في إصلاح كلمة الإصلاح...
أطلت علينا كلمة الإصلاح "والتنمية" في حلقتين متتاليتين خصصتهما للدفاع المستميت عن علم ونشيد الجمهورية الأولى. وهو حق مشروع لكل مواطن موريتاني كفلت له ديمقراطيتنا حرية التعبير، ومكنته من الإدلاء برأيه حول القضايا الوطنية دون أن يتعرض لما يسيئه في نفسه أو ماله. لكن "كلمة الإصلاح والتنمية" التزمت ما لا يلزم من تصوير قضية العلم والنشيد على أنها متعلقة بالشريعة والعقيدة، فحشرت من آي الذكر الحكيم ما تيسر، ممارسة التضمين على منهج غير منهج علماء السنة الذين يكتفون بالتفسير غالبا، ولا يلجئون إلى التأويل إلا بضوابط تجيز إخراج اللفظ عن معناه الأول المتداول إلى معنى ثان يحتمله في تجوز العرب... أما التضمين فقد أجمعوا على إنكاره لأنه مطية الباطنية إلى اتباع ما تشابه من القرآن؛ فزعموا، مثلا، أن المراد من قوله تعالى "إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة"، تحريض المسلمين على قتل أم المؤمنين رضي الله عنها، إلى غير ذلك من المنكرات التي يجدها الباحث في مؤلفات الباطنية...
تتحدث "كلمة الإصلاح والتنمية"، بعد غيابها الخريفي عن "جثة الدستور" موضحة موضع اهتمامها منها"...والذي يهمني جدا من مواد الدستور هما مادتان تتعلقان في نظري بحياة هذا الشعب كل الشعب فهما جامعتان بين عقيدة كل فرد من أفراده عندما ينبهه الله في أي ساعة من ليل أو نهار ويفكر في مصيره المحتوم. وهما: النشيد والعلم الوطنيين..." لفائدة القراء ننبه إلى أنه ليس في الدستور، الحي، ولا في جثته، "مادتان تتعلقان بالنشيد والعلم الوطني..."، وإنما هي مادة واحدة، المادة الثامنة، يقول نصها.." الرمز الوطني هو علم أخضر يحمل رسم هلال ونجم ذهبيين. يحدد القانون ختم الدولة والنشيد الوطني." وبذلك يتضح أن "كلمة الإصلاح والتنمية" لا تعرف الكثير عن الدستور، قبل وفاته، ولم تعن بتشريح جثته...
تنتقل "كلمة الإصلاح والتنمية" سريعا من جثة الدستور إلى مجال العقيدة، وهو تجوز لم تسبق إليه، زاعمة أن "المادتين" "... جامعتان بين عقيدة كل فرد من أفراده... " من الغرابة صدور مثل هذا القول من موحد؛ فالعقيدة لا تتعلق بالرموز إلا عند الوثنيين الذين يتخذون من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله!!!
تفصل "كلمة الإصلاح والتنمية" عقيدتها في ثلاثة رموز يتكون منها العلم.."... ومن المعلوم أن اللون الأخضر هو الذي أختاره الله أن يكون لباسا لأهل الجنة... ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أن {إن} أرواح الشهداء قبل البعث يجعلهم {يجعلها} الله في حواصل طيور خضر..."
كان صلى الله عليه وسلم يتلو هذه الآيات التي نزلت عليه، وكانت له رايات سود، وألوية بيض، فتأمل... الركن الثاني من أركان عقيدة "كلمة الإصلاح والتنمية" هو "النجم" "...فقد أقسم الله به في عدة مواقع..."، ويكتمل التثليث بالهلال.." فإن الله أسنـد إليه جميع الأشياء المتـعلقة بالأحكام الشرعية فجعل حسابها بالأشهر القمرية ..." لعل من الطرافة تبرير اتخاذ الهلال والنجم شعارا، أن الله جعل الأهلة مواقيت للناس، وأقسم بالنجم! والأولى بالمسلم صحيح العقيدة عدم اتخاذهما شعارا لسابق عبادة الوثنيين للكواكب؛ فقد كان قوم إبراهيم يعبدونها، وكان بعض العرب في جاهليتهم يعبدونها...فالأولى عدم اتخاذ الهلال والنجمة شعارا لما في ذلك من تعظيم لهما... ولم يتخذ أحد من السلف الصالح ذاك الثالوث شعارا.."فما كفى أولنا***أليس يكفي الآخرا"! وإني لأعجب من هذا الاحتفاء باللون الأخضر.. فأين كنتم حين داس صهيوني ماسوني على علم أخضر برجليه؟ لقد كنتم خلفه تصفقون، وتهللون، وتكبرون تكبيرا ما أريد به وجه الله..أم كان بكم عمى ألوان ساعة الفتنة... زد على ذلك أن رئيس الإصلاح والتنمية، وصاحب كلمتها حقا وصف العلم، رمز العقيدة، بأنه "شرويطة" وفي ذلك ما فيه من الازدراء برمز العقيدة. وسكتت كلمة الإصلاح والتنمية عن الحق كما سكتت من قبل حين أنكر الشنقيطي الحدود...
