المقال الذي كتبه "محمد العرب" تحت عنوان: في عرين ولد عبد العزيز

جمعة, 2016-11-11 22:15

في يوم 23 /5/2014، لم يعبأ الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز بكل تعليمات الأمن في منطقة الساحل، وقام بزيارة إلى منطقة "كيدال" (1000 كلم شمال مالي)، أسفرت فورا عن وقف الحرب بين الجيش المالي وقوات الطوارق والعرب (مقاتلو جبهات حرير إقليم أزواد).

لقد اندهش العالم كله، وأعلنت الأمم المتحدة تهنئتها للرجل على هذه الشجاعة المشهودة، والتي أسفرت عن وقف شلال الدم بين المسلمين من زنوج وطوارق وعرب مالي.
لقد كان أكثر من 14 مليون من سكان مالي على فوهة الخراب النهائي، لولا هذه الخطوة التي أقدم عليها ولد عبد العزيز.
لقد تقاطرت الاتصالات الهاتفية والتصريحات الرسمية من رؤساء دول العالم والرؤساء الأفارقة والعرب لتهنئة الرجل على هذه الخطوة.
الحنكة والشجاعة، الأولى جعلته يتوصل إلى اتفاق بين القادة العسكريين خلال أربع ساعات في ميدان المعركة، والشجاعة هي كون الرجل بهر القادة المتقاتلين وهم في ضباب دخان المعارك وسيول دماء القتلى وصيحات الجرحى.
لكنْ المشهد الأكبر أن منطقة "كيدال" كانت كلها في دائرة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي والجماعات المتشددة المتحالفة معه، وهي الجماعات التي تعهدت علنا باغتيال ولد عبد العزيز.
ما من رئيس يمكنه المغامرة واختراق عرين الجماعات المتشددة في منطقة الساحل، من أجل الوصول إلى مناطق القتال بين "الجيوش المالية".
لقد فعل الرئيس الموريتاني ذلك في وضح النهار، وبمروحية وجنود قلائل أوفياء وشجعان كقائدهم.
في الحقيقة سأعرف أن ذلك ليس مستغربا على الرجل الذي غامر بدخول "مدن الموت العربية والإفريقية" في "طرابلس" و"بنغازي" و"ياوندي" و"أبيدجان".. لكن يوم "كيدال" سيبقى خالدا لأن فارسا عربيا قدم للعالم درسا آخر في شجاعتنا نحن العرب.
لقد تابعت الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز منذ ذلك اليوم، لقد كان رئيسا للاتحاد الإفريقي، وقاده بحنكة كبيرة، بل أعاد إعجاب الأفارقة بالدور العربي، وبدا وكأن الرجل على مقربة من ردم الهوة التي حدثت جراء غياب الدور العربي، وخاصة الدور المصري عن إفريقيا.
وحينَ استمعت إلى تصريحه لمواطنين موريتانيين حيث قال "إن موريتانيا ستنظم القمة العربية ولو تحت الخيام".. كنت متأكدا أنه سيفعلها، وهكذا حزمتُ حقائبي لتغطية الحدث منذ ذلك التصريح.
في نواكشوط، وتحت خيمة القمة العربية تحدث الرجل بلسان عربي أصيل مهموم بقضايا الأمة، وكخلاصة فإن قمة نواكشوط أدانت الأطماع الإيرانية والإسرائيلية والتركية في الوطن العربي كما حضرها تشريفا وفد من عرب الأحواز المحتلة. هذا إلى جانب البند المتعلق بلغة الضاد وبالثقافة العربية. وغيره.
ولا وجود لقمة عربية أدانت أطماع القوى الإقليمية الثلاث دفعة واحدة.. فنواكشوط لا تتملق أحدا عندما يتعلق الأمر بالعرب ومصالح العرب، ونواكشوط هي العاصمة التي طردت سفارة إسرائيل ومسحت مكانها بالجرافات، وقبل ذلك طردت سفارة أمريكا من التراب الموريتاني وقطعت العلاقات مع واشنطن ردا على عدوان 1967.
