أسدل الستار على آخر فصول مسرحية الحوار الوطني "الشامل" في موريتانيا، والذي غاب عن شموليته أغلب الطيف السياسي المعارض في البلد، وقاطع اختتامه أبرز حزب معارض شارك في افتتاحه.
وبالنظر إلى مخرجات الحوار الأحادي، والتي فشلت في تسويق الغاية من عقده المتمثلة في إلغاء المادة الدستورية التي تحصر عدد المأموريات الرئاسية في واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة، يظهر جليا عمق التأثير الذي أحدثته مقاطعة المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة وحزب تكتل القوى الديمقراطية، وكذا الانسحاب البطولي لحزب التحالف الشعبي التقدمي من مسرحية الحوار في وقت حرج.
ولئن كان المنتدى والتكتل قد نالا شرف السبق في إفشال مخطط تشريع الدكتاتورية الذي لم تخف أطراف في الحزب المحكوم وفي الحكومة السعي إليه، من خلال المداخلات العلنية في لجان "الحوار" والتصريحات المتعمدة عبر شاشات الفضائيات، فقد كان لحزب التحالف الشعبي، والرئيس مسعود على وجه الخصوص، شرف اتخاذ الموقف الحاسم في الوقت المناسب.
إن الدليل الأكبر على تلقي ببغاوات السلطة الأوامر بإطلاق تلك المداخلات والتصريحات من أعلى المستويات، تمثل في استماتة الرئيس محمد ولد عبد العزيز في الدفاع عن طرحهم للمأمورية الثالثة خلال لقائه العاصف مع مسعود ولد بلخير، رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي، الذي كان في حالة تجميد للمشاركة في "الحوار" احتجاجا على سعي البعض لتغيير المواد المحصنة في الدستور، قبل أن يقرر مقاطعة الجلسة الختامية على وقع دفاع ولد عبد العزيز المستميت عن هذا الطرح الذي رأى فيه مسعود محاولة لاستخدام حزبه لتبرير الانقلاب على الدستور.
كان انسحاب حزب التحالف الشعبي التقدمي القشة التي قصمت ظهر بعير الطموح للبقاء الأبدي في السلطة، ووضعت الرئيس وببغاواته في وضع حرج وهم يستعدون لإسدال الستار على الفصل الأخير من مسرحية قصر المؤتمرات، الذي كاد أن يتحول إلى قصر للمؤامرات، لولا الضربة القاضية التي سددها مسعود ولد بلخير في مرمي الفريق الحكومي.
وحتى لا أغمط حق المتربع على كرسي الرئاسة في الإنصاف، أقول إنه أدار نهاية المعركة بحنكة كبيرة، قد يراها أنصاره سعيا لإخراج البلد من عنق زجاجة التجاذبات غير المأمونة، بينما أتصورها استراحة محارب يحتاج إلى خلوة تمكنه من عد المليارات التي اكتسبها من عرق الشعب المسكين من خلال إثقال كاهله بالضرائب وارتفاع الأسعار، فضلا عن تلك التي كدسها بالتآمر مع كبريات الشركات العالمية المتكالبة على الثروة القومية الموريتانية المتنوعة في البحار وتحت الثرى، في سباق مع الزمن قبل أن يستقبل القصر الرئاسي سيدا جديدا مشهرا صناديق الذخيرة أو متكئا على صناديق الاقتراع.
لا يمكن الجزم بطي صفحة طموح ولد عبد العزيز للبقاء في السلطة بمجرد الاستماع لخطاب تفرض ظرفيته العدول اللفظي عن ذلك الطموح، فهو مكره لا بطل فيما ذهب إليه من تطمينات بشأن عدم المس بمادة المأموريات المحصنة في الدستور، لكن بالمقابل على الطيف السياسي المعارض، الذي وقف بالمرصاد لتشريع الدكتاتورية، الاستعداد لإبطال مفعول الخطة البديلة، والتي ستعتمد المزيد من بث الفرقة بين جهات وأعراق وطبقات المجتمع، والتي تم التأسيس لها بالتزامن مع مسرحية الحوار من خلال الترخيص لأحزاب يصفها البعض بذات الخلفية العنصرية.
أقولها بكل صراحة، فالخطة البديلة عن تعديل عدد المأموريات الرئاسية تتضمن التحضير لفوضى مجتمعية قبل انتهاء المأمورية الرئاسية الحالية، بغرض تمكين السلطة الحاكمة من إعلان حالة الطوارئ وإلغاء الانتخابات الرئاسية، والبقاء في السلطة إلى أجل غير محدد.
إن الطيف المعارض، المعزز اليوم بمسعود ولد بلخير، الذي يعتبر شخصية سياسية من العيار الثقيل، مطالب بإحباط المحاولة الأخيرة لبقاء ولد عبد العزيز في السلطة، كما أحبط محاولة تشريع الدكتاتورية من خلال الحوار، وذلك بالسعي الدؤوب لتعزيز لحمة المجتمع وعزل الساعين إلى ضربها وتعرية مخططاتهم المدمرة لحاضر ومستقبل البلد.
سيدي محمد ولد يونس