الذكرى ال ٤٦على مذبحة إز ويرات و ثورة عمالها على "ميفرما"(ملف متكامل)

خميس, 2014-05-29 12:09
الشهيد سميدع ألهم الكادحين و خلدت سيرته تضحياتهم

صحيفة مراسلون الإلكترونية نقلا عن موقع أقلام (أقلام -أرشيف صيحة المظلوم ) تمر الذكرى ال ٤٦ على أحداث 29 مايو 1968 في ازويرات، وهي فترة طويلة بالفعل غير أنها ليست كافية لنسيان حدث هو مؤلم من جهة نظرا لتكاليفه الإنسانية الباهظة، وبالغ الأهمية من جهة أخرى نظرا لأهميته الاستثنائية في إطلاق شرارة النضال الوطني من أجل استكمال الاستقلال وتحقيق المزيد من العدالة. يومها خرج عمال شركة مناجم الحديد في موريتانيا المعروفة ب "ميفرما"، للاحتجاج على ظروف عمل تميزت بالاستغلال والتمييز ليجدوا أنفسهم وجها لوجه أمام قوة عسكرية لديها أوامر صريحة باستخدام أسلحتها ضدهم عند الاقتضاء! ومع أن التظاهرة كانت سلمية فإن الحصانة التي كانت تتمتع بها شركة "ميفرما" جعلت من الضروري أن تتم معاقبة من يتجرأ على رفع صوته في حضرتها! كيف تطورت الأوضاع باتجاه المواجهة؟ وما الذي حدث بالضبط؟ ذلك ما يكشف عنه تقريران سريان أعدهما مندوب الحكومة آنذاك (الوالي) السيد أحمد ولد أبا (تقرير رقم: 92 بتاريخ 29 مايو 1968 موجه لوزير الداخلية، تقرير رقم 93 بتاريخ 3 يونيو 1968 موجه لوزير الدفاع)، بالإضافة إلى شهادات المسؤولين الإداريين والسياسيين والنقابيين في ازويرات التي وثقتها لجنة تحقيق من المكتب السياسي لحزب الشعب في تقرير لها بتاريخ 14 يوليو 1968 وهي مشكلة من كل من وان بيران، هيبه ولد همدي ومحمد ولد سيدي عالي. بالنسبة لرئيس مركز افديرك، محفوظ ولد ببوط، ينبغي البحث عن سبب التحرك العمالي "في المظالم التي يعيشها العمال منذ فترة طويلة والتي جعلتهم يفقدون الثقة في السلطات الإدارية التي لم يعد لها وجود فعلي إلى جانب شركة ميفرما". أما مفتش الشغل في ازويرات، تانديا بابا، فيذهب أبعد من ذلك موضحا بأن "ميفرما كرست تمييزا عنصريا رهيبا على كل مستويات النشاطات وأقامت حواجز يصعب وصفها بين الأوربيين والعمال الأفارقة"! بعبارة أخرى بلغت شركة ميفرما درجة من التغطرس جعلتها تقيم حائطا بين مساكن الأوربيين العاملين بها للفصل بينهم مع عمالها الموريتانيين، وأكثر من ذلك كانت تدفع علاوات خاصة للأوربيين المحاذين لهذا الجدار تعويضا لهم عن قرب الجار السيئ الذي يسكن خلف الجدار، كما كان يجري في أيام عز الاستعمار! 

 ضد تلك المظالم، إذا، وذاك الميز العنصري، تحرك العمال باحثين عن ظروف عمل أفضل، ولأن إدارة الشركة ترفض حتى مجرد استقبالهم فقد أعلنوا الدخول في إضراب عن العمل ابتداء من يوم الاثنين 27 مايو. وفي محاولة أولى لإفشال الإضراب استدعت ميفرما نقابيين موالين لها لتعلن مساء نفس اليوم بأنها توصلت معهم لبروتوكول اتفاق ينص على أنه "بعد عودة العمال ينبغي أن تبدأ نقاشات مع ميفرما لدراسة تطبيق بعض المقتضيات المتعلقة بالحصول على بعض العلاوات المنصوص عليها في المادة 42 من الاتفاقية الجماعية للمعادن، وكذلك تطبيق المواد 15، 17 و 36 والملحقين 3 و 8 من نفس الاتفاقية". 

