مقال للرواالئي مويتاني أحمد ولد أحمدو صاحب رواية "عناقيد الرذيلة"، المصادرة في قطر والمفصول على إثر مصادرتها من العمل.
هذا المقال موجه إلى أمير قطر، وقد وصلنا النص أسفله، أما التعليق والعنوان فهما من عندنا.
إلى سموِّ أمير دولة قطر!!!
صاحب السمو: سامحوني حين امتلكتُ الجرأة؛ لأوجّه خطابي إليكم.. واعذروني يوم أغراني الأمل؛ بوصوله إليكم؛ بعد رحلة طويلة من المد والجزر.. من الإقدام والإحجام؛ وبعد أن انتصرتُ لجرأتي وأملي. ثمة دافعان ظلا يحثاني على مخاطبتكم، زهاء ثلاثمائة يوم وتزيد؛ أحدهما موضوعي، والآخر ذاتي؛ فالموضوعي أن الإنسان مسؤول عن حقوقه.. وعن بذل الجهد في رفع الظلم عنه.. والذاتي هو أنني أحمل لكم ولوالدكم الكريم ولبلدكم المعطاء مشاعر طيبة (وأنا الذي رفعتُ قلمي عن الحاكم العربي من أيام مبايعة يزيد بن معاوية وحتى انتخاب ترامب) ولا أريد لتلك المشاعر أن تذبل أو تنطفئ؛ بفعل أسباب وأمور غائبة_ بالتأكيد_ عنكم.
صاحب السمو : ثمة_ أيضاً_ أمران وقفا طويلا حجر عثرة يأبيان لي شرف مراسلتكم؛ أحدهما أنني ما أَلِفْتُ مفردات الاستعطاف ولا الاسترحام؛ بل اعتدتُ دائما أن أصبر على وخز السهام، وعلى ألم جراحاتها؛ إلى أن تندمل، أو يقضي الله أمراً كان مفعولا؛ لقد تعلّمتُ باكراً أن "الأنين" صوتٌ خادشٌ للحياء..
أما ثانيهما فهو هاجس وصول خطابي إليكم؛ فآخر خطاب_ تسعفني به الذاكرة_ وصل إلى أميرٍ؛ من أحد العامة هو قصيدة "الحطيئة" التي بعث بها من سجنه لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لا يعجبني الحطيئة، ولا أرجو من الله ان أشبهه في شيء؛ لكنني واثق أن عمر بن الخطاب يعجبكم وتتمنون لو سرتم على طريقه؛ خطوة خطوة) مع أنني أيضاً أقدر مشاغلكم الجمة، ووقتكم الغالي والنفيس.. في هذين الأمرين_ أيضا_ تغلبتُ على ذلك المحاور المغرور المتشائم بداخلي؛ لأخرج قليلاً عن قاموسي الذي ألفته وألفني، راجياً أن يجد خطابي متطوعا يوصله إليكم..
أتمنّى ذلك بكل تأكيد؛ غير أنني لست متيقنا من وجوده؛ من هنا؛ ليس أمامي إلا أن أشير_ فقط_ إلى "مظلوميتي" لأن هدفي إيصالها لكم؛ وليس بثها في عيون الناس أو آذانهم..! صاحب السمو : في ذلك المساء المتلبِّد بأقانيم الألم والأمل والخوف.. انتفضتُ ثائراً على كل مشاعري وهواجسي؛ بعد أن قَرَّرْتُ مجاراة الثّوري الأول "الشَّنفرى" مستسلماً لمبدئه
: وفي الأرض منأًى للكريم عن الأذى // وفيها لمن خاف القلى مُتَحَوَّلُ
الفرق بيني وبين رائد "الصعلكة" في تاريخ العرب أنني كنتُ أستحضرُ بقوة صفة "المهجر" أو المنفى الاختياري يوم وصفها النبي_صلى الله عليه وسلم_ لجعفر بن أبي طالب وزمرته؛ لذلك؛ كنتُ أبحث عن وطنٍ شبيهٍ بـ"الحبشة" يؤوي الهاربين من الأذى.. وعن ملكٍ مثل "النّجاشي" لا يُظْلَمُ عنده أحدٌ
..! ليس_ بالضرورة_ أن يظل العدل حكراً على النجاشي؛ فالتاريخ عَلَّمَنا أن عمر بن الخطاب_ بعده_ عَدِلَ فَأَمِنَ فَنَامَ.. وليس قَدَرُ الهجرة أن تظل أَبَداً جنوباً.. خَلُصْتُ إلى كل تلك الأشياء وأنا أُحاورُ نفسي. حَزَمْتُ_ في النهاية_ متاعاً خفيفاً.. ووجَّهتُ وجهي؛ حيثُ اعتدتُ توجيهه خمس مرات في اليوم أكثر من ثلاثين حُجَّةً وأنا أُناجي ربي.. وما المانع في ذلك..؟! رحلتي هذه ليست إلا "عبادة" بل هي سنام العبادة.. إنها الركض على "سَنَنِ" الأنبياء؛ من أيام أبينا آدم؛ يوم خرج من الجنة مُسْتَخْلَفاً من الله على أرضه.. وانتهاءً إلى خاتم النبيينن وإمام المرسلين؛ ليلة قرَّر مع عصبة الأوس والخزرج على أديم "العقبة" أن يُولي وجهه شطر يثرب.. إنها_ إذاً_ سنّة المصطفين الأخيار
. صاحب السمو : أتمنى أن تظل خلاصتي في محلها؛ ف"الحبشة" لا يليق بها إلا أن تبقى قبلة لكل المظلومين.. وكل المطحونين.. وكل الطامحين.. أما "النجاشي" فقدره أن يكون رمزا لذلك العادل الذي لا يظلم عنده أحد.. لا يمكن_ بالمطلق_ أن نتصور غير هذا..!!! صاحب السمو : لا شك أن تزكية النفس مسلك "شيطاني" آثم؛ لا يليق بالأسوياء ممارسته؛ ومع ذلك لا أجد ما أقوله لكم إلا أنني خُيِّلَ إلي أنني كنت مؤدبا ومستقيما.. ما أسأت إلى غيري، ولا اتُّهِمْتُ يوماً في عرضي زهاء أربعين عاماً.. غير أنني أرجوكم_ مرة أخرى_ أن تسامحوني وتعذروني إذا كنتُ أسأتُ الخطاب، أو أسأت أدبا؛ فلقد أنكرتُ من ذاتي_ أخيرا_ أكثر مما عرفت..!
ودمتم سمو الأمير ودام الأمير الوالد في صحة وعافية.. ودامت قطر في أمن وأمان
أحمد أحمدو