مراسلون - خاص
في ذكرى استشهاده العاشرة لا يزال الموريتانيون يتذكرون الرئيس العراقي الراحل صدام حسين..
وعديدة هي الأشياء التي تذكرهم به.. مؤسسة التلفزة الموريتانية.. المستشفى العسكري بانواكشوط.. عشرات المؤسسات الثانوية والإعدادية في مختلف ربوع البلاد، وكلمة "الجيش الموريتاني" نفسها، حيث قدم صدام دعما كبيرا لهذه المؤسسة بعد اندلاع أحداث 1989، وظهور نُذُر الحرب بين موريتانيا والسنغال..
وقد تحدث الرئيس السنغالي الأسبق، السيد عبدو ديوف، عن هذا الدعم الذي جعله يحجم عن مهاجمة موريتانيا، رغم كثرة من وسوس له بذلك وحثه عليه، يقول عبدو ديوف: "بعد أن هدأت الأنفس؛ علمت أن القوات المسلحة الموريتانية كانت في الحقيقة أفضل تسليحا كثيرا من القوات السنغالية.
كان صدام قد جهزها بالصواريخ والأسلحة الأخرى المتطورة، وكانت خطتهم عندما تبادر السنغال بالهجوم؛ فإن القوات الموريتانية ستكون جاهزة لتدمير سان لويس ثم داكار بعد ذلك.
لقد تأكدت من ذلك من خلال سفيري في باريس، ماسامبا ساري، الذي حصل على هذه المعلومة من فم السفير العراقي في باريس. فخلال لقاء في باريس، وبعد إبداء أسفه لما حصل بين البلدين الشقيقين، أكد له أنه في حالة نشوب حرب بين السنغال وموريتانيا؛ فإن العراق سيقف بقوة إلى جانب موريتانيا؛ لأن تلك الدولة جزء من الأمة العربية.
فالأمر يتعلق بدعم مبني، ليس على الدين، وإنما على إيديولوجية حزب البعث؛ أي القومية العربية".
أما مدينة روصو فتتذكر الزعيم الراحل، إضافة إلى ما سبق، بمبنى مدرسة تكوين المعلمين سابقا، وثانوية روصو في الوقت الحالي.
تم بناء هذه المؤسسة مطلع الثمانينيات، وفضلا عن جودة بنائها وحسن تصميمه، فهي مكونة مما يناهز ثلاثين فصلا دراسيا، موزعة بين مدرسة تكوين المعلمين، ومدرسة التطبيق الملحقة بها، ومبان إدارية، ومخبر جيد التجهيز، وقاعة عروض تسع أكثر من 100 مشاهد، ومكتبة.
وفي جانب المؤسسة الشمالي بني ثمانية عشر مسكنا للإداريين والمدرسين، توزعت كالتالي: ثلاث دور كبيرة، وخمس متوسطة، وعشر شقق.
وفي جانبها الشرقي بني سكن داخلي للطلاب، وضعت عليه الدولة يدَها في بداية التسعينيات، متخذةً منه مقرا لبعثة منظمة استثمار نهر السنغال OMVS، وبهذا الاسم يعرف هذا المبنى لدى ساكنة روصو حتى اليوم.
يتذكر الأستاذ فاضل، وهو أستاذ بالتعليم الثانوي، تلك الحقبة بكثير من الحنين، ويقول لـ"مراسلون": لم يكتف عراق صدام حسين بذلك، بل أرسل المدرسين ليساهموا في تأطير المعلمين وتكوينهم، وقد درّس هؤلاء الرياضيات والعربية والتاريخ ومختلف المواد.. ولا يزال خريجو تلك الفترة يذكرون جميلهم..
نسأله: هل كان لهؤلاء دور في نشر فكر "البعث" بين المعلمين والتلاميذ؟
يجيب: لا أستبعد ذلك.. لكنهم لم يكونوا وحدهم في ذلك.. كان بعض المسؤولين الكبار يقوم بذلك أيضا.. في الثمانينيات عُيِّنَ، في فترتين مختلفتين، واليان على اترارزه، وكان كلاهما قياديا ناصريا: الرشيد ولد صالح ومحمد فاضل ولد الداه..
ساهم هذان المسؤولان، بشكل فعلي، في نشر الفكر الناصري وتجنيد العناصر الحركية..
كان الفكر الناصري في تلك الفترة في مرحلة أفولٍ؛ لا تخفى أسبابها الموضوعية، ولذا كان مرحلةَ عبورٍ إلى الفكر البعثي..
ولعل من دلائل تغلغل الفكر البعثي في المدينة الحدودية؛ منافسة "حزب الطليعة"، ذي الخلفية البعثية، في التسعينيات، لأبرز القوى التقليدية في روصو، حين قَدَّمَ أستاذَ الرياضيات بثانوية روصو عبد القادر ولد بلاهي (كادير) مرشحا له لمنصب عمدة بلدية روصو..
وكما كان متوقعا خسر الحزبُ المنافسةَ، لكنه كسب احترام الجميع بحملته المنظمة، وبالنتائج غير المتوقعة التي حصل عليها..
حاول الروصويون ردّ الجميل لصدام كلما أتيحت لهم الفرصة.. كانوا يغلقون أسواقهم ومحلاتهم، ويخرجون عن بكرة أبيهم؛ بعد كل اعتداء تشنه أميركا وحلفاؤها على العراق، معبرين بذلك عن رفضهم للعدوان..
وكما كانت لهم يد في محاولات نصرته بالحق؛ كانت لهم يد في مكافأته بالباطل، حين ألحقوه بالنّسب الشريف، ووضعوا الأحاديث في شأنه: "تجتمع الروم والعرب والترك والفرس على رجل من أهل بيتي، يقال له صادم، فيصدمهم"، قيل: ومتى ذلك؟ قال: "في رجب، وسترون العجب"..
توشك فصول ومساكن ثانوية روصو (مدرسة تكوين المعلمين سابقا) أن تندثر.. تماما كحال الفكر الذي أنتجها، والقائد الذي بناها..
وبعد أن امتلأت جدرانُها بشعاراتِ "أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة"، و"وحدة، حرية، اشتراكية"، و"بالروح والدم نفديك يا عراق".. ها هي تغص من جديد بشعارات حركتي "إيرا"، و"25 فبراير"..
أغادر مبنى الثانوية مبتعدا.. يهيج مرأى الغروب الساحر ذكرياتي، فأنشد:
كأن لم يكن بين الحَجُونِ إلى الصّفا ** أنيسٌ ولم يسمر بمكة سامر
ولم يتربع وَاسِطًا فَجَنُوبَهُ ** إلى المُنحنى من ذي الأراكة حاضر
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا ** صروفُ الليالي والْجُدُودُ الْعَوَاثِرُ