الحمد العليم الحكيم العلي العظيم، أمر بتعظيمه عز وجل فقال : ﴿ومن يعظم شعائر فإنها من تقوى القلوب﴾، وقال : ﴿ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه﴾، وأمر بتعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم وتوقيره فقال : ﴿لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا﴾، وصلى الله وسلم على رسوله الأمين الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة وأكمل الله به الدين.
وبعد فإن الكلام عن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم لم يبدأ من اليوم ولا من هذا العصر بل هو من عصور مضت وكان كغيره من الأمور فيها آراء شتى ولكن العبرة ليست بقول قائل مهما على قدره وارتفع صوته ما لم يبني قوله على دليل صحيح من كلام الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما العبرة بالدليل المبني على كلام الله عز وجل وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وآثار صحابته والتابعين، قال الله عز وجل : ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾، وقال : ﴿قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم﴾، وقال : ﴿وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله﴾، وقال : ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول﴾، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((عليكم بسنتي))، وقال : ((ما أتيتكم به فأتوا منه ما استطعتم وما نيتكم عنه فانتهوا))، ومن المعلوم عند الراسخين في العلم والمتتبعين للتاريخ الإسلامي أن الاحتفال بالمولد لم يحدث إلا في زمن الدولة الفاطمية وهي من شر الدول التي ظهرت على الإسلام والمسلمين حيث ظهرت فيها البدع والمنكرات وكثر فيها أهل الفساد وقل الصالحون من العلماء والعباد، كما قال ابن كثير ''البداية والنهاية'' وغيره من أهل العلم والتاريخ رحمهم الله تعالى، وعلى المسلم الذي يرجو لنفسه الفوز برضى الله عز وجل والنجاة من عقابه يوم لا ينفع مال ولا بنون أن يلزم ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعيهم بإحسان.
حب النبي صلى الله عليه وسلم
حب النبي صلى الله عليه وسلم واجب على كل مسلم وهو من الإيمان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث : ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)) 'رواه البخاري ومسلم وغيرها'، ولكن حب النبي صلى الله عليه وسلم دين والدين اتباع، قال الله تعالى : ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم﴾، قال ابن كثير رحمه الله ورفع درجته : هذه الآية حاكمة على كل من ادعى محبة الله ليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله ''تفسير ابن كثير''، ولقد كان الصحابة أعظم حبا للنبي صلى الله عليه وسلم، سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال : والله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحب إلينا من آبائنا وأمهاتنا وفلذات أكبادنا، وكان أحب إلينا من الماء البارد على الظمأ، وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لأنت أحب إلي من نفسي، وكما جاء من قول أبي سفيان رضي الله عنه قبل إسلامه : والله ما رأيت أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد لمحمد، فإذا كان من هذا حبهم وهم من زكاهم الله عز وجل وزكاهم رسوله صلى الله عليه وسلم وأمر باتباعهم وجعلهم المقياس الذي يقاس به أهل الاتباع والطاعة، قال تعالى : ﴿ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين أبدا ذلك الفوز العظيم ﴾، وقال صلى الله عليه وسلم : ((خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم))، فإذا كانوا مع قدرهم وحبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يؤثر عنهم الاحتفال بالمولد فكيف يفعله من بعدهم بحجة الحب أو التعظيم أو غير ذلك من الححج ولو كان خيرا لسبقونا إليه.
