مراسلون – خاص
جاء في "سير أعلام النبلاء" «عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر حين حضره الموت قال: إني لا أعلم عند آل أبي بكر غير هذه اللّقْحة، وغير هذا الغلام الصَّيْقل (من يجلو السيوف ويشحذها)، كان يعمل سيوفَ المسلمين ويخدمنا، فإذا مت فادفعيه إلى عمر. فلما دفعته إلى عمر قال: رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده».
أغلب الظن أن السيد حميد شباط لم يجد في صدره حرجا، وهو يخلف الزعيم التاريخي علاّل الفاسي على الأمانة العامة لحزب الاستقلال، كما وجده عمر رضي الله عنه حين خلف أبا بكر.. وقديما قيل:
ذُو العقل يشقى في النعيم بعقله ** وأخو الجهالة في الشّقاوة يَنْعَمُ
وما أجدر شباط باستشعار الحرج وهو يقف في مقام صاحب "مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها"، و"النقد الذاتي"، و"دفاع عن الشريعة"..
ليس من شيء يجمع بين الرجلين سوى أن كُلاًّ منهما ملأ دنيا المغربِ وشغل ناسَها..
أضاء علال الفاسي المغربَ علما وفقها وفكرا وتنويرا، أما شباط فأَصَمَّ آذان المغاربة ديماغوجية وشعبوية واستفزازا للخصوم..
وفي الوقت الذي كان اسم علال الفاسي يحيل إلى معاني سامية؛ كالنضال ضد الاستعمار وإرادة النهضة والتحرر، كان اسم شباط يحيل إلى "البيصاره" (وجبة شعبية)، والبلطجية، واللغة النابية..
قبل عشر سنوات زار حميد شباط، عمدة مدينة فاس حينها، الإعداديةَ التي درس فيها، وخطب في التلاميذ ناصحا إياهم أن يتخذوه قدوة ومثلا أعلى.
فأسرع الصحفي الشهير "رشيد نيني" يكتب مذعورا: «إذا قرر التلاميذ اتخاذ "شباط" قدوة لهم، فعليهم أن ينهوا مشوارهم الدراسي في مستوى الإعدادي. لأن الإعدادية التي زارها "شباط" كانت آخر عهده بالعلم والتحصيل».
غادر "شباط" الإعدادية إلى معهد مهني، تخرج منه تقنيا في ميكانيكا الدراجات، ومن هناك اكتسب لقب الـ Cyclist، أي (الدرّاج)، وهو أشهر الألقاب التي أطلقها عليه المغاربة..
ولاحظ رشيد نيني، في حزن وأسف، أن الـ Cyclist تربع على عمدية مدينة اشتهرت بالعلم والعلماء، رغم أنه لم يَلِجْ جامعاتها، ولم يحصل على أكثر من الشهادة الابتدائية.
وفي الستينيات غادر الزعيم علال الفاسي الحكومة لينضم إلى المعارضة، رافعا، في شجاعة منقطعة النظير، شعارَ "من أين لك هذا؟"..
وفي 2014 اختفى، من مقر حزب الاستقلال بتطوان، "بورتريه" (لوحةٌ فنية) لأب الحركة الوطنية المغربية عبد السلام بنونة، رسمها الفنان العالمي مريان بيرتوشي سنة 1935، وهي لوحة تتجاوز قيمتها في الوقت الحالي 70 مليون درهم.
شوهدت اللوحة، فيما بعد، داخل مكتب الأمين العام لحزب الاستقلال حميد شباط، قبل أن تختفي نهائيا عن الأنظار، وهو ما جعل الصحفي رشيد نيني يكتب متسائلا: «هل أصبح مقر حزب الاستقلال منافسا للمتحف الوطني للفنون المعاصرة؟».
ولأن شباط ينتمي إلى الحيتان الكبيرة في المغرب، فقد أفلت، أكثر من مرة، من محاولات المجلس الجهوي للحسابات لِجَرِّهِ إلى السجن بتهم الاختلاس وتبديد المال العام..
وعلى الأرجح لاحظ السياسيون المغاربة، في استنكار، المسافةَ الفلكية بين مستوى الخطاب السياسي عند أشهر "شعبوي" في المغرب ومستواه عند الفقيه الوقور علاّل الفاسي..
اتهم شباط بنكيران بالانتماء إلى "داعش" ثم إلى "جبهة النصرة"، وفي وقت لاحق، قال إنه "عميل للموساد"..
وقبل أن يسعى إلى مصالحتهم والدخول معهم في ائتلاف حكومي؛ هاجم شباط إسلاميي المغرب قائلا: هؤلاء يودون أن يقولوا لنا ما هو الإسلام.. ونحن مسلمون! هؤلاء هم "النذالة والتعمية"، (بدلا من العدالة والتنمية)..
ونكاية بحزب "الاتحاد الاشتراكي" هاجم شباط أيقونة اليسار في المغرب المهدي بن بركة، الذي اغتيل في فرنسا سنة 1964، حيث اتهمه بالضلوع في اغتيالات سياسية في الخمسينيات..
وحين اكتسح حزب "الأصالة والمعاصرة"، المقرب من القصر، الساحةَ السياسية عقب انتخابات 2009، حذر شباط من أن هذا الحزب يقوده متطرفو الليبراليين الذين يعتنقون علمانية سافرة، تشكل خطرا على الإسلام وعلى إمارة المؤمنين، واتهمه بترويج الخمور، والوقوف خلف محاولات الإفطار الجماعي في المغرب..
أما "الربيع العربي" وحركة 20 فبراير المتأثرة به، فليسا سوى انعكاسٍ لما جاء في كتاب "ابروتوكولات حكماء صهيون" في نظر "شباط"..
لا عليكم أيها الموريتانيون أن تنشدوا إذن:
ولو أني بُلِيتُ بهاشِميٍّ ** خُؤولته بنو عبدِ المَدان
لهان عليّ ما ألقى ولكنْ ** تعالوا فانظروا بمن ابتلاني