تشطح "كلمة الإصلاح والتنمية" في تضمينها آي القرآن معاني بعيدة لا أصل للتجوز إليها، فتجعل اللون الأخضر والنجمة والهلال رموزا "للمقدسات الإسلامية لأن الله يقول "ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب." فمتى كان اللون الأخضر، والنجم والهلال من شعائر الله؟ سبحانك... ثم تستخدم "كلمة الإصلاح والتنمية" المقارنة للدلالة على أن اللون الأخضر والنجمة والهلال من شعائر الله.."فهذه المعاني جعلها الله في هذه الرموز كما جعلها في الحجر الأسود..." "كن للإله ناصرا***وأنكر المناكرا"، وهذا أشدها... فالحجر الأسود من شعائر الله قطعا، أما علم وهران فقد جاء به ولد أحمد مسكه بزيد رحمه الله، في رواية...
تنتقل كلمة الإصلاح والتنمية إلى النشيد الوطني لتؤصله في الصراع المذهبي بصفته إحياء للإسلام القرآني الذي انقلب عليه المتصوفة.."... أما كلمات النـشـيـد فمن المعلوم أنها كلمات صادرة من المتتبع للسنة في أيام البدعة حيث قام في التاريخ الإسلامي بعـد القرون الفضلى رجال بانقلاب مستـكمل الأركان على الإسلام القرآني والسني وكثروا في موريتانيا بعـد إكمال تبليغ الرسول صلى الله عليه وسلم للدين... ، ولكن بالرغم من ذلك كله فقد حرك الشيطان جنوده وأمرهم بأن يأمروا رجالا من المسلمين بلبس الزي الإسلامي ظاهرا وأعطاهم اسما لفظه هو (الصوفية) وأجلب عليهم بخليه ورجله وشاركهم في الأموال والأولاد ووعدهم وأمرهم بالجلوس المتمكن فوق الطريق المستـقيم الذي أشار إليه القرآن في قوله تعالى {وأن هذا صراطي مستـقيما فاتبعوه ولا تـتـبعوا السبل فـتـفرق بكم عن سبـيـله}.
ولكن بعد الجلوس على الطريق المستـقيم فتح لهم طرقا كثيرة أخرى جانبية وخلق لها طقوسا تشبه الطريق المستـقيم ففيها صلاة وصوم وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأذكار في الصباح والمساء الخ وطبعا هذه الأذكار والطقوس ليست الأذكار التي علمها الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته لتـتعـبد بها المولى عز وجل عندما أمره هو بأن يـسبح له بها بالعشي والإبكار.
وهذه الأذكار الجديدة المختلف تاريخ وجودها في العالم الإسلامي بعد النبي صلى الله عليه وسلم والتي لها اتحاديات لإعطاء الطرق للسير عليها أحدثت في الدين أشياء لا يمكن تـقصيها في هذا المقال..." بخ! بخ! يعرّف الموريتانيون أنفسهم دينيا بأنهم على عقيدة الأشعري، ويتعبدون على مذهب الإمام مالك، ويسلكون طريق الجنيد البغدادي مؤسس "التصوف السني"، وهو، في صريح قول "كلمة الإصلاح والتنمية" من الذين أمرهم الشيطان وجنوده "... بلبس الزي الإسلامي ظاهرا وأعطاهم اسما لفظه هو (الصوفية) وأجلب عليهم بخليه ورجله وشاركهم في الأموال والأولاد ووعدهم..." ذاك هو اعتقاد "كلمة الإصلاح والتنمية" في مشايخ التصوف الذين يعدهم جل الموريتانيين أولياء صالحين يهدون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر!!!