حدث مولد النبي صلى الله عليه وسلم
مما لا شك فيه أن مولد النبي صلى الله عليه وسلم حدث جلل وكذلك مما لا شك فيه أن حدث الإسراء به صلى الله عليه وسلم حدث جلل وكذلك حدث بعثته صلى الله عليه وسلم ونجاته صلى الله عليه وسلم من الكفار يوم أحد ويوم حنين، وإذا كان المسلمون عظموا يوم عاشوراء حيث قال اليهود أنه يوم نجى الله فيه موسى وقومه فإن ذلك التعظيم لم يكن اجتهادا من أحد بل كان إقرارا وفعلا من النبي الأمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ومن المقرر عند أهل السنة والجماعة أن الوحي إما قول أو فعل أو تقرير، ولعل القياس أقرب بالاحتفال بنجاة النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين يوم حنين ويوم أحد منه بالاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم إذ أن مولد موسى حدث عظيم كذلك ولم يحتفل به، ثم إن لنبي صلى الله عليه وسلم أمر بتعظيم يوم عاشوراء بصيامه كما أمر بصيام يوم الاثنين لما سئل عنه فقال : ((فيه ولدت وفيه أنزل علي)) 'رواه مسلم' فهل القياس يقتضي صيام يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم من كل سنة أو يقتضي الفرح فيه بلبس الجديد وبغير ذلك، ذلك مما يحتاج إلى وحي من العليم الخبير وهو ما لم يأتي به بيان من النبي الأمين.
الاحتفال بالأعياد
إن التعظيم حق لله تعالى فما أمر الله بتعظيمه وجب تعظيمه وما لم يأمر بتعظيمه لم يجب تعظيمه، كما أن الاحتفال بالعيد عبادة وتعظيم لله عز وجل وتعظيم لدينه وشعائره، قال الله تعالى : ﴿ولكل أمة جعلنا منسكا﴾ : قال ابن عباس رضي الله عنهما منسكا، أي : عيدا، فما جعله الله عيدا وجعله رسوله عيدا وجب على المسلم تعظيمه بذكر الله فيه والفرح فيه كما أمر الله عز وجل، ولهذا لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد الأنصار يحتفلون بيومين كما ورد في حديث أنس رضي الله عنه قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال : ((ما هذان اليومان ؟))، قالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال رسول صلى الله عليه وسلم : ((إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر)) 'الترمذي والنسائي'، ومنه علم أنه لا يجوز للمسلم أن يعظم شيئا إلا بنص من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن التعظيم حق لله والله أدرى بحقه ثم رسوله، قال تعالى : ﴿قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون﴾، والفعل كالقول وزنا ومعنى.
مفهوم البدع والبدعة الحسنة
لقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة نهيه عن البدع، قال صلى الله عليه وسلم : ((وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة))، 'رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وبعضه في صحيح مسلم'، وقال صلى الله عليه وسلم : ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) 'رواه البخاري ومسلم'' وفي رواية مسلم : ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد))، ومن المعلوم عند أهل اللغة الراسخين أن مَنْ وكُلُّ من ألفاظ العموم فيدخل فيها كل بدعة في الدين مهما زعم صاحبها أنها حسنة، ومما يؤثر عن الإمام مالك إمام دار الهجرة قوله : من زعم أن في الإسلام بدعة حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة، اقرؤوا إن شئتم قول الله عز جل : ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا﴾ فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا ''الاعتصام'' ثم إن البدع المراد بها ما أحدث في الدين قال الشاطبي : البدعة طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالشرعية ''الاعتصام'' وعليه فلا يكون ما أحدث من أمر الدنيا من البدع المذمومة في الشرع لأنه لا أحد يريد بها التعبد فلا أحد يركب السيارة يريد بها التعبد ولا الطائرة ولا غير ذلك.
نصرة النبي صلى الله عليه وسلم
من المؤكد عند أهل العلم والصلاح أن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم واجبة على كل مسلم بما استطاع، قال تعالى : ﴿إلا تنصروه فقد نصره الله﴾، ومن المؤكذ أيضا عند أهل العلم والصلاة أن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم هو أول ما ينصر به لأنه إحياء لسنته صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم : ((من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا)) ''رواه مسلم''، وعليه فالواجب على المسلم الذي يحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يبحث عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويحييها خصوصا في هذا الزمن الذي اشتدت في الغربة والحرب على السنة، اللهم اهدنا وبصرنا بدينك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وثبتنا عليها حتى نلقاك.
بقلم طلحة ولد ابيه