سوسن دهنيم
ذهب لبلادٍ للمرة الأولى. ربما لم تعرف عنها الكثير. ربما لم تشاهد لها صوراً، تقصيراً منك أو من إعلامها. تشعر برهبةٍ أولى لجهلك بها وبتضاريسها وطقسها وعاداتها وقد نسيت أنها بلاد عربية أفريقية سيكون لها نفس الهم ونفس الطقس ونفس الكرم.
ما حدث معي في رحلتي للمشاركة في ملتقى الشعر العربي والأفريقي التي لم تنتهِ حتى كتابة هذا المقال جعلني أخجل. أخجل لشدة الحفاوة التي استُقْبِلنا بها نحن الضيوف من الدول العربية والأفريقية؛ إذ استقبلتنا المراسم الرئاسية منذ سلم الطائرة واحداً واحداً، وأُخذنا للقاعة الرئاسية في المطار لتنهي إجراءات السفر عنا بينما نحن ننتظر، برغم اختلاف مواعيد وصولنا لأرض السودان المضياف، لننتهي إلى غرفنا في الفندق ونحن نشعر بكرم الجهة المستضيفة، وهي مجلس الشباب العربي والأفريقي، واهتمام الدولة ابتداءً بالرئاسة التي وفّرت سياراتها الخاصة للوفود المشاركة طيلة أيام الملتقى، ورعت الملتقى بحضور نائب رئيس الجمهورية الذي أشاد بدور الشعر والشعراء في الحياة كلها، وليس انتهاءً بالرجل السوداني العادي، وتلك المرأة التي سقتنا الشاي المعد بكل حب في مقهى بدائي جداً على نهر النيل الأزرق. مروراً بمعتمد أم درمان السيد مجدي عبد العزيز الذي استقبلنا في منزله بحفاوة وكرم.
أن تسمع ببلادٍ ليس بالضرورة أن تعرف أو تتخيّل ما بها حقاً. إذ عرفتُ السودان من خلال روايات الطيب صالح، وأمير تاج السر، وأشعار الهادي آدم وبعض الأصدقاء السودانيين من الشعراء والإعلاميين، الذين التقيتهم في مهرجانات متفرقة في دول شتى. لكن ما رأيته في تلك البلاد كان كفيلاً أن يجعلني أقول: خمسة أيام غير كافية لزيارتها. لا لجمال التضاريس بها، ولا لخضرة أراضيها، أو جمال طقسها، ولكن لجمال قلوب أهلها البيضاء التي لم تستطع سمرة بشرتهم إخفاءها. السودان «الجنة التي يجري من تحتها الشعراء» كما قالت عنها الشاعرة الكويتية سعاد الصباح ولم تكن تبالغ أبداً؛ إذ بين كل شاعر وشاعر يولد شاعر. السودان التي ظلمها الإعلام كثيراً؛ فلا اهتم بحضاراتها التي تعرفنا إليها من خلال زيارتنا إلى المتحف القومي السوداني، ولا عكس ما بها من نوابغ في اللغة والأدب والغناء إلا قلة قليلة جداً.
هي البلاد التي تستقبلك بابتسامة لا تخشى بعدها غربتك. وتضحك أمامك كلما أخبرتها بنظرتك المغلوطة عنها قبل أن تزورها؛ إذ كانت صورتها لدي ليست أكثر من بلاد بدائية تعنى بالزراعة والرعي، بيوتها في الأغلب من طين، لكنني كنتُ أعرف تماماً كم تحتوي من ثروة بشرية في مجالات متعددة صادفت كثيراً منها، شعراء وأدباء وفنانين وإعلاميين وأكاديميين. لكن ما وجدته كان مختلفاً فيما يخص المعمار والتمدن، فقبلتُ بضحكتها وهي تسمع نظرتي المغلوطة التي لم أخفها عنها.
«حبابكم» -كلمة سودانية دارجة تستخدم للترحيب – لم تقال لنا، ولكننا رأيناها بكل ما تحمله من حميمية وكرم وطيب وبساطة وخلق… فيا أهل السودان: شكراً لكم.