|
مِن "عباءة" دولة خلافة طالبان "الإسلامية" في أفغانستان، (وكان يعترف بها بعض الدول) ظهرت "القاعدة" وأعلنت "غزوة نيويورك" الشهيرة (11/09)، فاتخذت أمريكا وحلفاؤها منها ذريعة لإسقاط طالبان وتدمير واحتلال أفغانستان نفسها.
ثم جاءت القاعدة بـ"دولة خلافة" جديدة في صحراء الطوارق بجمهورية مالي، مستغلة انهيار سلطة باماكو وثورة الطوارق في إقليم أژواد. وأقيمت دولة "الإمارة الإسلامية" في "تنبكتو".
وكما كان من أشهر إنجازات "طالبان" تدمير التماثيل البوذية في الجبال الأفغانية، قامت "إمارة أنصار الدين" في شمال مالي بأهم إنجازاتها وهي تدمير الأضرحة الطينية القديمة والقبور البالية هناك!!
ثم انهارت "الخلافة" المزعومة وهرب أمراؤها في الصحراء، حين حدث ما لا شك أنهم توقعوه من مواجهة القوى الكافرة الفاجرة لهم!
وأخيرا قامت "الدولة الإسلامية" في العراق والشام، وبويع "الخليفة" الجديد أميرا للمؤمنين في مدينة الموصل...
ولم تنس دولة "داعش" الجديدة البدء بأهم واجباتها "الإسلامية" وهي تدمير التماثيل والآثار الحجرية البابلية والآشورية القديمة، التي تعاقبت عليها الدول الإسلامية، من العهد النبوي المشرِّع إلى سائر العهود الإسلامية... دون مساس بها ولا قول فيها!
***
هذه "الخلافات" الثلاث ـ التي استغلت العاطفة الدينية والأسماء والشعارات الإسلامية إلى أقصى الحدود ـ وأخواتها وبناتها الإفريقية (مثل "بوكو حرام" و"الشباب")، لا يجمع بينها عداوة الحضارة وسطحية الفهم وضحالة الفكر فقط... بل إن سِلْكَها الناظم هو أيضا القتل؛ ولا شيء غير القتل!
لقد برعت في إسالة دماء البشر، واختراع أبشع الطرق للقتل "البارد" و"الملتهب"، وأفظع الوسائل للإهلاك الجماعي بالتفجير والتدمير... كما هو معروف...
قد يقول قائل: إن هذا تحامل، وإن فيه ظلما لهذه "الدول الجهادية" ومنهجها "السلفي" وتثبيطا عن "الجهاد"... إن لم يكن عمالة ونفاقا وموالاة للكافرين، والعياذ بالله!
ومع تبرئي من كل ذلك، وبما أن الأمور بمآلاتها، ومع اشتداد الضغط على "داعش"، وهي أحدث هذه "الخلافات" وأوسعها نشاطا وأكثرها دموية وإرهابا... فلا مناص لأمثالي من البسطاء، من طرح الأسئلة التالية:
** ما ذا حققت هذه الدول والإمارات والكتائب "الإسلامية/الجهادية":
* هل شحذت هِمم المسلمين وذكَّرتهم بدولة الخلافة الرشيدة وجهادها المُنقِذ، وأعمالها الجليلة، وفتوحاتها المبشرة بدين الانعتاق والرحمة والعدل والعلم والحضارة؟!
* هل أعطت الصورة المشرقة للجهاد في سبيل الله، وبينت عدالة وإنسانية أحكامه وشمولية أهدافه ومنافعه للبشرية في الدنيا والآخرة؟
* هل عززت وحدة المسلمين وجَبرت كسورهم، وأنهت ضعفهم وتفرقهم وهوانهم على أعدائهم؟
* هل زادت من استقلال المسلمين وأخرجت بلادهم من دوائر نفوذ وتدخل القوى الأجنبية الكافرة في بلدانهم وشؤونهم الداخلية؟
* هل أنهت الاستبداد والظلم والتخلف في البلاد الإسلامية، وأجبرت حكامها المتسلطين وأنظمتها القمعية على "التوبة" وبسط العدل والحرية ورد المظالم وتطبيق نظام الشريعة الإسلامية الشامل، وكَـرَّهت إليهم ولاء أعداء الله وأعداء الأوطان؟!
