مِن أَجْلِ حِمَايَةٍ جِنَائِيَّةٍ لِلْعَلَمِ الوَطَنِي..
عِنْدِي أنه من الضروري - ونحن متجهون لتعديل العَلٓمِ الوطني - أن يترافق ذلك مع وضع ترتيبات قانونية تتكفل بحماية العَلٓمِ جنائيا، من الإهانة والعبث، تقديرا لمكانة هذا الرمز، وردما لهوة تشريعية قائمة حتى الآن في منظومتنا القانونية، وتأسيا بما عليه العمل في دول العالم..
لم يزل العَلَمُ الوطني مكشوف الظهر والوجه من أي حماية جنائية، باستثناء الترتيب الحمائي الخاص الوارد في قانون العدالة العسكرية، وهو وَقْفٌ على العسكرين: "يعاقب من ستة أشهر إلى خمسة أعوام كل عسكري يرتكب جريمة إهانة العلم أو الجيش، وإذا كان من أصحاب الرتب يجرد منها" (المادة ١٨من القانون رقم ١٦٥/٦٢ بتاريخ ١٩ يوليو ١٩٦٢ المتعلق بتنظيم العدالة العسكرية)..
فلا توجد حتى الآن ترتيبات جنائية عامة مشابهة تحمي العَلٓمَ الوطني بتجريم ومعاقبة إهانته، ومن نتائج ذلك أن ذهبت الأفعال التي أمتدت إليه بالإساءة والإهانة - في مناسبات عديدة - هَدْرًا..
ومما وقع من ذلك: رفعُ عَلَم دولة أجنبية اعتزازا به بدله، ورفع أعلام تنظيمات إرهابية، وإنزال العَلَم الوطني دون صفة ودوسه بالأقدام وتمزيقه كما وقع مرة في جامعة نواكشوط، وإهماله وتركه عرضة لعوامل التعرية المختلفة حتى يتمزق وتتغير معالمه بفعل ذلك، كما يقع أحيانا على مباني رسمية في الداخل والخارج، أو على مباني خصوصية كالمدارس مثلا، ووصفه تنقيصا بأنه مجرد "شَرْوِيطَ"..
إن هذه الأفعال التي وقعت على العَلَم الوطني في الماضي - وذهبت هَدْرًا بفعل غياب الحماية الجنائية له، حيثُ لم تتأت متابعة ومعاقبة فاعليها عنها تحديدا - تُظْهِرُ مدى الحاجة إلى تدارك هذا الفراغ القانوني بوضع ترتيبات جنائية تجرم وتعاقب هذه الأفعال، وما في حكمها بعقوبات رادعة حماية للرمز الوطني الأول..
من المناسب إقرار مبدأ حماية العَلَم الوطني جنائيا بنص الدستور، عند تعديل المادة ٨ التي تحدد العَلَم، بإضافة فقرة تنص على ما يلي: "يعاقب القانون كل مساس أو اعتداء أو إهانة ضد العَلَم الوطني مهما كانت دوافعها وأسبابها"، وبعد إقرار التعديلات الدستورية المقترحة يصدر قانون جنائي خاص على وجه الاستعجال بالترتيبات الجنائية المنصبة على حماية العَلَم الوطني تطبيقا للمبدأ الدستوري..
من الأفعال التي يتعين أن يشملها التجريم والعقاب حماية للعَلَم:
- رفع أعلام مخالفة لشكله الدستوري المحدد، على أنها عَلَمٌ وطني
- رفع أعلام دول أجنبية على وجه الإعتزاز بها، خارج الحالات المقررة قانونا
- رفع أعلام لتنظيمات مسلحة، أو مصنفة كتنظيمات إرهابية
- تمزيق العَلَم الوطني، أو تدنيسه
- رفع عَلَم أجنبي فوق العلم الوطني
- إنزال العَلَم أو تنكيسه دون صفة، وخارج الحالات المقررة
- تعمد عدم الوقوف للعَلَم تحية له عند رفعه
- إهمال صيانة العَلَم، ورفعه ممزقا، أو باهت الألوان
- إهانة العَلَم بكل فعل أو قول أو كتابة أو رسم من شأنها أن تؤدي ذلك..