إن أمر كلمات النشيد "الوطني" لعجيب! نقل أحد الباحثين الكبار ممن يشهد لهم بالموضوعية، ودقة التحري، رواية مفادها أن النص كتب أصلا ضمن السجال بين القادرية التي ينتمي لها الشيخ سيديا باب رحمه الله، والتيجانية التي دخلت المنطقة حديثا، فهب بعض أحفاد الشيخ لتفنيد الرواية والتدليل على تعظيم الشيخ للتيجانية ورموزها... أما "كلمة الإصلاح والتنمية" فتجعل القطعة حربا على "بدعة التصوف عموما"، بما فيه القادرية التي كان والد الشيخ، رحم الله الجميع، أحد أبرز أقطابها... ولم نسمع إنكارا على "كلمة الإصلاح والتنمية"، التي تصف المتصوفة بالانقلابيين "على الإسلام القرآني والسني"، ممن شنعوا على من أورد رواية!!!
تحذر "كلمة الإصلاح والتنمية من "...انتحال أي كلمات تمجد رجال المقاومة أيام دخول الاستعمار فستكون قاصمة الظهر للوحدة الوطنية فمن أمر بترديد تلك الفكرة فسيقول له بعضنا أنها {إنها} لا تعـنيه فلا مكان للحماسة عنده في ترديدها." الإنصاف من شيم الفضلاء... لقد فرضتم علمكم ونشيدكم على الموريتانيين أكثر من خمسين سنة، دون أن تسألوهم عن رأيهم فيهما، وترفضون أن يستشاروا اليوم في تعديلهما! سيقول لكم الوطنيون الموريتانيون، في الاستفتاء بإذن الله، علمكم لا يمثلنا، ونشيدكم لا يطربنا، وتقطيعكم الإداري ظلم أغلبنا... لكن المجال مفتوح أمامكم لتقنعوا الموريتانيين برموزكم المقدسة، عندها سيحترم الوطنيون الموريتانيون إرادة الشعب التي ينبغي عليكم احترامها إن قررت إغناء العلم وتغيير النشيد، ليصبح نشيدا وطنيا حقا...
تستعيد المقالة الثانية لكلمة الإصلاح والتنمية، أغلب ما ورد في المقالة الأولى وتربي عليه بالتطير من اللون الأحمر، وتستبق نتائج الاستفتاء..." والذي يدعو للعجب أن المقـتـرح الذي سمعنا أن المحاورين طرحوه لإضافته للعلم هو خطان باللون الأحمر أحدهما أعلاه والآخر في الأسفـل، ومن هنا يقول الشعب الموريتاني لصاحب هذا الاختيار (مانّ فَّالـك)..." بل العجب ممن يستشهد بالآي والحديث ثم يعتمد التطير حجة! ولم ينسب القرآن التطير إلا لأهل الشرك؛ الأعراف 131، النمل 47، يس 18... والنهي عن التطير متواتر في الحديث. لكن التعصب للرأي يلجئ المجادل لما يكون حجة عليه. فقد كانت للصحابي الجليل أبي دجانة رضي الله عنه عصابة حمراء ربطها على رأسه يوم أحد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ السيف بحقه، وهو يرتجز...
أنا الذي عاهدني خليلي *** ونحن بالسفح لدى النخيلي
أن لا أقيم الدهر في الكبولي *** أضرب بسيف الله والرسول
فهذا الرجز الذي يثير الحماسة هو ما يصبوا إليه الوطنيون الموريتانيون لأنه يناسب مقام الإنشاد الحماسي الذي وضعت الأناشيد الوطنية له. أما الوعظ والإرشاد فله مقام آخر.
أضف إلى ذلك رواية أبي نعيم" ... في المعرفة وابن أبي عاصم والطبراني عن كُرْزِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ عَقَدَ رَايَةَ بَنِي سُلَيْمٍ حَمْرَاءَ."، إسناده ضعيف.
والعجب، كل العجب ممن يتطير من اللون الأحمر، وهو يحرض على إراقة الدماء في ربيع عاصف أحرق الأخضر والأصفر، وسالت فيه الدماء أنهارا في اعتصام النهروان، ورفعتم فيه أعلام الإفرنجة، ولم تتطيروا بألوانها الحمراء!
أما السخرية بدم الشهداء ووصفه بالنجاسة فهو مخالف لما عليه إجماع الأمة. ففي صحيح البخاري.." ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمى، اللون لون دم والريح ريح مسك". وقد أمر صلى الله عليه وسلم بدفن شهداء أحد حيث قتلوا، في ثيابهم، مضرجين في دمائهم الطاهرة، بلا كفن، ولا غسل، ولا صلاة عليهم... سيجعل الوطنيون الموريتانيون تلكم السخرية دبر آذانهم، مؤجلين الجواب عليها ليوم الاستفتاء... ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود...
إسحاق الكنتي