افتتاحية الاثنين 02/01/2016
(السنون الشهب)
ولت سنة 2016 بأشهرها وأيامها العجاف، التي تركت في نفوس الأسرة الموريتانية وأجسادها المكدودة ندوبا وأخاديد غائرة، حفرتها موجات الطوفان الناري المتتالية لارتفاع أسعار السلع الأساسية والغلاء المتصاعد للخدمات الضرورية لبقاء الإنسان في حدود آدميته، ومنع إفقاره حتى من عزته، وما منحته الشرائع من تكريم. فالأرز المخصص لاستهلاك طبقات الدخل الدنيا كان إلى سنة 2014 يراوح ما بين 180 و200 أوقية وصعد في سنة الرمادة ليتجاوز حاجز 300 أوقية، والأمر نفسه مع فارق طفيف ينطبق على السكر، والزيت حيث انتقل كيلوغرام الأول من 180 إلى 300 وانتقل ليتر الثاني من 300 الى 450 أوقية، وهبت رياح التطفيف على ربات البيوت من كل اتجاه ولم يعدن قادرات على اقتناء سمكة الياي بوي إلا بما هو فوق 100 أوقية بعد أن كن يجدنها بسعر يتراوح بين 20 و50 أوقية، في زمن وفرة السلة الغذائية الذي كانت أسعاره تمكن من جلب سمكتي ياي بوي، لصنع مرق باذخ لوجبة غداء فقراء موريتانيا، رغم أن شواطئ بلادهم الطويلة هي من أغنى شواطئ العالم بالثروة البحرية وكان من السهل والمتاح أن تكون أطباقهم فاخرة دوما بسمك (الكوربين) أو (أتوف)، وبالثمن نفسه.
والأخطر من هذا كله هو مواصلة ارتفاع المحروقات التي أكدت السنون الماضية أن أسعارها عندنا وحدنا قابلة للارتفاع لكنها غير قابلة للانخفاض مطلقا، فسعرها عالميا في انخفاض متواصل منذ سنوات ليست قليلة، فقد وصل سعر اللتر خلال شهر 12/ 2016 في دولتي الموزنبيق وسيراليون الإفريقيتين إلى 0. 69 دولار وفي والمغرب والسينغال المجاورتين 0.99 و 1.12 دولار على التوالي، كما قامت دولة مالي التي تعيش أوضاعا خاصة بتخفيض سعرة مرتين خلال سنة 2016، لكنه واصل ارتفاعه في بلادنا، حتى وصل سعر اللتر اليوم عند المحطة في العاصمة ما يفوق 1.23 دولار، ويزداد غلاء كلما توغلنا في الداخل.
في سنة هذه محدداتها من الطبيعي أن ينظر الناس إليها سنة بؤس وشقاء وفقر واغتراب وكلما يبعد عن جو الفرح والابتهاج، ويتأكد لهم أن الناهبين والانتهازيين لهم حضور وازن وكبير في إدارة شؤون البلاد العامة إن لم يكونوا هم من يقودونها بالفعل وهي تخطو نحو سنة جديدة ملامحها العامة يشوهها الحديث من أعلى المستويات عن التطبيع مع الرشوة، وتفشي الفساد الإداري والتكسب غير المشروع وغيره ذلك من الممارسات المألوفة لدى الطبقة الوسطى العاملة في أجهزة دولة يترنح مواطنوها في كل اتجاه لمواجهة التدهور المستمر في دخولهم، وانهيار حياتهم الطبيعي عند خطوط دفاعها الأخيرة الغذاء :( المرجن)، السكن، الدواء، الصحة، دراسة الأبناء... إذ أن القاعدة المعروفة هي التلازم بين التضخم والفساد. الفساد الهول المدمر الذي يفكك كتلة الدولة والمجتمع، ويعيدهما ـ كما يعمل السوس والأرضة ـ إلى وحداتهما البدائية المشبعة بغرائز العدوان والتخلف ونذر كثيرة تلوح منذ سنوات وتجعلنا نتأفف منها ونتميز غيظا وقهرا من قتامتها وامتداد دمارها إلى أدق تفاصيل الحياة، ويزحف يوما اثر يوم علينا وداخلنا ويحاصرنا في البيت والمؤسسة والشارع، ويبعد عن الانتظار غير السنين الشهب، في بداية ونهاية كل واحدة منها.