إن عقدة قضيتنا في آدرار أنه لا يمكننا ضمان السلم ما لم نجعل هذه القبائل عاجزة، فآدرار منطقة الجبال بواحاتها الأربعين، وما تنتجه من تمور وشعير وقمح، و تشكل بذلك مخزن غلال الصحراء .. هنا يجد تعساء البدو سد رمقهم وهم في حماية الجبال يديرون في غبطة عملياتهم العسكرية ضدنا بسهولة بالغة، حيث لا يفصل آدرار عن تكانت واترارزة سوى 250 كلم بالكثير ..
لقد كان علينا أن نواجه أكثر من 135 هجوما، ووصلت خسائرنا إلى 134 قناصا قتيلا، و ثلاثة ضباط و5 ضباط صف ، و8 أوربيين قتلى، وقطعت أسلاك التلغراف أكثر من 20 مرة .." العقيد غورو المسير الحثيث نحو أطار".
تلك شهادة ميدانية دونها الضابط الفرنسي الذي قاد عملية السيطرة على منطقة آدرار ، وأعتقد أنها تحوي من المعلومات والتوثيق ما يكشف حجم وضراوة المعارك التي قادها أبطالنا الشهداء ..
فقط أردت أن أخاطب النخبة الوطنية المشككة في وجود مقاومة منظمة في بلادنا بهذه الوثائق التي دونها الضابط الفرنسي الذي قاد عملية السيطرة على آدرار العقيد "غورو" من دجمبر 1901 إلى يناير 1909 .. 8 سنوات لم تكن كافية لِيُسكتَ "غورو" أصوات البنادق القادمة من الجبال والواحات والصحاري ..
نعم يا "غورو" إنها آدرار مهد الحضارة ومكمن الكرم ، نسائها لا يلدن غير الأبطال .. قلب أرض المنارة والرباط ومنطلق الحجيج .. من وقف على جبالها يدرك جيدا أن من أسسوا ـ شنقيط وودان وازوكي.. وغرسوا النخيل وشيدوا الحصون ـ لن تكون السيطرة عليهم بتلك السهولة المتوقعة ، لقد خاضت آدرار ملحمتها وهي شامخة مرفوعة الهامة لم تنكسر رغم عاديات الزمن وقوة المستعمر الغاشم ..
في اعتقادي أننا بحاجة ماسة إلى استحضار تلك التضحيات الباسلة التي قادتها نخبة من أبناء هذه الأمة دفاعا عن الأرض والعرض ..
اليوم وبعد مرور أكثر من قرن على سيطرة "غورو" على آدرار يحتفل الشعب الموريتاني بتخليد عيده الوطني في ولاية المقاومة .. ليس هناك شك أن التكريم والاحتفاء الذي تحظى به المقاومة الوطنية مستحق ، و جدير بنا أيضا أن نرفع العمامة عاليا لمن قاد ترسيخ هذا الوعي النبيل فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز ..
إن من يستحضر التاريخ ويقف بإجلال لتحية من صنعوه حتما يرعى مصالح الحاضر والمستقبل ويسير بكل ثقة دون خوف ولا وجل لوضع قواعد التأسيس للجمهورية الثالثة ..
في سنة 1957 خاطب الأب المؤسس المختار ولد داداه الأمة الموريتانية ، وكان ذلك الخطاب بمثابة وثيقة سياسية لحكم وبناء الدولة الحديثة .. في 20 أكتوبر 2016 خاطب فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز الشعب الموريتاني من خيمة القمة العربية بقصر المؤتمرات في ختام الحوار الوطني الشامل ووضع ذلك الخطاب العفوي والصادق ملامح الجمهورية الثالثة .
إن الربط بين خطابي الزعيمين وارد لكون كل منهما يؤسس لمرحلة جديدة .. ولاشك أن الاحتفال بعيد الاستقلال الوطني في مدينة أطار الجميلة عاصمة الولاية أكبر دليل على الرؤية التنموية الشامل التي تنفذها الحكومة الوطنية بتوجيهات سامية من فخامة رئيس الجمهورية ، ويشكل الاهتمام بالأعماق وتوجيه الاستثمار وبسط الأمن والسكينة قواعد ثابتة في تنفيذ تلك السياسة الحكيمة .. ويدل اختيار آدرار لاحتضان فعاليات العيد الوطني على محورية نخبتها ودورها البارز في بناء وتنمية الدولة..و لن يكون الاحتفال بعيد الاستقلال الوطني في الولاية حدثا عاديا .. بل سيشكل لحظة تاريخية من عمر موريتانيا الجديدة نأمل أن يقرأها الجميع ونطلق معا نحو ملحمة البناء والتنمية ..