الأزمة الاقتصادية ستُعجِّل بنهاية جنوب السودان لأنها أخطر من الحرب الأهلية
الطبقة الحاكمة في جوبا مُصابة بالتوحّد والعقوبات لن يؤدي إلى إسقاط النظام
دول الإقليم لا تستطيع حل الأزمة لجهلها بالصراع والحل لابد أن يأتي من الداخل
جوبا عمدت لشراء قادة المعارضة ولهذا السبب (…) فشلت في احتوائهم
شراء أبناء النوير بالمناصب غير مفيد وشق المعارضة سيقود إلى كارثة حقيقية
وجود تعبان في القصر لن يحل أزمة الجنوب طالما أن مشار وغديت يحملان السلاح ضد جوبا
كشف القيادي الجنوبي البارز ورئيس مؤسسة السودان الجديد كوستيلو قرنق عن جهود دولية لإبعاد كل من مشار وسلفاكير عن السلطة من أجل إيجاد ديمقراطية حقيقية بدولة الجنوب، وقال كوستيلو في حواره مع (الصيحة) إن صبر المجتمع الدولي نفذ، وأصبح يدعو لإبعاد طرفي الصراع عن السلطة لأنه الحل الوحيد للأزمة الجنوبية وأكد كوستيلو حتمية زوال حكومة جوبا حال استمرت في دعم وإيواء المتمردين على الخرطوم، مؤكدًا عجز جوبا عن طرد قطاع الشمال والجبهة الثورية كونهم يقاتلون معها المعارضة.
وشدد كوستيلو على عجز كل من تنزانيا وجنوب إفريقيا ودول الإقليم عن حل المشكلة الجنوبية لعدم إلمامهم بطبيعة الصراع وبطبيعة الشعب الجنوبي، وأضاف أن حل المشكلة لابد أن يأتي من أبناء الجنوب أنفسهم. وتطرق قرنق إلى العديد من القضايا والملفات في الشأن الجنوبي والأزمة الراهنة.. فإلى مضابط الحوار.
ـ كيف ترى العلاقة بين السودان وجنوب السودان؟
العلاقة بين البلدين ستظل متأزمة بسبب دعم جوبا للحركات المتمردة الدارفورية، وقطاع الشمال، وقد تصل إلى حد المواجهة المباشرة كما حدث في هجليج أو عبر طرق أخرى حال لم تف جوبا بوعودها وتقوم بطرد المتمردين السودانيين من أراضيها وجوبا عاجزة في الوقت الحالي عن طرد الحركات المسلحة السودانية لأنها تساعدها في القتال ضد المتمردين الجنوبيين، وليس أدل على ذلك من تناقض تصريحات مسؤوليها بشأن هذا الملف الهام، وعلى جوبا أن تأخذ تحذيرات الرئيس عمر البشير على محمل الجد لأنه حال دعمت الخرطوم المعارضة فإنها ستنجح في إزاحة جوبا عن السلطة.
ـ لماذا فشلت جوبا حتى الآن في احتواء المعارضة؟
حكومة جوبا لا تحسن التعامل مع المعارضة كونها أولاً تحاول ان تسميها بالتمرد بأن تجعلها كلها تابعة للمعارضة المسلحة بقيادة مشار، وبالتالي لها أهداف سياسية تتمثل في إسقاط النظام والاستيلاء على السلطة، وهذا غير صحيح لأن هناك مجموعات كثيرة جداً الآن تحمل السلاح وتحارب جوبا وهي ليست منضوية تحت مجموعة مشار.
ثانياً، جوبا تحاول أن تشتري القادة المعارضين بهدف شق المعارضة وهذه سياسة عقيمة وغير ناجحة وتعمل على استنزاف موارد الدولة الشحيحة أصلاً لأن من تشتريه بالمال يخونك عندما ينفذ منه المال، وأيضاً سياسة شراء ولاء النوير بالمناصب لا يعدو أن يكون مثل الحرث في البحر. وذلك أنه بالرغم من وجود تعبان نائباً للرئيس، لا زال هناك بيتر غديت والدكتور رياك مشار وهما يحملان السلاح ضد الحكومة.
