قال الدكتور محمد سيد أحمد فال الوداني الملقب بوياتي إن الدولة الوطنية لم تتمكن من تحقیق القطیعة المطلوبة بین الماضي الاستعماري والحاضر المستقل، فبات ینظر إلیھا كصنیعة استعماریة لتولي المقربین للثقافة الفرنسیة زمام قیادتھا، وظلت الفرنسیة لغة الإدارة بامتیاز مع أنھا لم تتسلل إلى المحیط الشعبي الذي تغریھ الوضعیة الاقتصادیة للمتكلمین باللغة الفرنسیة وما تتیحھ من فرص العمل الترقي الإداري و المالي.
وأضاف بوياتي، وهو أستاذ بجامعة انواكشوط، في محاضرة ألقاها مساء الأربعاء بالمركز الثقافي المغربي، عن "اللغة العربية بين التمكين والترسيم في المغرب العربي": تطرح قضیة تغلغل الثقافة الفرنسیة في الجھاز الإداري بالدول المغاربیة خاصة موریتانیا والمغرب والجزائر وتونس إشكالیة تتجاوز بعد اللغة لتطال حدود الھویة، ولقد عمل الاستخدام الاجتماعي والسیاسي الحالي للمعرفة الاستعماریة مجسدا في اللغة الفرنسیة بالإدارة على توتیر العلاقة بین الإنسان المغاربي وذاته والمواطن ودولتھ والتأسیس لعلاقة قلقة مع الذات والتاریخ.
واستطرد المحاضر: استعانت الدولة الوطنیة في نشأتھا أساسا بالمترجمین وعمال الإدارة الفرنسیة على قیادة دفة ھذه البلدان الجدیدة المنبثقة وسط مجتمع تقلیدي، وارتبطت الحظوة المعرفیة بمدى القرب من المرجعیة الفكریة للفرنسیین وتملك الرؤیة الثقافیة للمستعمر، ودرجت الأدبیات الإداریة للفرنسیین على اعتبار علماء الدین الأجلاء أمیین لعدم تحدثھم اللغة الفرنسیة.
ولاحظ المحاضر أنه "على الرغم من انقضاء أزید من نصف قرن على استقلال ھذه البلدان فإن التوجھات التحرریة تجلت أساسا في قرارات ظرفیة أو إعلانات مبدئیة لا تجد تجذیرا لھا في الواقع بفعل العلاقة التاریخیة المستبدة مستعمِر/مستعمَر و إكراھات الأنماط المقولبة التي تُلصق أحیانا بالعربیة من عجز عن مواكبة التطورات وعزلة في السیاق.