 وقد وقع هذا البروتوكول كل من دودو فال (مساعد مندوب الحكومة)، تانديا بابا (مفتش الشغل)، النعمه ولد كعباش (أمين قسم اتحاد العمال الموريتانيين)، ابراهيم ولد خالد، رشاردسون، فالنتين. رد العمال جاء سريعا وفي شكل تظاهرة ضخمة أغلقت الشوارع الرئيسية في المدينة بالمتاريس واستمرت من الساعة العاشرة حتى الساعة الثانية فجرا، أعلنوا من خلالها رفضهم للاتفاق واستمرارهم في الإضراب عن العمل، وهو ما أكدوه بالفعل صبيحة اليوم الموالي (الثلاثاء 28 مايو) حين خرجوا الساعة الثامنة والنصف في أضخم تظاهرة عرفتها مدينة ازويرات حتى ذلك الوقت. 

 بالطبع لم تكن السلطات الجهوية والمحلية لتخفي تضامنها مع ميفرما، ولم تكن لتألو جهدا في سبيل إظهار هذا التضامن، غير أن تصميم العمال والقدرة الهائلة التي أظهروها على التعبئة دفعتا السلطات المركزية في نواكشوط إلى أن تهب هي الأخرى لنجدة حليفتها المدللة. هكذا صدرت الأوامر إلى النقيب فياه ولد المعيوف (قائد الدرك الوطني) بالتوجه إلى ازويرات ليصبح القائد الميداني لقوات الجيش والدرك والحرس المتواجدة في الولاية. 

 في نفس الإطار أيضا تم تحريك الأمين العام لعمال موريتانيا، افال مالك، ومدير الشغل، بلاها ولد مختار الله. ولأنه لم يكن هناك وقت يمكن تضييعه فقد سارع الضيوف الجدد إلى الانضمام للسلطات الجهوية في ترهيب وترغيب المضربين ومحاولة التأثير على معنوياتهم، "لقد حاولنا –يقول مندوب الحكومة في تقريره- استخدام ورقة القبلية.. وفي هذا الإطار حصل النقيب فياه ورئيس المركز محفوظ على بعض التعهدات..". 

 غير أن تلك التعهدات لم تعط أكلها لأن المظاهرات تواصلت صبيحة الأربعاء 29 مايو منطلقة من أمام المستشفى، وقد انضم إليها هذه المرة إلى جانب العمال سكان المدينة من نساء وتجار وعاطلين عن العمل، ثم تجددت بعد الظهر حوالي الساعة الرابعة وهي أضخم وأكثر ضجيجا (ما بين 5000 إلى 6000 آلاف متظاهر بحسب تقديرات النقيب فياه). ولغاية هذه اللحظة –وعلى بعد دقائق من الكارثة- لم يستسلم موفدو السلطة بل انضموا إلى التظاهرة في محاولة أخيرة لإيجاد صيغة ما لإفشال الإضراب، غير أنهم كانوا أمام تحد أساسي لم يستطيعوا تجاوزه منذ بدء الإضراب وهو تحديد الجهة التي عليهم أن يتفاوضوا معها. 

 كانت المشكلة الأساسية تكمن في أنه تم تشكيل قيادة سرية للإضراب منفصلة تماما عن القيادة المعروفة لقسم اتحاد العمال الموريتانيين -الذي كان قد بدأ للتو مساره الاندماجي في حزب الشعب- وأن السلطات عجزت تماما عن تحديد أعضاء هذه القيادة التي لم يكن يوجد لها من أثر سوى التنظيم المحكم للإضراب أو ما تصدره من بيانات كان آخرها البيان رقم 2 الصادر صبيحة 29 مايو والذي أكدت فيه بكل وضوح أنه "بالنسبة للعمال ليس هناك طريق يقود إلى التغيير الجذري غير التنظيم والوحدة ومواصلة النضال". 