ـ الرئيس الأمريكى دولاند ترامب هدد بإزاحة كل من موسفيني وجاكوب زوما عن الحكم، ما أثر ذلك على السلام بالجنوب كون القائدين شديدي الالتصاق بالملف الجنوبي؟
أولاً، هذه تظل تهديدات، ثانياً، أثر الدولتين على السلام بالجنوب محدود، لأن السلام لن يأتي إلا من الداخل، والدليل على ذلك أن الضغوط الخارجية جميعها لم تجلب السلام إضافة إلى أن سياسة الفصل العنصري جعلت ثقافة جنوب أفريقيا أوربية بالرغم من أنها تقع في أفريقيا فمثلاً عندما زرت جنوب إفريقيا وقابلت سيريل رامافوز والذي كان آنذاك رئيسًا لاتحاد عمال المناجم، وكنت شديد الإعجاب بالرجل كونه ناضل من أجل إنهاء الفصل العنصري، سألته عن الجنوب فقال لي بصراحة شديدة: أنا لا أعرف شيئاً عن الجنوب، كل ما أعرف عن أفريقيا أنها تتكون من زيمبابوي وزامبيا وأنغولا وليبرياـ وأضاف: نحن لا نعرف شيئا عن إفريقيا الكبيرة، وعندها طلب مني زيارة الجنوب، فذهبنا بطائرة خاصة وقابلنا مشار أولاً في نيروبي، ومشار قال لي دعه يقابل الرئيس أولاً فذهبنا إلى جوبا، وهناك قابلنا سلفاكير، وعندما خرجنا قال: لي أنتم عندكم مشكلتان، أولاً أني لاحظت أنه يعمل عندكم شخصان فقط المرأة التي قدمت لنا الطعام وعامل النظافة.
والثانية، أن قيادتكم ليست لها رؤية لإدارة البلاد، أو احتياجات الشعب، وهذا سيقودكم إلى حرب مدمرة في المستقبل. وعليه جنوب أفريقيا لا تعرف مشاكل الجنوب الحقيقية فهي تعتقد بضرورة بقاء الحركة الشعبية كحزب حاكم كونه الحزب الذي ناضل من أجل الاستقلال، كما فعل حزب المؤتمر الوطني عندهم، وأنه لا يجب أن يسمح لها بالفشل لذلك هم يحاولون إنقاذ الحزب وتوحيده لأنهم يرون فيه خلاص الجنوب.
ـ مشروع القرار الأمريكي بفرض حظر السلاح يثير العديد من التساؤلات خاصة وأنها دعمت الحكومة بالسلاح قبل أشهر قليلة؟
المعلومات المتوفرة لديّ تفيد بأن أمريكا لم تسلح الجيش الشعبي بل قدمت الأسلحة لقوات الأمم المتحدة الموجودة بالجنوب، لأنها ترى أن الجيش التابع للحكومة ليس جيشا ًوطنياً، وفي حال سلحت جيشًا قبلياً فهذا يعني أنها تساعد في إبادة القبائل الأخرى، وعندما تقدمت أمريكا بهذا الاقتراح لمجلس الأمن كانت تدرك سلفًا بأن روسيا ستعترضـ، ولكن بحكم تأثيرها على الدول المجاورة لجنوب السودان ستتمكن من السيطرة على استيراد السلاح خاصة وأن الصين وافقت على إيقاف تصدير السلاح للجنوب لحين إنفاذ اتفاقية السلام الموقعة عقب اندلاع العنف والتي تنص على أن يعود مشار نائباً للرئيس، وروسيا لديها ذات الرأي كما أن قرارات الولايات المتحدة الأمريكية لا تتوقف على موافقة مجلس الأمن من عدمها.
ـ إدخال زعيم المعارضة رياك مشار في قائمة العقوبات هل سيخدم عملية السلام؟ ولماذا تم استثناء الرئيس سلفاكير من العقوبات؟
هذا ليس صحيحاً، فالعقوبات لم تستثن أحداً في الطبقة السياسية بجنوب السودان، وكل أموال القادة حتى الوزراء السابقين مجمدة في بنوك كينيا، والولايات المتحدة ستطارد أولئك الذين ثبت نهبهم لأموال الشعب، كما أنها ستطارد أرصدتهم ليس في أفريقيا فقط بل في كل أنحاء العالم وليست حساباتهم فقط، بل حسابات ذويهم مثل زوجاتهم وأبنائهم وأقاربهم وسيتم تجميد هذه الأموال حتى ولو تحصلوا عليها عن طريق الفساد، ويتم إرجاعها عند تشكيل حكومة جديدة.
