في المنعطفات الحاسمة والمخيفة من حياة أية أمة يحيل الذعر جزءا من أبنائها إلى فجاج صحاري التيه المجدبة وارتعاد الفرائص وخط سير استسلام الخراف لسكين الجزار، بينما يحيل نبض المروءة والشرف والإحساس بكرامة الإنسان في التعامل مع المحن الإنسانية جزءا آخر من أبنائها إلى الاستبسال والموت وقوفا حتى انتزاع الأظافر وهي آخر أسلحة الدفاع عن الكرامة.
عبرت خريطة الضاد منعطف محنتها الوجودية المعاصرة منذ 11 سبتمبر 2001 إلى اليوم، واغتسلت من شرقها إلى غربها بشلالات الدم والمآسي والأحزان، التي استوطنت كل قطر منها، وقد علمت الأمة ـ سواد الأمة ـ من سَلَكَ من حكامها وتياراتها المركب الوَعْر ومن سلك منهم مركب الخزي والهون، ولا هون أشد وطئا وأسفل انحدارا من قبول حاكم بتسليم مواطن بلده لجهة خارجية لم تُثبت تهمتها له، ولم يعرف عنها إلا الغطرسة والإبادة وشهوة القتل والتعذيب والانتقام التي لخصتها مقولة ( من ليس معنا فهو ضدنا)
عاد ولد محمدو ولد صلاحي مساء اليوم إلى وطنه ودفئ عائلته، وقصم الصمود ظهر محن الوجود، وأضاء هذا الظَّفَرُ والقدوم فضاء واسعا من فضاءات الكرامة الإنسانية التي انطفأت قناديلها في سجون اغوانتانامو وأبي غريب المعتمة، ولعلعت معه شهب الأمل في وجدان كل صاحب قضية وطالب حق وكل مكافح لرفع ظلم أو ذائد عن كرامة، وفي المقابل تأكد لمن لاذوا بفلسفة الأمان مقابل الإهانة، بأن الإهانة لا تعطي مقابلها سوى الإهانة بلا قاع ولا حدود.
أما الدرس الوجودي والإنساني والنضالي من هذه المحنة الفردية التي رفع الله وله الحمد والشكر غمتها، فهي كما قال شاعر فلسطين:
لو يذكر الزيتون غارسه
لصار الزيت دمعا
يا حكمة الأجداد
لو من لحمنا نعطيك درعا
لكن سهل الريح، لا يعطي عبيد الريح زرعا.