 كانت الأجواء شديدة التوتر وكانت صيحات الاحتجاج ترتفع منددة بالاستغلال ومتوعدة بالكفاح لغاية نيل كامل الحقوق. بالنسبة للأوربيين في ميفرما، والفرنسيين منهم على وجه الخصوص، كان المشهد يحيل مباشرة إلى ما يجري داخل بلدانهم حيث كانت تغلي حينها –مايو 1968- بانتفاضات عنيفة يعبر من خلالها اليسار الجديد الصاعد عن غضبه من استغلال الرأسمال المتوحش. كان الطلاب يحتلون الجامعات والعمال يحتلون المصانع وكانت المواجهات تزداد ضراوة يوما بعد يوم بين المتظاهرين وقوى الأمن. 

 وبالنسبة للسلطات الموريتانية المتخوفة من انتشار العدوى الأوربية عبر بوابة ميفرما، فإن أي تحرك داخلي كان ينظر إليه شزرا باعتباره خدمة لأغراض خارجية تستهدف وحدة البلاد واستقلالها وحوزتها الترابية. كانت أحداث 66 ما تزال تلقي بثقلها على المشهد الوطني وكان النجاح الباهر الذي حققه القمع الوحشي لتلك الأحداث ما يزال ماثلا أمام أعين سلطات نواكشوط. 

 لو أضفنا لتلك العوامل التصميم القوي لعمال ازويرات على نيل حقوقهم والرغبة العارمة لدى الإداري ريشاردسون في الانتصار عليهم من دون تقديم أية تنازلات، لأدركنا كم كانت الظروف في مساء 29 مايو مهيأة للتطور باتجاه الكارثة، خصوصا وأن النقيب فياه –القائد الميداني للقوات المسلحة وقوات الأمن- كان قد وضع للتو في جيبه أمرا بضرورة استخدام الرصاص لفرض النظام: 

 "نحن، أحمد ولد أبّا، مندوب الحكومة، نأمر باسم القانون السيد النقيب قائد الدرك الوطني في نواكشوط، الموجود في ازويرات، بالقيام بما هو ضروري من أجل استخدام السلاح لإعادة النظام الذي زعزعه إضراب عمال ميفرما، وأن يطلعنا على تنفيذ هذا الأمر.. ازويرات 29 مايو 68"، (نص الأمر بإطلاق الرصاص) هو إذا أمر قضي بليل! وفيما كان الأمين العام لاتحاد العمال الموريتانيين، افال مالك، ينسحب من بين المتظاهرين مكسور الخاطر بعد أن عجز عن التأثير في مجريات الأحداث، ليلتحق بالسلطات الإدارية في الجانب الآخر من الميدان كان كل شيء يوحي بأن الوقت بدأ ينفد. ينقل لنا مساعد مندوب الحكومة دودو فال –في تقرير لجنة حزب الشعب- أكثر فصول هذه الأحداث مأساوية: "بينما كانت مجموعة من المتظاهرين تسلم عريضة مطلبية مكتوبة إلى مندوب الحكومة، قامت القوة العسكرية برمي المتظاهرين بقنبلة مسيلة للدموع فرد عليها المتظاهرون بالحجارة فردت القوات بإطلاق وابل من الرصاص نجم عنه ما هو معروف". 

 "ما هو معروف" هو بحسب المصادر الرسمية حصيلة مؤلمة: ثمانية قتلى وأربعة وعشرون جريحا جراح بعضهم بالغة الخطورة! وبحسب المصادر غير الرسمية كانت الحصيلة أكثر من ذلك بكثير. هكذا أعلنت المدينة الحداد وأعلنت فيها حالة طوارئ. سمعت الطلقات في ازويرات وحصدت الضحايا هناك، غير أن صداها تردد في جميع أنحاء البلاد. موجة الاستياء كانت عارمة، وكان أفضل من يعبر عنها في ذلك الوقت شاعر شاب مسكون بالهم الوطني والقومي، ومفتون بالمثل والمبادئ الثورية. حينها كان ما يزال يخاطب الضمير الوطني في السلطة وإن كان مفجوعا بمصير العمال: 

.