والولايات المتحدة الأمريكية لا ترى أن تجميد أموال سلفا ومشار سيأتي بالسلام ولا يوجد رأي أمريكي بأنه من الضروري مساعدة رياك مشار ليجلبوا السلام لدولة الجنوب، ولذلك سيجمدون أموال كل الذين وردت أسماؤهم في التقرير، ورياك قال ليس له أموال ليتم تجميدها والأمريكان يقولون ستتم ملاحقة جميع الأموال إلا إذا حفظت في البنوك بالعملة الصينية أو الروسية،
ـ المجتمع الدولي يطالب بفرض عقوبات على دولة الجنوب مثل فرض حظر للأسلحة وعقوبات فردية على القادة المتورطين في القتال، برأيكم هل سينجح التلويح بالعقوبات في إيقاف الحرب؟
التصريحات بالتهديدات لن تؤدي إلى إسقاط النظام في جنوب السودان، ذلك أنها فشلت في السابق في إسقاط نظام الرئيس صدام حسين مثلاً. وأموال الجنوب تم تهريبها إلى خارج البلاد ولكن الدول الغربية تترصد تلك الأموال خاصة أمريكا وهي تحتجز تلك الأموال، ولن تفرج عنها إلا بعد سقوط النظام أو تغيير الحكومة لسلوكها العدائي تجاه الشعب.
ـ إلى أي مدى يمكن أن تستجيب القيادات الجنوبية لتهديدات المجتمع الدولي؟
القضية الأساسية ليست في بقاء النظام أو قوته وجبروته، بل القضية الأساسية في إيجاد البديل لهذا النظام وكيفية خلق هذا البديل. فأنت لا يمكنك أن تسقط نظاماً فاسداً وتستبدله بنظام فاسد آخر، مثل أن تأتي برياك مشار، لأن الحركة الشعبية في جوبا، والحركة الشعبية في المعارضة وجهان لعملة واحدة.
مثلا اتفاقية السلام هدفت إلى إجراء تغييرات في الجيش والشرطة وكيفية إدارة الحكم وفق التقسيمات التي أحدثتها الاتفاقية. إلا أنهم سعوا إلى توحيد الجيش والحركة الشعبية وفق نص اتفاقية أروشا. وهذا يعني أنه في حال انسحاب سلفاكير عن الانتخابات القادمة يتم ترشيح رياك بدلاً له مما يعني أنه ليس هناك بديل حقيقي.
ـ القيادات الجنوبية الحاكمة والمعارضة باتت لا تلتزم بما يصدره المجتمع الدولي من توجيهات؟
لا.. لا أظن ذلك، المجموعة الحاكمة لا تلتزم بتوجيهات، لأنها تخاف من فقدان السلطة، وهذا يعتبر نظاماً شمولياً فاسداً قاتل مثل الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي، فعندما حاول غورباتشوف الإصلاح انهار الاتحاد، وفقد غورباتشوف السلطة. وهذا ما يجعلهم يخافون، والطبقة الحاكمة لا تقبل محاربة الفساد في القمة، وليست هنالك قواعد لمحاربته كما أن المجموعة الحاكمة مصابة بالتوحد، وتعتقد أن بقية العالم على خطأ، وهم على صواب، لذلك لا يقبلون بنصائح المجتمع الدولي .
ـ من الذي يتحمل مسؤولية تدهور الدولة الوليدة وانزلاقها في الهاوية؟
قيادة الحركة الشعبية وعلى رأسها رئيس الحركة الشعبية والجيش الشعبي، لأن الرئيس هو القائد العام، وهنالك أخطاء خطيرة مثل ما فعله الجنرال فول ملونق أوان من إنشاء جيش موازٍ للجيش الوطني. والولايات المتحدة والمجتمع الغربي يعتبره جيشاً قبلياً. وأنا أعتقد أنه لابد أن يكون هناك جيش وطني لذلك أرى أن المشكلة في الرئيس سلفاكير، لأنه حينما سألته قناة “بي بي سي” قائلة بأن حراسك هم من قتلوا المواطنين، كان رده أنه لم يعط أوامر بذلك. وهنا بدأ المجتمع الغربي في الاعتقاد بأن الرئيس هو المسؤول عن تلك الجرائم، لأنه لم يوقف تلك الاستهدافات. وأيضاً بالنسبة لجيش مثيانق انيوار وإذا لم يوقفها يظل الرئيس سلفاكير مجرم حرب في نظر المجتمع الغربي.
والمجتمع الدولي يعتبر سلفاكير عاجزاً عن إيقاف المعارك منذ 2013، ولذلك فهو ومشار مسؤولان عن العنف حتى وإن لم يشاركا في المعارك .
