فلنسمه : المرابطون
لقد سال حبر غزير حول مقترح تعديل أو تغيير النشيد والعلم الوطنيين، ولاستغرابي شخصيا كغيري من وقوف بعض الذين كانوا ينادون بالأمس القريب بتعديل النشيد الوطني أو تغييره في وجهه الآن، لمجرد أنه مقترح مقدم من طرف حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، ومُزكى من طرف رئيس الجمهورية، ولوصول بعض الرافضين للتعديل أو التغيير إلى حد تخوين وتجريم الموافقين عليه، ارتأيت أن أتقدم بهذه المساهمة التوضيحية، التي أعرض من خلالها نماذج لدول من مختلف قارات العالم قررت أن تعدِّل أو تُغير أناشيدها الوطنية لأسباب مختلفة.
ففي جمهورية مصر العربية مثلا، وبعد السلام الملكي الأول الذي بدأ عزفه سنة 1869م في عهد الخديوي إسماعيل، حيث وضعه المؤلف الموسيقي الإيطالي جوزيبي فيردي، أصبح نشيد "اسلمي" لمؤلفه مصطفى صادق الرافعي ومُلحنه صفر عبد الرحمن عبده علي نشيدا وطنيا لمصر من سنة1923 إلى1936 .
ومع إنهاء المَلكية سنة 1952 وقيام ثورة الضباط الأحرار ألغي العمل بذلك النشيد، ليتم تبنى نشيد آخر بعنوان "الحرية"، وكان من ألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب وكلمات الشاعر كامل الشناوي.
وفي سنة 1960 صدر قرار جمهوري باتخاذ سلام وطني آخر مؤسس على لحن كمال الطويل لنشيد "والله زمان يا سلاحي"، وهو من كلمات الشاعر صلاح جاهين، ولم تكن الكلمات مصاحبة للحن، لذا كان يطلق عليه اسم "السلام الجمهوري" وليس النشيد الجمهوري، وخلال الفترة التي استخدم فيها هذا السلام الوطني لمصر أجري عليه تعديلان بقرارين جمهوريين، حيث كان الأول سنة 1974 بالاكتفاء بعزف الجزء الأول منه فقط، أما الثاني فكان سنة 1975 بالعودة إلى عزف السلام الجمهوري بالكامل كما كان منذ سنة 1960.
وظل لحن "والله زمان يا سلاحي" سلاما جمهوريا لمصر حتى سنة 1979، وقد استعملته دولة العراق أيضا كنشيد وطني في الفترة من 1965 حتى 1981، حيث كانت تطمح إلى تكوين دولة عربية موحدة من مصر والعراق.
وفي سنة 1979 صدر قرار جمهوري بتغيير ذلك السلام أيضا إلى النشيد الوطني المصري الحالي "بلادي بلادي"، والذي كتبه محمد يونس القاضي متأثراً بكلمات لمصطفى كامل، ولحنه سيد درويش وأعاد توزيعه محمد عبد الوهاب.
وفي المملكة العربية السعودية ظهر السلام الملكي الأول إبان حكم الملك عبد العزيز بن عبد الله آل سعود، وذلك بعد زيارته لمصر سنة 1945م، حيث ألّف موسيقاه الملحن المصري عبد الرحمن الخطيب، وساهم في تطويره وتوزيعه الموسيقار السعودي طارق عبد الحكيم، وكتب كلماته الشاعر السعودي أيضا محمد طلعت.
أما النشيد الوطني السعودي الحالي فقد تم اعتماده سنة 1984م، وقد كتبه الشاعر السعودي إبراهيم خفاجي، وجاء موافقا لموسيقى السلام الملكي السابق، حيث قام الموسيقار السعودي سراج عمر بتوزيعه من جديد من أجل مطابقة الكلمات مع اللحن.
وفي تونس، كان أول نشيد وطني هو "سلام الباي" المستخدم في العهد الملكي التونسي، ما بين سنة 1846 و1957، والذي تنسب بعض المصادر لحنه للإيطالي جوزيبي فيردي، فيما يُجهل كاتب كلماته.