* هل رَغَّبت في الدين وزادت من عدد الناس الذين يدخلون فيه أفواجا، وجلبت العزة والتمكين للمسلمين في بلاد الغرب، وزادت نفوذهم هناك وقدرتهم على تيسير دعوة الإسلام ونشر محبته في تلك الربوع البعيدة التي كان ينتشر فيها بالإقناع؟
* هل زادت هيبةَ وتقديرَ المسلمين، وعززت نفاذ أبنائهم إلى أسرار الصناعات واكتساب الخبرات والمعارف التقنية العالية... وغيرها من وسائل بناء القوة الإسلامية للمستقبل؟
* هل عكست أساليبَ الإسلام الراقية في معاملة الأعداء والخصوم والأسرى، وأحكام الحرب والسلم، وأظهرت ما فيها من إنسانية ورحمةٍ واحترامٍ للعهود، وحسنٍ لقِتلةِ من حكمه القتل، ورعايةٍ لمن حكمه الأسْر... الخ؟
* * ثم ما هي نتائج ثقافة الانتحار والتفجير وقتل النفس المحرمة بدون طائل، التي تتبارى هذه الإمارات والكتائب الداعشية في إشاعتها وتنميتها:
* هل دمرت قوة الدول الكافرة الاستعمارية، وأضعفتها وقلصت نفوذها في العالم؟
* كم قَتل "المجاهدون" من أعداء المسلمين وجنودِ المحتلين والكفرة المحاربين، وكم قتلوا ـ في المقابل ـ من أنفسهم ومن المسلمين الأبرياء والمسالمين العزل؟
* ما هو الضررُ الذي يُلحقه بالقوةِ الأمريكية أو الفرنسية، مثلا، تفجيرُ سوقٍ شعبي مكتظ بالنساء والأطفال من المسلمين الأبرياء؟
* ما هي الكارثةُ التي يُلحقها بالبيت الأبيض أو "البنتاغون"، مثلا، تفجيرُ شاحنةٍ في عدد من المسلمين الفقراء الباحثين عن عمل يسد أوَد ذويهم، بعد استدراجهم إلى الفخ بإيهام طلب عمال، لكي يُقتل أكبرُ عدد منهم؟
* ما هو الإذلال الذي يلحقه بتحالف القوى العظمى أو هيئة الأمم المتحدة... قتلُ جَمْع من الفقراء المسلمين تجمهروا أمام فـرْنٍ شعبي للحصول على رغيف خبز؟
* كم تخسر بورصاتُ العالم الرأسمالي الكافر بـ"تفخيخ" طفل صغير ليفجر أقرانَه وأسرته (ماركة بوكو حرام)؟
* كم من عصابات الابتزاز وقُطَّاع الطرق أمراء الحروب تجار الموت... خَلقت هذه الدول "الإسلامية/ الجهادية" بإرادتها أو بسببها؟ وأي رعب وفوضى وخوف وجوع وعطش... أثارته هي وتلك الحركات "المافيوية" في أوطان المسلمين؟!
.... وأخيرا، ودون أن تنتهي الأسئلة، هناك ملاحظتان: الأولى أن الكيان الصهيوني الصائل المعتدي ـ حكومة وأفرادًا ـ في فلسطين هو وحده من استثنته هذه الإمارات والكتائب "الجهادية" من صناعتها الإرهابية، واحترمت "أمنه" والتزمت حقن دمائه المهدورة بموجب كل الشرائع الإلهية والقوانين الأرضية.
بل نُسب إلى بعض المفتين الداعشيين القول إن مقاتلة "حماس" الفلسطينية مثلا أولى وآكد من مقاتلة "الإسرائليين"!!
الملاحظة الثانية: أن هذه الدول والإمارات والجماعات والكتائب "الجهادية" رغم اشتراكها في الأساليب والشعارات... ليست على قلب "خليفة" ولا "أمير" ولا "قائد" واحد، وإنما تتشظى وتتكاثر وتتنافس، لحد الاقتتال...
وكما يقول ابن الخطيب في ملوك الطوائف (مع الفرق الشاسع بين الفريقين):
قام بكلِّ بقعــــةٍ مَلِيكُ * وصاحَ فَوقَ كُلِّ غُصْنٍ دِيكُ
هذا ولا يمكن أن تكون رغبة الموت في سبيل الله عامل تفرقة وشح وشقاق وتنافس على الزعامة... بل ذلك من صميم التكالب على متاع الدنيا، واتباع الشيطان والهوى ......؟؟؟؟!!!!