إن الرئيس محمد ولد عبد العزيز قاد ثلاثة تغيرات عسكرية ، أولهم في 3 أغسطس عام 2005، الذي أطاح بنظام ولد الطايع، وتغير عسكري سياسي يطلق عليه شعبيا "البطاقة البيضاء" التي أراد العقيد علي ولد محمد فال البقاء في السلطة عبرها، هذه التغيرات كانت من أجل تسليم السلطة لحكم مدني ديمقراطي.
وحين فشل أول حكم منتخب ديمقراطيا ودخلت البلاد في دوامة كوارث استهلتها ب"ثورة الجياع" واحتلال القاعدة لأحياء من نواكشوط، أراد الحكم الفاشل تقديم ولد عبد العزيز كبش فداء، فأمسك ولد عبد العزيز بزمام السلطة في انقلاب أبيض، حيث اختاره الجيش بالإجماع لتولى الحكم وتسيير مرحلة انتقالية وسط دعم شعبي واسع.
ثم وفي خطوة مفاجأة استقال الرجل من السلطة، وسلمها لحكم مدني، واستقال من الجيش، وجلس في منزله كأي مواطن عادي حتى بدون حارس واحد، ثم ترشح لأول انتخابات رئاسية بعد ذلك ليتوج بفوز ساحق فاجأ الجميع باستثناء الأغلبية الصامتة الموريتانية التي صوتت للرجل ووجدت فيه منقذ البلاد.
لقد شاهدت قبل أن أقر عن إنجازات ولد عبد العزيز الحضارية لموريتانيا، وهذه عناوين منها:
- تولى رئاسة كافة المنظمات الإفريقية وصولها لرئاسة الاتحاد الإفريقي.
- تولى رئاسة الجامعة العربية وترأس أول قمة عربية في نواكشوط.
- قادة وساطات ناجحة لوقف إطلاق النار ومنع اندلاع حروب في عدة دول إفريقية.
- أخرج الجماعات الإرهابية المسلحة من شوارع نواكشوط إلى أبعد 300 كلم خارج الحدود.
- أعاد تشكيل وبناء الجيش الموريتاني، ليصبح أحد أقوى جيوش المنطقة , وأكثرها استعدادا للقتال ضد الإرهاب، وكان الجيش الوحيد الذي طهر بلاده من الإرهاب المسلح. كما اعتبرته أمريكا "أحد الجيوش القلائل في المنطقة التي يمكنها القتال في الخارج في أقسى الظروف والعودة لقواعده بسلام" (تصريح رسمي أمريكي).
- قطع العلاقات مع إسرائيل ومسح مقر سفارتها بالجرافات انتصارا للقضية الفلسطينية.
- طرد وفد إسرائيل الذي بعثته لمراقبة القمة الإفريقية في جنوب إفريقيا.
- خرج بتصريحات علنية تتهم الغرب بتدبير الفتن في الوطن العربي من أجل الاستيلاء على ثروات المنطقة ومنع نهوض العرب.
- طبع أول مصحف موريتاني (مصحف شنقيط)
- بنى أول جامعة إسلامية في موريتانيا "جامعة العيون"
- أطلق إذاعة القرآن الكريم من نواكشوط.
- أطلق أول قناة فضائية (قناة "المحطرة") لمواجهة فكر التطرف والغلو، حيث تقدم هذه القناة القرآن وتفسيره والفقه وعلومه بطريقة المحظرة الشنقيطية التاريخية المعروفة بجدارتها في مواجهة التطرف.
- وضع مشروع أكبر مسجد في تاريخ البلاد.
- أنشأ أول منطقة حرة في البلاد (منطقة نواذيبو الحرة)، وضاعف ميزانية الدولة من نحو 100 مليار إلى قرابة 440 مليار أوقية.
- عين ثلث أعضاء الحكومة من النساء، وعين أول وزيرة خارجية عربية في التاريخ.