 يومها خرج عمال شركة مناجم الحديد في موريتانيا المعروفة ب "ميفرما"، للاحتجاج على ظروف عمل تميزت بالاستغلال والتمييز ليجدوا أنفسهم وجها لوجه أمام قوة عسكرية لديها أوامر صريحة باستخدام أسلحتها ضدهم عند الاقتضاء! ومع أن التظاهرة كانت سلمية فإن الحصانة التي كانت تتمتع بها شركة "ميفرما" جعلت من الضروري أن تتم معاقبة من يتجرأ على رفع صوته في حضرتها! 

 كيف تطورت الأوضاع باتجاه المواجهة؟ وما الذي حدث بالضبط؟ ذلك ما يكشف عنه تقريران سريان أعدهما مندوب الحكومة آنذاك (الوالي) السيد أحمد ولد أبا (تقرير رقم: 92 بتاريخ 29 مايو 1968 موجه لوزير الداخلية، تقرير رقم 93 بتاريخ 3 يونيو 1968 موجه لوزير الدفاع)، بالإضافة إلى شهادات المسؤولين الإداريين والسياسيين والنقابيين في ازويرات التي وثقتها لجنة تحقيق من المكتب السياسي لحزب الشعب في تقرير لها بتاريخ 14 يوليو 1968 وهي مشكلة من كل من وان بيران، هيبه ولد همدي ومحمد ولد سيدي عالي. 

 بالنسبة لرئيس مركز افديرك، محفوظ ولد ببوط، ينبغي البحث عن سبب التحرك العمالي "في المظالم التي يعيشها العمال منذ فترة طويلة والتي جعلتهم يفقدون الثقة في السلطات الإدارية التي لم يعد لها وجود فعلي إلى جانب شركة ميفرما". أما مفتش الشغل في ازويرات، تانديا بابا، فيذهب أبعد من ذلك موضحا بأن "ميفرما كرست تمييزا عنصريا رهيبا على كل مستويات النشاطات وأقامت حواجز يصعب وصفها بين الأوربيين والعمال الأفارقة"! 

 بعبارة أخرى بلغت شركة ميفرما درجة من التغطرس جعلتها تقيم حائطا بين مساكن الأوربيين العاملين بها للفصل بينهم مع عمالها الموريتانيين، وأكثر من ذلك كانت تدفع علاوات خاصة للأوربيين المحاذين لهذا الجدار تعويضا لهم عن قرب الجار السيئ الذي يسكن خلف الجدار، كما كان يجري في أيام عز الاستعمار! 

 ضد تلك المظالم، إذا، وذاك الميز العنصري، تحرك العمال باحثين عن ظروف عمل أفضل، ولأن إدارة الشركة ترفض حتى مجرد استقبالهم فقد أعلنوا الدخول في إضراب عن العمل ابتداء من يوم الاثنين 27 مايو. وفي محاولة أولى لإفشال الإضراب استدعت ميفرما نقابيين موالين لها لتعلن مساء نفس اليوم بأنها توصلت معهم لبروتوكول اتفاق ينص على أنه "بعد عودة العمال ينبغي أن تبدأ نقاشات مع ميفرما لدراسة تطبيق بعض المقتضيات المتعلقة بالحصول على بعض العلاوات المنصوص عليها في المادة 42 من الاتفاقية الجماعية للمعادن، وكذلك تطبيق المواد 15، 17 و 36 والملحقين 3 و 8 من نفس الاتفاقية". 

 وقد وقع هذا البروتوكول كل من دودو فال (مساعد مندوب الحكومة)، تانديا بابا (مفتش الشغل)، النعمه ولد كعباش (أمين قسم اتحاد العمال الموريتانيين)، ابراهيم ولد خالد، رشاردسون، فالنتين. رد العمال جاء سريعا وفي شكل تظاهرة ضخمة أغلقت الشوارع الرئيسية في المدينة بالمتاريس واستمرت من الساعة العاشرة حتى الساعة الثانية فجرا، أعلنوا من خلالها رفضهم للاتفاق واستمرارهم في الإضراب عن العمل، وهو ما أكدوه بالفعل صبيحة اليوم الموالي (الثلاثاء 28 مايو) حين خرجوا الساعة الثامنة والنصف في أضخم تظاهرة عرفتها مدينة ازويرات حتى ذلك الوقت. 