بمثل هذا القانون - إذا صدر - تعتنق بلادنا مَذْهَبَ الحماية الجنائية للعَلَم، وهو مذهب متبوع من دول كثيرة حول العالم، ومن هذه الدول مثالا، لا حصرا: المغرب، الجزائر، تونس، مصر، سلطنة عُمان، فرنسا..
- في المغرب يعاقب الفصل (المادة) ٢٦٧/ ١ من مجموعة القانون الجنائي المغربي كل من أهان العَلَم المغربي أو رموز المملكة بإحدى الوسائل المنصوص عليها في الفصل ٢٦٣ (الأقوال، الإشارات، الكتابة، الرسوم) أو أية وسائل أخرى بعقوبة حبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، مع غرامة عشرة آلاف إلى مائة ألف درهم، وترتفع العقوبة إلى مدة من سنة إلى خمس سنوات إذا كانت الإهانة خلال اجتماع أو تجمع، مع عقوبات تبعية أخرى، ويعاقب القانون الجنائي المغربي أيضا التحريض على إهانة العَلَم والإشادة بذلك بعقوبة الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة مع غرامة مالية (الفصل ٢٦٧/٢)، كما يجرم ويعاقب استعمال العَلَم في علامات تجارية (الفصل ٢٦٧/٣)..
- في الجزائر تعاقب المادة ١٦٠ مكررة من قانون العقوبات الجزائري بعقوبة الحبس من سنة إلى عشر سنوات، وغرامة من ألف إلى عشرة آلاف دينار كل من يقوم بتمزيق أو تشويه أو تدنيس العَلَم الوطني..
- في تونس تعاقب المادة (الفصل): ١٢٩ من المجلة الجزائية (قانون العقوبات) بعقوبة الحبس مدة عام كل من ينتهك علانية بالقول أو الكتابة أو الإشارة أو بغير ذلك من الطرق العَلَم التونسي أو علما أجنبيا..
- في مصر تعاقب المادة ١١ من القانون رقم ٤١ لسنة ٢٠١٤ المتعلق باحترام العَلَم والنشيد والسلام الوطني، إهانة العلم الوطني بإحدى عقوبتين: الحبس مدة لا تتجاوز سنة، أو غرامة مالية بقيمة ثلاثين ألف جنيه..
- في سلطنة عُمان يصنف قانون الجزاء العُماني جريمة إهانة العَلَم ضمن الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي، ويعاقبها(المادة ١٣٨) بعقوبة من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات مع غرامة من عشرين إلى خمس مائة ريال عماني، وتشمل الإهانة إنزال العَلَم أو إتلافه، وأي عمل آخر يعبر عن الكراهية أو الإزدراء..
- في فرنسا كان قانون العقوبات (المادة ٤٣٣ - ٥ - ١) يعاقب المساس بالعَلَم الوطني خلال التظاهرات العامة بتوقيع غرامة ٧٥٠٠ يورو، وإذا كان المساس خلال اجتماعات تكون العقوبة الحبس ستة أشهر مع الغرامة المذكورة، وفي سنة ٢٠١٠، تم التوسع في نطاق تجريم المساس بالعَلَم، وذلك بموجب المرسوم رقم ٨٣٥/٠١٠ بتاريخ ٢١ يوليو ٢٠١٠ ليشمل المساس بالعَلَم في مكان عمومي أو مفتوح للجمهور، أو في مكان خاص وتم بثها، وعاقب ذلك بغارامة مالية من الدرجة الخامسة..
تحياتي للعَلَم الموريتاني..
بقلم القاضي أحمد عبد الله المصطفى