الشراكة في الوطن تبرز أهميتها في الأزمات الكبرى..!! / محمد الكوري ولد العربي

اثنين, 2016-12-26 22:18

تناول التصعيد المجنون بين المغرب وموريتانيا ،الذي تفجر دون سابق إنذار، لا يخلو من مجازفة في هذا الظرف المشحون .فقبل وقت قليل ،كانت الشخصيات الرسمية الموريتانية تكذب عن أي توتر.

وتناول هذه القضية ،إذن،محفوف بخطر الانزلاق في إحدى جهتين سلبيتين للغاية: جهة أن تسكت عن هذا الموضوع ، أو تحمل النظام الحاكم في موريتانيا نصيبه من المسؤولية في هذا التصعيد؛ فتنزلق في اتجاه التقاعس عن تأدية الواجب الوطني ، وقد يجد المرء نفسه في دائرة الاتهام بموالاة (العدو).

و إما أن تنخرط في مهاجمة مسعورة للمغرب،فترغي وتزبد مع أبواق النظام فتنزل في الغوغائية التي تسعرها الأجهزة الخفية والعلنية.. ومن الصعب أن تحافظ على وطنيتك ، طالما انك لم تندمج في رقصة جماعية هيا النظام مسرحها منفردا

. أنا شخصيا ،بصرف النظر عن وساوس الشباط وتهويماته، لست قطريا ولا معنيا بالقطرية التي نتردى في شقائها ،لأن أنظمة فاسدة تعمل على ترسيخها حفاظا على مصالحها.

المسالة الثانية أني لست ممن تختلط في ذهنه مشاغل الشعوب ومصالح االأنظمة؛ واعرف أن أي نظام عندما تشتد من حوله الأزمات ، فانه يفتعل أزمة خارجية يشتت بها عنه أعين الرصد؛ ويخفف بها عنه الضغط الداخلي، ويخلق منه فيها بؤرة جذب، على أساس حمل العامة وجزء من النخبة على إعادة ترتيب الأولويات ، خصوصا عندما تكون الأزمة تتعلق بالمس باستقلال البلاد وسيادتها الوطنية. وهذا ما عشناه ،إذا كنتم تتذكرون، في أحداث 1989 في ظل نظام ولد الطايع . وإن من المؤلم أن يتبخر حلم مشروع المغرب العربي في أبعاده التنموية والاجتماعية والسياسية لأن أنظمة عبثت به للتغطية على مشاكلها الداخلية. فهذا المشروع كان وسيظل أولوية للشعب العربي في هذا الإقليم. والأكثر إيلاما أنه في مثل هذه الوضعيات ، لا نرى أي دور لمنظمات المجتمع المدني ورجال الفكر و الأكادميين، الذين كانوا يصدعون آذان الناس بالحديث عن أهمية المغرب العربي. فلما ذا لم يظهر رجال ونساء هذا المجتمع المدني في هذه الأقطار لمنع هذا التدهور المفتعل في العلاقات بين هذه الحكومات غير المسؤولة ، ولفرض سيادة الشعوب ومشاغلها بدلا من سيادة الحكام ومصالحهم؟.. فأين ذهبت نتائج الندوات الفكرية العميقة التي نظمها المركز المغاربي للدراسات والبحوث الإستراتجية.. هل ذهبت أدراج الرياح ؟!. أليست هناك مشتركات بين منظمات المجتمع المدني في المغرب العربي تتجاوز نزوات الحكام لتواجه خلافات الأنظمة، وتطرح أرضيات للتفاهم والتضامن ؛ وتشكل دينامية في مثل هذه التحديات لفرض الشراكة بين الشعوب وليست ببن الحكومات المتقلبة بالأمزجة.. انه من الغريب أن منظمات هذا المجتمع المدني تنخرط اليوم بشكل أعمى في هذه الحملات الإعلامية الخرقاء بين أبواق الحكام. إننا أمام بلوى حقيقية.. فنحن حين السلم نتحدث كثيرا عن دور المجتمع المدني وعن أهميته ،وحين نفجع بمثل هذه الأزمات يتلاشى هذا المجتمع في محاليل السلطة. في الغرب،يلعب هذا المجتمع دورا عظيما في تقارب الشعوب ، وعندنا يتجحفل مع الأنظمة في تباعد الأشقاء. فنحن عاجزون عن تقليد هذا الغرب في ما هو مفيد من تجاربه وقدرته على ترتيب الأولويات وفرزها لصالح الشعوب عن مصالح الأنظمة. الم يكن من المفروض إن ينشط هذا المجتمع المدني في المغرب والجزائر وموريتانيا ويهتم بهذه النزاعات لأننا أمام تحد كبير يهدد مصيرنا كشعب عربي مغربي، جراء مزاجية هذا النظام أو ذاك.. انه من الضروري أن نصحح فكرة سائدة في أذهان الغوغاء ، وحتى بعض النخبة ،وهي أن السلطة شيء متغير في بنية الدولة، والثابت هو الشعوب ، وليس من المعقول ولا من المقبول أن يساق شعب وراء مكائد الأنظمة لتحافظ على بقائها تحت عنوان عريض هو الدفاع عن الدولة الوطنية؛ فيما هي على الحقيقة تزج بشعب؛ بل بإقليم كامل نحو المحرقة، في ردة فعل ارتجالية في غياب كامل للعمل المؤسسي للدولة. فالمشكل أننا في موريتانيا لا نفكر على نحو استراتيجي ؛ ولا ننطلق من رؤية شاملة تأخذ أبعادا متعددة، وإنما يصيح علينا الحاكم بالنفير العام، فنهب إلى النفرة كالمفزوعين !.