 بالطبع لم تكن السلطات الجهوية والمحلية لتخفي تضامنها مع ميفرما، ولم تكن لتألو جهدا في سبيل إظهار هذا التضامن، غير أن تصميم العمال والقدرة الهائلة التي أظهروها على التعبئة دفعتا السلطات المركزية في نواكشوط إلى أن تهب هي الأخرى لنجدة حليفتها المدللة. هكذا صدرت الأوامر إلى النقيب فياه ولد المعيوف (قائد الدرك الوطني) بالتوجه إلى ازويرات ليصبح القائد الميداني لقوات الجيش والدرك والحرس المتواجدة في الولاية. 

 في نفس الإطار أيضا تم تحريك الأمين العام لعمال موريتانيا، افال مالك، ومدير الشغل، بلاها ولد مختار الله. ولأنه لم يكن هناك وقت يمكن تضييعه فقد سارع الضيوف الجدد إلى الانضمام للسلطات الجهوية في ترهيب وترغيب المضربين ومحاولة التأثير على معنوياتهم، "لقد حاولنا –يقول مندوب الحكومة في تقريره- استخدام ورقة القبلية.. وفي هذا الإطار حصل النقيب فياه ورئيس المركز محفوظ على بعض التعهدات..". 

 غير أن تلك التعهدات لم تعط أكلها لأن المظاهرات تواصلت صبيحة الأربعاء 29 مايو منطلقة من أمام المستشفى، وقد انضم إليها هذه المرة إلى جانب العمال سكان المدينة من نساء وتجار وعاطلين عن العمل، ثم تجددت بعد الظهر حوالي الساعة الرابعة وهي أضخم وأكثر ضجيجا (ما بين 5000 إلى 6000 آلاف متظاهر بحسب تقديرات النقيب فياه). ولغاية هذه اللحظة –وعلى بعد دقائق من الكارثة- لم يستسلم موفدو السلطة بل انضموا إلى التظاهرة في محاولة أخيرة لإيجاد صيغة ما لإفشال الإضراب، غير أنهم كانوا أمام تحد أساسي لم يستطيعوا تجاوزه منذ بدء الإضراب وهو تحديد الجهة التي عليهم أن يتفاوضوا معها. 

 كانت المشكلة الأساسية تكمن في أنه تم تشكيل قيادة سرية للإضراب منفصلة تماما عن القيادة المعروفة لقسم اتحاد العمال الموريتانيين -الذي كان قد بدأ للتو مساره الاندماجي في حزب الشعب- وأن السلطات عجزت تماما عن تحديد أعضاء هذه القيادة التي لم يكن يوجد لها من أثر سوى التنظيم المحكم للإضراب أو ما تصدره من بيانات كان آخرها البيان رقم 2 الصادر صبيحة 29 مايو والذي أكدت فيه بكل وضوح أنه "بالنسبة للعمال ليس هناك طريق يقود إلى التغيير الجذري غير التنظيم والوحدة ومواصلة النضال". 

 كانت الأجواء شديدة التوتر وكانت صيحات الاحتجاج ترتفع منددة بالاستغلال ومتوعدة بالكفاح لغاية نيل كامل الحقوق. بالنسبة للأوربيين في ميفرما، والفرنسيين منهم على وجه الخصوص، كان المشهد يحيل مباشرة إلى ما يجري داخل بلدانهم حيث كانت تغلي حينها –مايو 1968- بانتفاضات عنيفة يعبر من خلالها اليسار الجديد الصاعد عن غضبه من استغلال الرأسمال المتوحش. كان الطلاب يحتلون الجامعات والعمال يحتلون المصانع وكانت المواجهات تزداد ضراوة يوما بعد يوم بين المتظاهرين وقوى الأمن. 

