بعد قراءة خاطفة لمشروع قانون العنف ضد النوع تولدت لدي ملاحظات أسوقها لكم إسهاما في النقاش الدائر حول مشروع القانون المذكور
في البدء لا بد من التنبيه إلى أن مشروع القانون المذكور كغالبية مشاريع القوانين التي سبقته سلك وبصفة غير مبررة مسطرة استثنائية واستعجالية لإقراره إذ لم يتم الكشف عن الجهة التي أوكل اليها إعداده كما أنه أي مشروع القانون لم يعرض للنقاش على المختصين سواء كانوا قانونيين باحثين أو سلطات إنفاذ القانون الضبطية القضائية والقضاة , فضلا عن المحامين و الكتاب و جمعيات المجتمع المدني ومثل هذه الحوارات التي تخضع لها مشاريع القوانين قبل إقرارها هي ما يضمن تنقيتها وتمحيصها في الوقت المناسب قبل أن يتم التصويت عليها وإقرارها بما تتضمنه من عيوب سواء من حيث الشكل كالعيوب الفنية المرتبطة بالصياغة أو من حيث المضمون كعيوب تكرار التجريم و اختلاف المصطلحات القانونية وهذا بالضبط ما وقع فيه هذا "القانون".
وقبل استعراض نماذج من هذه الاختلالات التشريعية التي وقع فيها مشروع القانون المذكور لا بد من التوقف عند أهمية الموضع الذي وضع القانون لأجله , ذلك أن الاعتداءات الجنسية التي أصبحت ظاهرة متفشية في المجتمع و ما يرافقها من عنف مفرط من الجناة هو ما دفع بالمشرع إلى التدخل لمد الحماية القانونية لمساحات من الفراغ التشريعي أربكت القضاء وجعلت الكثير من عتاة المجرمين يفلتون من العقاب خاصة أن جريمة الاغتصاب و التي لا تثبت قانونا إلا بالمثبتات الشرعية لجريمة الزنا أصبح مرتكبوها أو على الأصح من يتهمون بها لا تمكن إدانتهم بها مما يعني عدم مواجهتهم للعقوبات الرادعة لمثل هذه الأفعال البشعة , ولهذا أصبحت الحاجة ملحة إلى إيجاد تشريع مناسب من حيث العقوبات في حالة تعذر إثبات جريمة الاغتصاب وهكذا تم إيجاد جريمة الاعتداءات الجنسية والتي يجب أن تتصاعد العقوبات فيها كلما كان الاعتداء مصحوبا بعنف .
ورغم أهمية موضوع القانون إلا أن القانون نفسه جاء مشوها لدرجة تجعله معتلا وعاجزا عن القيام بدوره ذلك أن عملية إنتاجه أو جهة صياغته أوقعته في كثير من الاختلالات سواء على مستوي المضمون أو من حيث الشكل .
من حيث المضمون كان القانون مرتبكا ووقع في تكرار تشريعي غير مبرر وهو الذي جاء لتغطية فراغات فمثلا لا شيء يبرر النص علي تجريم عدم احترام قرار السلطات فهذا تحصيل حاصل ومثل هذا السلوك مجرم بالقانون بداهة ومثل ذلك النص على جرائم الزنا و الاغتصاب و اللواط وغيرها من الجرائم المنصوص على تجريمها أصلا ومعاقبتها في القانون الجنائي الموريتاني طبقا للتشريع الاسلامي . ومثل هذا التكرار لن ينتج عنه إلا تضخم تشريعي لن يؤدي إلا إلى إرباك العمل القضائي كما أن التجريم على بياض لن يؤدي إلا إلى إهدار الحريات العامة بدلا من حمايتها فمثلا حين ينص القانون في المادة 19 على أنه " يعاقب من سنة إلى سنتين حبسا كل زوج يمنع أو يقيد شريكه عن ممارسته لحرياته العامة. " فنحن نكون حينئذ أمام مفاهيم ضبابية وغير محددة بوضوح مما يفتح باب التحكم على مصراعيه فما معنى حرياته العامة التي أراد المشرع حمايتها , إن السلوك المجرم يجب أن يكون محددا و واضحا بصورة لا تقبل أي لبس حتى نكون قد أعذرنا المخاطبين بالقوانين و مثل هذه الصياغات الفضفاضة تكررت أكثر من مرة فمثلا أيضا تنص المادة 16 من القانون على أن " يعاقب كل من فرض سلوكا أو تصرفا على زوجه أو زوجته من ستة أشهر إلى سنة واحدة حبسا، وبغرامة من 150.000 مائة وخمسين ألف أوقية إلى 300.000 ثلاثمائة ألف أوقية. " فأي سلوك يقصد المشرع بتجريمه سؤال أشك في قدرة من صاغ هذا القانون على الإجابة عليه فمثل هذه الصياغات بالضبط هو ما يفتح الباب واسعا في التحكم في حريات الناس باسم القانون ويؤسس لمتابعات "قانونية" تتحكم فيها الأهواء .
أما من حيث الشكل فإن القانون وبدءا من تسميته " العنف ضد النوع " فلم يكن موفقا ذلك أن استحداث أو استجلاب مصطلحات قانونية نشأت في بيئة اجتماعبة وثقافية مختلفة تماما و زرعها ولو اصطناعيا في قواميس قانونية مغايرة أمر منتقد دوما عند فقهاء القانون ولدى سوسيولوجيي القوانين خاصة القانون الجنائي و الذي يوصف بأنه قانون اجتماعي , فاستخدام مصطلح قانوني جديد على منظومتنا القانونية كمصطلح " النوع " بدل الزوج أو الضحية ليس له من مبرر وهو مصطلح غامض الدلالة وحتما لن يساعد في الدفع بوتيرة الحماية القانونية و أقصى ما يمكن أن يصل إليه هو إقناع شركائنا في التنمية باحترام التزاماتنا اتجاههم بتوفير الحماية لـــ " النوع " حتى لو ظل هذا النوع غامضا وغير محدد بالنسبة لنا , وهذا المصطلح ورد في أكثر من مادة بل إن القانون نفسه أخذ اسمه منه .
وفي الختام لابد من التنبيه إلى أهمية تجريم ومعاقبة الاعتداءات الجنسية التي لا تصل حد الجرائم الحدية خاصة أن تلك الاعتداءات كثيرا ما تكون مصحوبة بعنف شديد وبشع , ولكن لا أعتقد أن هذا القانون في شكله الحالي هو أفضل وسيلة لتوفير تلك الحماية فالأمر أشبه مايكون بأعدل قضية عند أفشل محام .
القاضي أحمد ولد ألبو