- نظم عدة حوارات وطنية لترقية التجربة السياسية والديمقراطية والاستماع لرأي المعارضة، ويمكن القول إنه ميدانيا فإن "موريتانيا تعتبر الدولة الوحيدة التي لا يتوقف فيها الحوار السياسي والاجتماعي".
-ولد عبد العزيز منحاز بشكل قوي لحقوق الإنسان ومحاربة الفقر، وللتعاون الإنساني والتنموي النافع لشعوب الأرض.
هذه عينة فقط من مواقف وإنجازات هذا الرجل التي لا يمكن نكرانها ولا الاستنقاص من قيمتها.
ولقد كنتُ أتوقُ لمقابلة هذا الرئيس العربي الذي يحمي للعرب 800 كلم على شواطئ الأطلسي، هي أرض شنقيط حامية الضاد، وناشرة العربية والدين الإسلامي في إفريقيا عموما، وغرب إفريقيا خصوصا... لقد تمنيت أن أجلس إلى الرئيس الذي يترأس بلاد المليون شاعر، حيث إنني أتحدى شاعرا عربيا غير شنقيطي أن يرتجل مائتي بيت في ساعة واحدة لا يلحن في بيت واحد منها لغة أو وزنا، وحيث عشرات الشعراء الذين هم قواميس متنقلة ومنظومات أخلاقية عالية، وأولئك العلماء الربايين الذين لم يخلطوا نقاوة الدين بما ليس منه.
ولأن الحديث عن جميل الشناقطة في عنقي حديث يطول، إذ أن هؤلاء الشناقطة هم المجد بعينه والكرم بأبهته والشهامة العربية كما ريناها ، وكما قرأنا عنها عند فرسان العرب وحواتمهم.. فإني سأدخر الحديث عن فرحي بالفوز بأول وسام يقدمه اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين، وبوشاح "سفير بلاد المليون شاعر" الذي حصلت عليه، وبعبق الضيافة والاحتفاء الذي كنت موضعا له في أعرق بيوت الشناقطة وكلها عراقة وأصالة... سأدخر الحديث للكتابة بأنماط أخرى عن هذا الحدث.
أما اليوم فإني سأتحدث في عجالة عن لقائي بالرئيس محمد ولد عبد العزيز، لقد اكتشفت فيه إنسانا عظيما حقا، فهو، فضلا عن مشاغله الوطنية والقومية والإقليمية، متابع جيد للساحة الثقافة، ومتابع دقيق للساحة الافتراضية، وقد لمست فيه حكمة ووقار وانشغال عميق بوضع المواطنين وشؤونهم.
لقد تحدث إلي بأريحية يعربي ينضحُ حبورا وذكاء، وبكل تواضع القائد وحس الإنسان.. ولقد جعلني أعي جوانب من عظمة الرجل الموريتاني وقيمه وثقافته وسعة اطلاعه، ونيته الصادقة تجاه شعبه وأمته العربية.
ولقد كنت طيلة الحديث مع هذا الرئيس الداهية، أتذكر أني في عرين رجل لقب جده بأبي السباع لشجاعته، فلا غرو إن كان محمد ولد عبد العزيز جمع خصال الفارس العربي الذي لا يشق له غبارا شجاعة وحكمة وذكاء وأهلية فذة للقيادة.
فمليون شكر للزعيم العربي الكبير فارس شنقيط محمد ولد عبد العزيز، سدد الله خطاه، وبارك مسعاه.
شكرا جزيلا سيدي الرئيس.. واعذرني فما أزال أبحث عن التحية التي تليق بالفرسان. ما أزال أبحث عن وصف يليق بالشجعان.. فأنت تستحق أن يكتب عنك بلغة مغموسة بالصهيل أيها الفارسُ الشجاع والرئيس الإنسان.
ولن أنسى الدروس التي تعلمتها في حضرتك ولعل أهمها بالنسبة لي كمواطن خليجي عربي انك مع عاصفة الحزم والإجماع العربي وأنك تشيد بالفعل لا بالقول بالدور الكبير الذي تقوم به دول الخليج العربي وفِي مقدمتهم المملكة العربية السعودية 

صحيفة البلاد البحرينية