 وبالنسبة للسلطات الموريتانية المتخوفة من انتشار العدوى الأوربية عبر بوابة ميفرما، فإن أي تحرك داخلي كان ينظر إليه شزرا باعتباره خدمة لأغراض خارجية تستهدف وحدة البلاد واستقلالها وحوزتها الترابية. كانت أحداث 66 ما تزال تلقي بثقلها على المشهد الوطني وكان النجاح الباهر الذي حققه القمع الوحشي لتلك الأحداث ما يزال ماثلا أمام أعين سلطات نواكشوط. 

 لو أضفنا لتلك العوامل التصميم القوي لعمال ازويرات على نيل حقوقهم والرغبة العارمة لدى الإداري ريشاردسون في الانتصار عليهم من دون تقديم أية تنازلات، لأدركنا كم كانت الظروف في مساء 29 مايو مهيأة للتطور باتجاه الكارثة، خصوصا وأن النقيب فياه –القائد الميداني للقوات المسلحة وقوات الأمن- كان قد وضع للتو في جيبه أمرا بضرورة استخدام الرصاص لفرض النظام: 

 "نحن، أحمد ولد أبّا، مندوب الحكومة، نأمر باسم القانون السيد النقيب قائد الدرك الوطني في نواكشوط، الموجود في ازويرات، بالقيام بما هو ضروري من أجل استخدام السلاح لإعادة النظام الذي زعزعه إضراب عمال ميفرما، وأن يطلعنا على تنفيذ هذا الأمر.. ازويرات 29 مايو 68"، (نص الأمر بإطلاق الرصاص) هو إذا أمر قضي بليل! وفيما كان الأمين العام لاتحاد العمال الموريتانيين، افال مالك، ينسحب من بين المتظاهرين مكسور الخاطر بعد أن عجز عن التأثير في مجريات الأحداث، ليلتحق بالسلطات الإدارية في الجانب الآخر من الميدان كان كل شيء يوحي بأن الوقت بدأ ينفد. ينقل لنا مساعد مندوب الحكومة دودو فال –في تقرير لجنة حزب الشعب- أكثر فصول هذه الأحداث مأساوية: "بينما كانت مجموعة من المتظاهرين تسلم عريضة مطلبية مكتوبة إلى مندوب الحكومة، قامت القوة العسكرية برمي المتظاهرين بقنبلة مسيلة للدموع فرد عليها المتظاهرون بالحجارة فردت القوات بإطلاق وابل من الرصاص نجم عنه ما هو معروف". 

 "ما هو معروف" هو بحسب المصادر الرسمية حصيلة مؤلمة: ثمانية قتلى وأربعة وعشرون جريحا جراح بعضهم بالغة الخطورة! وبحسب المصادر غير الرسمية كانت الحصيلة أكثر من ذلك بكثير. هكذا أعلنت المدينة الحداد وأعلنت فيها حالة طوارئ. سمعت الطلقات في ازويرات وحصدت الضحايا هناك، غير أن صداها تردد في جميع أنحاء البلاد. موجة الاستياء كانت عارمة، وكان أفضل من يعبر عنها في ذلك الوقت شاعر شاب مسكون بالهم الوطني والقومي، ومفتون بالمثل والمبادئ الثورية. حينها كان ما يزال يخاطب الضمير الوطني في السلطة وإن كان مفجوعا بمصير العمال: 

 مختار يا رجل البلاد .... مختار يا بدر السنين 

 ماذا دهاك وأي شيء .... قلته للائمــين 

 نطق المدافع ضدنا .... في صالح المستعمرين ... 

 يا أيها الإنسان ما .... أغراك بالمستضعفين 

 هم طيبون لأنهم ثاروا .... على المستوطنين 

 لم يلحقوك بشرهم لم .... يمسسوا القصر الثمين 

 طلبوا الزيادة في .... الأجور وراحة للمتعبين 

 عادت الحياة شيئا فشيئا إلى المدينة العمالية المنكوبة، غير أن الدماء التي سالت هناك معلنة نهاية أرواح ناضل أصحابها في سبيل غد أفضل، كانت في طريقها إلى أن تبعث حياة جديدة في أرواح أخرى كانت تتلمس طريقها لتأدية جزء من المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقها. 