ـ إلى أين تمضي الأوضاع الآن في الجنوب؟
إلى الهاوية.. لأن الحكومة في جنوب السودان منهارة اقتصادياً وأفضل مثال لذلك هو أن الدولار الواحد يعادل عشرة جنيات بمعدل 100 دولار بالجنيه الجنوب سوداني 10000 جنيه جنوبي، كما أن الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعيشها البلاد تهدد استقرارها وكينونتها أكثر من الوضع الأمني والحرب الأهلية، خاصة وأن الأزمة وصلت حداً عجزت فيه الحكومة عن دفع رواتب الدستوريين والجيش والشرطة وموظفي الدولة منذ أربعة أشهر. إضافة إلى أنه وفي ظل استمرار الحرب لن يتم تطوير إنتاج النفط، المورد الرئيس للعملة الصعبة، كما أنه “لا توجد دولة أو مستثمر عاقل يمكن أن يمنح أموالاً لدولة تستعر فيها الحرب. هذا فضلاً عن الهروب الجماعي للمواطنين وبخاصة أبناء الدينكا، ولعل هذا الهروب يؤكد بأنهم ليسوا ذراع الحكومة الباطشة لبقية أبناء القبائل.
ـ هناك ادعاءات شبه مؤكدة بأن الحكومة رحّلت أبناء الدينكا من ولاية الإستوائية تمهيدا لإبادة ضدهم؟
في حال صح هذا الكلام فإنه يؤكد أن الحكومة لا تملك برنامجاً لحل المشاكل المتواجدة في الساحة الجنوبية، وعاجزة عن إدارة الأزمة، والأزمة في جنوب السودان تفرض نفسها على الحكومة. وأبناء الدينكا وطنيون أحرار أشداء في الحرب والسلم ولهم أيادٍ بيضاء في الاستقلال إلا أنهم ليسوا مدللى الحكومة أو مالكيها فهم مثل غيرهم يتعرضون للقتل والتعذيب والاستهداف.
وعلى القادة التوقف عن استخدام القبلية كسلاح لأن هذا أسلوباً متخلفاً وغير حضاري، واستهداف أبناء الدينكا في الطرق والبصات السفرية عمل همجي وجريمة ضد الإنسانية.
ـ كيف تنظر لدور المجتمع الدولي تجاه الجنوب؟
المجتمع الدولي مستاء من ما يحصل بالجنوب والمجتمع الغربي منقسم تجاه الأزمة، فالبعض يرى أن يترك القادة وشأنهم ليقرروا مصيرهم ومصير البلاد، والبعض يرى ضرورة إسقاط النظام كونه الخطوة الأولى لديمقراطية حقيقة بالجنوب بدلاً من نظام الحزب الواحد الشمولي. وهناك مجموعة جنوبية وصلت إلى قناعة بأن حزب الحركة الشعبية فشل في إدارة البلاد وعليه الرحيل عن السلطة.
بعض قادة دولة جنوب السودان يتحدثون عن ضرورة خضوع المتورطين في الصراع الجنوبي إلى العدالة؟
تحقيق العدالة رهين بتشكيل حكومة بديلة، فمثلاً المحكمة الجنائية الدولية لا تستطيع فعل شيء في ملف الجنوب إلا بعد تشكيل حكومة بديلة، كما حدث في كينيا حتى يتمكن سلفاكير من الذهاب إلى المحكمة. إلا أن هناك مقترحات دولية تقول أن يذهب كل من سلفاكير ومشار عن السلطة ولا يعودان إليها. وأنا أرى أن المخرج هو تكوين محكمة أهلية كبيرة مختلطة تضم رموز المجتمع والسلاطين ومن ثم ابتعاث أعضاء المحكمة الجنائية بصفة مراقب وان يكون هنالك قانونيون محليون وقضاء من المحكمة الجنائية الدولية بصفة مراقبين.
ـ الحرب في الجنوب باتت قبلية بحتة والدليل على ذلك المجازر التي وقعت في ياي؟
لا… الحرب في جنوب السودان ليست قبلية، ولكن تم استغلال القبائل من قبل أصحاب الأجندة الحربية وأصحاب الأجندة السلطوية، وهنالك فئات ينشرون الأكاذيب في أوساط القبائل مما جعل البعض يقول إن الحرب بين الدينكا وبقية القبائل والحكومة نفسها فشلت في إيقاف الحرب، وسكوت الرئيس جعل القبائل الأخرى تقول إن الحكومة تدعم الدينكا في حين أن الدينكا أنفسهم ضحايا هذ السياسة، وأنا أؤكد أن الحكومة ليست ملكاً للدينكا إطلاقاً، وأتفق معك أن الحرب في الاتجاه القبلي ولكن ليس مثل ما حدث في ياي ومناطق أخرى.
حاورته: إنصاف العوض-صحيفة الصيحة