والسؤال المطروح ما طبيعة ما يجري بين موريتانيا والمغرب، وهل رجع الحزب الحاكم عندنا في ردة فعله إلى شخصيات مرجعية من ذوى الخبرة والتجربة المهنية ،مثل السفراء ، و وزراء الخارجية السابقين، ومثل أصحاب الرأي والكفاءة النظرية والميدانية كالإعلاميين والأكاديميين، قبل أن يتقدم للراية العام بهجائيته . فأين نتلمس التدبير العقلاني لهذه الأزمة في هذه الفورة الإعلامية حتى نضمن آليات لضمان مستقبل بلدنا في هذا العالم الملتهب بالصراعات. المسالة الأخرى ،التي ،بطبيعة الحال، لن تنال إعجاب المنافحين عمى عن النظام الموريتاني ، وهي ذات خطورة عالية، ان من يصدر عنه مثل هذه البيانات النارية على دولة جارة، مع رفضنا لتخرصات الشباط، عليه أن يرمم بيته من الداخل. فالوطنية ،المستنفرة اليوم، قبل كل شيء شراكة في تدبير الأوطان ، وليست إطارا فارغا؛ ولا بد فيها من أساس وجيه في مثل هذه الأزمات التي تبرز أهميتها التي لا تعوض. فكيف لنظام حاكم أن يغيبني ويقصيني وينفيني في وطني عن تدبير شأنه العام دون سبب قانوني، ثم يغمزني غمز الحمار المركوب على حين غرة للنفير معه في أمر كان يقتضي الشراكة في اهتماماته ودوافعه من قبل حدوث ما حدث؟!.. فالشراكة عكس الاعتباطية ، التي لا تعير بالا لغياب الوضوح في الهدف المنشود. إن ما يجري مع المغرب لا يعالج بأسلوب فرعون : ( فاستخف قومه فأطاعوه)..

إن مواجهة الدول تستلزم ترصين الجبهة الداخلية وتعزيز مفهوم الدولة الوطنية، ورفع مستوى الوعي الشعبي والنخبوي بها. والنظام الحاكم في موريتانيا كرس جهده لإرتكاس البلاد إلى الولاءات الضيقة و إعطاء الأولوية لتعميق القطيعة مع الدولة بدلا من الولاء للوطن الجامع؛ وهذا باد في تفكك الدولة إلى خطابات قبلية، وعرقية، و شرائحية و جهوية وحتى أسرية، بتشجيع من السلطة ووسائل الإعلام التابعة لأجهزتها. وهذا ما قد يشجع كتلا من هذا الشعب إلى النظر في هذه الأزمة مع المغرب ليس لأنها في دولة واحدة ووطن واحد؛ بل من منطلق مصالح كل مجموعة قبلية أو عرقية... أو أسرية؛ لان نظامنا الحاكم أرادنا هكذا نرجع بعمق لتقاليدنا كمجموعات منفردة تعمل بشكل منغلق. ومن هنا، لا أتوقع أن سلطات هذه سياساتها يمكن أن تعول على رأي عام وطني؛ لم تترك له سبيلا إلا سدته مسبقا بدءا بالأحزاب السياسية الجدية التي هي أدوات خلق الرأي العام الوطني وإنتاج الخطاب الحداثي الجامع المتعالي على البنيات الاجتماعية والثقافية ما قبل الدولة الوطنية.

 إذ كيف نطالب بالوطنية في غياب التكوين على الوطنية وتحطيم آليات إنتاجها؟!!.. إنني إذ أكتب هذا الرأي، فإني على وعي تام بسهولة الانخراط الأعمى في الحملات الإعلامية ضد المغرب اليوم وضد الجزائر غدا، ولكن ما ستكون عليه النتائج المتحققة من وراء ذلك؟

. انه في مثل هذه الأزمات تبرز أهمية الشراكة الوطنية ، التي هي متحققة إلى حد ما في المغرب؛ حيث توجد حكومة وطنية منتخبة بقبول الجميع. ولكن ما ذا عن حالنا، ونحن نعيش في ضبابية مقلقة في نظام يعطي الأولوية للقبلية و الجهوية و الأسرية على حساب وطن ووحدة شعب، وعندما يفتعل أزمة وتحاصره تداعياتها يستدعي وحدة الجهد ووحدة الرؤية حول أطروحاته.. فلماذا تغيب الفرص لمناقشة ما يجري بيننا وبين المغرب بعمق لتعرف أسبابه الحقيقية فنختلف فيها أو نتفق.. أليس الاختلاف في الوضوح أفضل من الاتفاق في الغموض..؟!. إن العادة السائدة عندنا وسرت في الأنظمة التي تعاقبت على حكمنا أنها لا تقبل بأقل من تعليبنا في صندوق فنسبح معها على عمى و نؤيدها في مصالحها؛ لأن الثقافة السياسية و الديمقراطية ليست من أجندتها؛ بل من الأشياء التافهة والمعرقلة لصانع القرار. إن هكذا منهجا في قيادة الدولة والمجتمع هو أخطر أسلوب يهدد التفاعل الإيجابي بين النظام الحاكم وقوى المجتمع في أوقات الأزمات الكبرى ؛لأنها تجد نفسها في ظل شح شديد في المعلومات عن هذه القضايا. ومن هنا، يصبح النظام الحاكم نفسه يعكز على مجموعتين : مجموعة منشغلة بإحصاء إنجازاته ونجاحاته الوطنية والإقليمية والدولية و إمكانياته اللامحدودة. ومجموعة أخرى منصرفة للاستحواذ على الصفقات العمومية اليومية. وكلتا المجموعتين خذلتا الرئيس السابق، معاوية ولد الطايع..!!