يثير مشروع القانون الذي تقدمت به الحكومية الموريتانية مؤخرا بشأن منع العنف ضد النوع الكثير من الجدل، وهو أمر طبيعي طالما أن القانون الجديد قد أراد إثراء القاموس المجتمعي وكذلك القاموس القانوني للتشريع الموريتاني بمصطلحات جديدة، بل وغريبة عليهما. فمصطنع النوع نفسه محل جدل كبير داخل أروقة الأمم المتحدة وتحفظ عريض من طرف الدول الإسلامية، وأغلب الدول المحافظة دينيا. ومن نتيجة ذلك أن منظمة التعاون الإسلامي مثلا لم تتمكن إلى حد الآن من تبني إعلان بيكين لعام 1995 بسبب هذا المصطلح وما يعنيه من دلالات ترى أغلب دولها أنها تعارض أحكام الشريعة الإسلامية والتقاليد الاجتماعية للمجتمعات المسلمة.
لكن مصطلح النوع ليس هو أغرب مصطلحات القانون الجديد، فمصطلح "الشريك" الوارد في بعض مواد مشروع القانون هو أيضا مصطلح "خطير" بحيث يحمل في طياته اعترافا مبطنا بأشكال من الارتباط بين الرجل والمرأة غير الزواج مثل الارتباط الحر (Union Libre) أو التسري (Concubinage) أو العلاقات العابرة. ومثل هذه الأشكال من الارتباط تعترف بها العديد من القوانين، الغربية خاصة، وترتب عليها حقوقا للطرفين وتعترف بما تثمره من الأولاد تماما مثل الزواج الشرعي.
لقد كانت العقوبات التي وضعها القانون الجديد بشأن الجرائم الحدية محاولة لموائمة العقوبات الحدية الواردة في القانون الجنائي وفي الشريعة الإسلامية مع متطلبات عصرنة القانون الجديد، فترتب عن محاولة "التروام" هذه غموض في ربط الفعل بنتيجته، أي العلاقة السببية بينهما، والتي تشكل أحد الأركان الأساسية للجريمة؛ مما سيصعب مهمة القاضي والمحقق مستقبلا. أما العقوبات التعزيرية فقد اتسمت بالإجحاف وكأنها عقوبات ثأرية أكثر منها عقوبات زجرية؛ فمدة الحبس مثلا قد يصل إلى خمس سنوات في جرائم ليست بالخطيرة من منظور علم الاجرام، كما أن الغرامات جد مجحفة (200 ألف – 500 ألف) وخاصة إذا علمنا أن أكثر من ثلثي السكان المستهدفين بالقانون تحت خط الفقر وأن ثلثهم يعيشون في حالة الفقر المدقع (تقارير الأمم المتحدة)
لقد كان من الأجدر بواضعي القانون الجديد أن يعدوا تقريرا ترويجيا (Publireportage) عن واقع المرأة الموريتانية ومكانتها في المجتمع وتصدرها لريادة الأسرة والمجتمع وتملكها للمال وللقرار، وأن يقدموا ذلك التقرير إلى من أعد القانون الجديد لمرضاتهم، وعندها سيتأكدون أن المجتمع الموريتاني ليس مجتمعا ذكوريا عندما يتعلق الأمر بمكانة وحقوق المرأة، وبالتالي لن يطلبوا من موريتانيا استصدار قانون لحماية النوع، لأن النوع الذي يحتاج للحماية في دول كثيرة، شرقية وغربية، محمي في موريتانيا بقوة العادات والتقاليد التي تفوق من بعيد قوة القانون والدولة.
أما وقد اختارت السلطات وضع قانون لحماية "نوعنا"، فقد كان من السهل على خبرائنا القانونيين وضعه في شكل لا يعارض المنظومة الشرعية الاسلامية للبلد، بل يستمد منها المواد التي تزخر بها في مجال حماية النوع، وهكذا لو استأنس واضعو القانون بما تضمنته الشريعة الإسلامية من آليات لحماية المرأة لتمكنا من وضع قانون يحمي النوع، بل وجميع الأنواع، دون مخالفة للدستور الذي ينص على أن الدين الإسلامي هو المصدر الوحيد للقوانين.
ويبقى هنالك أمل للرجال ضحايا القانون الجديد عندما يتم إقرار آلية الطعن في دستورية القوانين أمام القاضي أثناء المرافعات، حيث نصت مخرجات الحوار الوطني الشامل أنه سيتم إقراره هذه الآلية ضمن التعديلات الدستورية. وتعني هذه الطريقة في مراقبة دستورية القوانين أن للمتقاضي أن يدفع أمام القاضي بعدم دستورية القانون المطبق على الواقعة المعروضة عليه؛ وعندما يرى القاضي وجاهة الدفع يتوقف عن تطبيق القانون محل الطعن ويرفع الأمر إلى المحكمة العليا التي تحيله إلى المجلس الدستوري إذا تبنت لها قوة وحجية الدفع. وستكون هذه مناسبة لأن يصلح القاضي ما أفسدته الحكومة والبرلمان إذا صادق على القانون الجديد.