اخري بنبرة حكاية الجدات و أحيانا بأسلوب " جف " الصالونات الي حد إلقطيعة .. في بعض الحالات .. مع منهجية الكتابة الموضوعية التي تتطلب اضافة الي ترتيب الأفكار دقة في إعطاء المعلومات.. الامر الذي إدي الي تباين في اسلوب صاحب الكتاب حيث يظهر الفرق جليا بين سرده لأحداث واكبها شخصيا و في الغالب يقدم أدلة قاطعة عليها و نقله لأحاديث غير دقيقة سمع عنها ...
و تظهر الحكاية استقلالية صاحبها السياسية فهو لا يخفي ميوله الليبرالية التي تمسك بها ايام المد الاشتراكي كما لا يخفي معارضته الخفية لحكم الحزب الواحد و للأحكام الأحادية العسكرية ..و في تقييمه لحكامنا استخدم الكاتب ضروسا تتفاوت بين اللين و القساوة .. فرغم احترامه وتقديره للرئيس المختار ولد داداه رحمه الله الذي عمل معه كوزير و كأول سفير في واشنطون .. قام الكاتب بأسلوب دبلوماسي و تحت غطاء مجاملات راقية بنسف كل إنجازات الرئيس المؤسس وحولها الي أغلاط كارثية كمراجعة الاتفاقيات مع فرنسا الاستعمارية التي وجد المختار رحمه الله نفسه مضطرا الي العودة إليها من الباب الصغير حين وقع مع وزير فرنسي ما كان سابقا من اختصاص الرؤساء !! و كمجمل الخيارات الاقتصادية لنظام الحزب الواحد و ما طبعها من ديماغوجية ًو مغالطات. ولم يسلم من الكاتب معبودنا الوطني الأوقية التي يعد إنشاءها في نظره مصيبة تتطلب المراجعة لكي يثبت لنا الاجر ... و مع ان الكاتب استخدم ضروسا اقل شراسة مع كل من المصطفي ولد محمد السالك و احمد ولد بوسيف رحمهما الله ..فان ضروسه كانت على العموم قاسية مع الحكام العسكريين خصوصا مع الرييس السابق معاوية ولد الطايع رغم ان ولد الطليع " ساندة بقوة " حسب قول الكاتب ..في ترشحه لمنصب ألأمين العام للأمم المتحدة .. اما الضرس التي تناول بها الرييس السابق محمد خون ولد هيدالة .. ابن عمه ..كما يقول .. الذي زج به في السجن باوجفت ...فقد كانت لينة و رحيمة ..فتراه يجد له في كل مرة عذرا. و كذلك يلاحظ لين و بعض الحلاوة. في الضرس التي تناول بها الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز. ... ولعلها ضرس العقل ....
عبد القادر ولد محمد