وبعد الإطاحة بالملكية التونسية تم اعتماد نشيد "ألا خلّدي" سنة 1958م ليصبح النشيد الوطني الرسمي للجمهورية التونسية حتى سنة 1987، وقد كتب كلماته الشاعر جلال الدين النقاش ولحنه صالح المهدي.
وفي سنة 1987 تم تغيير النشيد الوطني التونسي أيضا ليصبح "حماة الحمى"، وهو النشيد التونسي الرسمي الحالي، وكان الوطنيون التونسيون يرددونه خلال مرحلة النضال الوطني، وقد كتب أغلب كلماته الأديب المصري مصطفى صادق الرافعي، وتمت إضافة بيتين للشاعر التونسي أبو القاسم الشابي، فيما لحنه الأديب والملحن التونسي أحمد خير الدين.
كما كان النشيد الرسمي لجنوب إفريقيا منذ سنة 1928 بعنوان "نداء جنوب إفريقيا"، وقد كتبه كورني جاكوبوس لانغنهوفن سنة 1918، ولحنه مارتينيوز لورانس دَفيير سنة 1921، في الوقت الذي كان السود يجدون أنفسهم في نشيد التحرير "ليرحم الله إفريقيا" الذي وضعه المدرِّس الموسيقي إِنوتش سونتونغا سنة 1897، ليصبح النشيد الحالي لجنوب إفريقيا مزيجا من هذين النشيدين سنة 1997م، ولينفرد بكونه النشيد الوطني الوحيد في العالم الّذي يجمع 5 لغات من أصل إحدى عشرة لغة وطنية.
وفي فرنسا، اعتُمد النشيد المعروف بـ"لامارسييز" كنشيد وطني سنة 1830 في عهد الجمهورية الفرنسية الثالثة، وكان قد كُتب من طرف جوزيف روجيه دي ليزل، ولكن في أثناء قيام الحرب العالمية الثانية أجريت عليه بعض التعديلات الطفيفة على يد هكتور برليوز، ليعتمد نشيدا وطنيا في شكله الحالي في سبعينيات القرن العشرين، حيث أمر الرئيس الفرنسي ما بين 1974 و 1981 فاليري جيسكار ديستان بتخفيض إيقاع هذا النشيد الوطني، لأن النسخة الأصلية كانت قوية في الكلام والتلحين.
وغير بعيد من تاريخنا الآن، وفي كندا، وافق مجلس العموم الكندي في 16 يونيو من سنة 2016م الجارية، على مشروع قانون لتعديل فقرة في النشيد الوطني للبلاد، في إطار تحقيق المساواة بين المرأة والرجل، بعد أن تقدم نائب عن الحزب "الليبرالي" الحاكم، بمطلب لتغيير جملة: "الوطنية الحقيقية في قلوب جميع الأولاد"، لتصبح: "الوطنية الحقيقية في قلوبنا جميعا"، وعقب عملية التصويت قرأ النواب النشيد الوطني الكندي بصيغته الجديدة في البرلمان،
رغم أن هذا التغيير لاقى معارضةً من قبل المحافظين، الذين أكدوا أنه غير ضروري، وانتقدوا إجراء تغيير في النشيد الوطني دون الرجوع إلى الشعب.
تلكم مجرد نماذج من دول قررت أن تعدل أو تغير أناشيدها الوطنية، كما أن هنالك دولا أيضا أجرت تغييرات في أعلامها، مما يؤكد أحقية المطالبين بتقديم هذه المقترحات إلى الاستفتاء بطرحها، وخاصة حين بيَّنوا أن هدفهم هو أن "يتضمن النشيد الجديد شحنة من الوطنية وتثمين رموز الدولة"، وما دمنا في دولة ديمقراطية علينا إذا أن نحتكم للاستفتاء وننتظر نتائجه.
وكمقترح، أرى أن يسمّى نشيدنا الوطني الجديد "المرابطون"، إذا ما تم اعتماده، وهي التسمية التي ستجد صداها لدى كل أجيال الحاضر، لعمقها الحضاري، ولتعلقنا بالمنتخب الوطني الذي يجمع كل أطياف مجتمعنا على تسميته "المرابطون"، ما سيزيد من وهجه وألفته بدون شك.