 بعد أيام قليلة، وبالذات في يوم 3 يونيو، كانت العاصمة نواكشوط تحتضن مهرجانين متزامنين أحدهما ترأسه رئيس الجمهورية لإعطاء وجهة نظر السلطة حول مذبحة ازويرات، بينما ترأس المهرجان الآخر المناضل الشاب سميدع لإدانة هذه المذبحة بلهجة حازمة: "أيها الرفاق! يتظاهر الفلسطينيون في غزة من دون أن يطلق عليهم الصهاينة النار، غير أنه حين يتظاهر عمالنا لمطالبة شركة أجنبية بزيادة رواتبهم فإن الحكومة الموريتانية تجعلهم يسبحون في دمائهم! أيها الرفاق.. لقد ولى عهد الخصومات الجانبية وبدأ عهد الوحدة والكفاح". 

 في نفس اليوم أيضا خرجت مظاهرتان في كل من روصو وبتلميت للتنديد بالمذبحة وأصدرت نقابة المعلمين العرب بيانا شديد اللهجة كلفها سجن جميع أعضاء مكتبها التنفيذي. وسيستقبل الرئيس خلال زيارته للولاية السادسة –بعد ذلك بفترة قصيرة- وخصوصا في المذرذره والتاكلالت بالاحتجاج على مذبحة ازويرات وبالمطالبة بتأميم ميفرما. وهي مطالبات سترتفع في جميع مدن البلاد ولن تهدأ إلا بتأميم هذه المؤسسة سنة 1974. 

 لائحة القتلى كما أعدتها السلطات الجهوية في ازويرات: - صامبا آبدولاي: تكروري، انيابينا، دائرة لبراكنه - السالك ولد بلال: أولاد بسباع (حرطاني أهل افيجي) - يب ولد الطالب: تجكانت، نواكشوط - محمد ولد منه: أولاد عمني، أطار - سليمان سانكاري: سونونكي، دافور، مركز ول ينجه - اعلي ولد ميه: مشظوف، أطار - محمد المختار ولد جدو: أقلال أهل الطالب جدو، نواكشوط - سي عمار ولد اميزين : اتمدك، بعودي، دائرة ألاك 

 لائحة الجرحى: 

 موسى آبو:  قرية إيمنييره 

 -سيد محمد ولد بوادي: ، آقزازير، ودان 

 سيد باب: ، شنقيط 

 المختار ولد ابياه:  بتلميت 

 الكوري ولد الحيمر: ، شنقيط 

 احمد سالم: أطار 

 داده ولد حده: فور كورو 

 امينه بنت الكوري: شنقيط 

 محمد ولد زيني: كنته، المجريه 

 محمد صالح: أطار 

 محمد لمين ولد سيداتي: ودان 

 محفوظ ولد امبارك: فور كورو 

 بمب ولد الساموري:  افور اترينكي 

 صو سابو: امبيديعه ممادو، غابو 

 داودا حمد: مقامه 

 عبد الله ولد شماد: ، افور كورو 

 محفوظ ولد ابييه: ، شنقيط 

 ابيبيه ولد لحبيب: ، افور كورو 

 البيظ ولد الطالب محمد:تيجكجه 

 عبد الرحمن ولد بلال 

 وان شيخو آمادو:  فارالا، بوغي 

 احمد سالم ولد بكاي 

 كان يحي جولدي: كيهيدي 

 ييرو كوليبالي: موريتانيا 

 ملاحظة: اعتمدنا في سرد الأحداث على نشرة صادرة عن "صيحة المظلوم" بتاريخ 29 مايو 1973. 

 المصدر أرشيف "أقلام" مع بعض التعديلات الطفيفة جدا من موقع مراسلون.

-----------------............................