"الإخفاق القاتل"
الحقيقة أن شعبنا ذا وعي سياسي كبير، لكنه ابتلي بنخبة سياسية "لا نمطية"، في كل الاتجاهات وجميع الخنادق ـ ولا أحاشي من الأقوام من أحد ـ أينما يممت وجهك، عن اليمين وعن اليسار، لفحك فشلها الذريع وإخفاقها المُريع.
نخبة سياسية لا تقيم وزنا للتاريخ، حتى ولو قارب شفا الحاضر، فساقها ذلك إلى الكبو في تمييز صريحها من هجينها، وتفريق أصيلها عن دخيلها، فتخصصت في صناعة قادة وهميين يُنحَتون من جدار الماضي الملوث، على جناح اللحظة، دون حساب لدفاتر الأيام، وأصفار مسيرة الحياة، وتختلط أوراق لاعبيها بسرعة تبُزُّ من عنده علم من الكتاب، وتحير سائر جلساء سليمان عليه السلام، فيؤم الآلاف من لم يجلب أذانه المبحوح مصليا منهم، ويقوم في الحشر خطيبا تتنازعه هيبة مشهد درج على التوجس منه، وأشباح ماض بائس تلاحقه حقبه الموسومة على لوح الزمن ولوحة الزمان، أو يزاحمهم بالمناكب على صدارة أفرجوا له فيها فرجة الزعيم المبجل والقائد المظفر، وهو من توهم ذات يوم أنه غل داعيهم ومزق ناديهم، وسير ما تخيلها مواكب جنائز مشاريعهم السياسية، قبل أن يُحمل اليوم وزمرة من قرنائه، على أكتافهم المرهقة بثقل أوزارهم ومصائبهم، حمل الفاتحين، ويرفع رفع الميامين، لأن إكراهات اللحظة المصطنعة، وفشل النخبة في الحفاظ على سلامة الطريق، جعلت من كل صاحب حظ في الصولجان مما قل منه أو كثر ـ ولو زالت شوكته ودالت دولته، دون يسجل له تاريخه سوى عثرات وزلات ـ قمينا بالريادة، وجديرا بالقيادة.. فأي منطق أبتر هذا، وأي سلوك أعوج، ذلك الذي يمنح قيادة قوم لمن لا يقيم لهم وزنا، ولم يرقب فيهم قبل اليوم إلا ولا ذمة...
إنها خطيئة تبييض التاريخ، ومصيبة التنكر للحقيقة، وانقلاب على الفطرة السليمة، يمارسها الجميع بلا استثناء، فتسْلُك نخبتنا السياسية في سلاسل الإحباط، وتصليها لظى الإخفاق، وواهم من ظن أنه بالغ بنهج كهذا شسع نعل المراد، أو كعب الغاية، إنما هي مضيعة للحظة وضياع للجهد، وسوق للقافلة نحو المجهول، ولن ينال من المبتغى إلا بعضا مما نال الذئب من صيده (الصورة).. فهل من مدكر؟.