أثار إعلان رئيس الجمهورية، في تلك الليلة المشهودة، تجديد تمسكه بالنظام الديمقراطي الذي أرسى قواعده، وعدم رغبته في مأمورية ثالثة، استياء المعارضة التي فقدت بهذا الإعلان الصريح آخر منتجاتها المعلبة المعدة للتصدير إلى الغرب.
بعد الصدمة الأولى، والصمت المطبق، حاولت المعارضة استعادة توازنها الهش بالتشكيك في صدق نوايا الرئيس.. لكنها أدركت سريعا أن ذلك لم يعد ينطلي على عرابيها وراء البحار الذين سارع بعضهم إلى تهنئة الرئيس رسميا على قراره الشجاع، داعيا غيره للإقتداء به.. تفتقت أذهان المعارضين النائحين، والناطحين، والكادحين، عن فكرة هم أول من يعلم تهافتها.. الضغوط الخارجية!!!
يعلم معارضو الاستقرار والتنمية أن الغرب لا يهتم إلا لمصالحه، ولا يمارس الضغوط إلا من أجلها. فكم غض الطرف عن الانقلابات العسكرية، وتغيير الدستور لفتح المأموريات، وتزوير الانتخابات، وتوريث السلطة، وقمع المعارضة والتنكيل بالمجتمع المدني.. والأمثلة أكثر من أن تحصى. فليس على وجه الأرض حاكم يخشى الضغوط الغربية لأنه يعرف باعثها، ويدرك أنجع السبل لمواجهتها: ضع مصالح الغرب فوق مصالح بلادك، وافعل ما شئت. بل إن الغرب، في هذه الحال لا يألو جهدا في المحافظة على هذا النظام "الذي يسير بخطى ثابتة على طريق الديمقراطية"، وتلميع صورته..
أما حين يكون النظام وطنيا لا يقدم على مصالح شعبه أية مصالح غربية، أو شخصية، أو فئوية، فإن الغرب يناصبه العداء، ويختلق كل التهم ليلصقها به. لكن التاريخ يعلمنا أن الزعماء الوطنيين ينتصرون في النهاية على ضغوط، ومؤامرات الغرب، والأمثلة أكثر من أن تحصى.
وعليه؛ فإن معارضي الاستقرار والأمن يعلمون أن رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز في إصراره على رفض المأمورية الثالثة، رغم مطالبات الأطر الوطنية، والمواطنين الشرفاء بها، إنما يصدر عن قناعة شخصية راسخة ترى مصلحة البلاد في ترسيخ النظام الديمقراطي، باحترام مؤسساته، وتثبيت أركان دولة ذات سيادة وقرار مستقل، وهو ما تعمل الضغوط الخارجية على منعه لإضراره بمصالحها، أضف إلى ذلك أن فخامة الرئيس يدرك أن منصب رئيس الجمهورية ليس على مقاس شخص معين، وإنما كل موريتاني وطني مستعد للتضحية في سبيل وطنه، واضعا مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، مؤهلا لأن يكون رئيس للجمهورية الإسلامية الموريتانية...
لقد أقسم رئيس الجمهورية، في مناسبتين على احترام الدستور، وتأبى عليه عقيدته الإسلامية، وتقاليد المؤسسة العريقة التي حمل أعلى رتبها، أن يحنث بيمينه، وينكث بوعده. فعلى معارضي الاستقرار والتنمية الذين يعودون من باريس منتشين، وقد شرفوا بمقابلة موظف من الدرجة الدنيا بعد طول انتظار، أن يفهموا أن الإملاء الفرنسي قد أسقط من العلاقات الدولية لكثرة الأخطاء فيه..
لقد تبدل العالم، ومعه الطبقة السياسية الفرنسية... فالرئيس الذي يعلن عدم ترشحه لمأمورية ثانية، في سابقة من نوعها، تحت ضغط وزرائه لانحدار شعبيته إلى 13%، ليس قادرا على الاستجداء، أحرى الإملاء!!! وله سوابق في ذلك.. ألم يعلن في حزم من داكار، أنه لن يقبل المساس بالدساتير، ثم عاد وصرح، دون خجل، أن فلان حر في استفتاء شعبه حول تغيير الدستور ليحظى بمأمورية جديدة، وقد كان..
يحي ولد أعل شين