الوطن / للتقارب الجغرافى بين مصر والسودان أثر كبير فى تعميق العلاقات، خاصة الأدبية والفنية، فمنذ الخمسينات ومصر حاضنة للفنانين والمثقفين السودانيين، ومنهم الفنان إبراهيم خان، الذى قدم أدواراً مهمة فى السينما المصرية مع سعاد حسنى، وعبدالحليم حافظ، فى المقابل شارك الفنانان محمود المليجى وسمية الألفى فى أفلام سودانية، وفى الجيل الجديد نجد المخرج سعيد حامد، الذى قدم عدداً من الأفلام الناجحة مع عدد من النجوم الكبار أبرزهم محمد هنيدى، وأحمد السقا.
«قاسم»: السينما المصرية احتضنت سودانيين منهم إبراهيم خان وسعيد حامد.. وتاريخ السينما السودانية لا يتعدى ثلاثة أفلام
وجاء التاريخ الأدبى حافلاً بإفراز عدد من الأدباء من بينهم الطيب صالح، ومحمد الفيتورى، وآخرهم الروائى الشاب حمور زيادة، وفى الوقت نفسه قضى عدد من الكتاب المصريين فترة فى السودان وكتبوا عنها منهم حافظ إبراهيم، وتفوقت العلاقة الأدبية على السينما نظراً لانسحاب السودان فى الفترة الأخيرة عن ممارسة الفنون بسبب التشدد الدينى.
أكد الناقد محمود قاسم أن السينما السودانية محدودة للغاية، لافتاً إلى أن الفنانين محمود المليجى وسمية الألفى شاركا فى أفلام سودانية، بالإضافة إلى المخرج سعيد حامد الذى يعد من أصول سودانية جاء لمصر ودرس فى معهد العالى للسينما واستقر وأخرج عدداً من الأفلام المصرية الناجحة ومنها أفلام محمد هنيدى الأولى «همام فى أمستردام» و«صعيدى فى الجامعة الأمريكية».
وقال «قاسم» لـ«الوطن»: السينما المصرية كانت دائماً مدافعة عن السودان ونلاحظ ذلك فى فيلم «مصطفى كامل» حيث كان شقيقه بالعمل يردد دائماً أن السودان جزء من مصر والعكس، وركز الفيلم على الرابطة التاريخية بين الشعبين، لأنهم كانوا شعباً واحداً حتى عام 1953 قبل الانفصال الذى أعقب الثورة. وأضاف: جاء عدد من الممثلين السودانيين لمصر ومنهم الفنان إبراهيم خان، حيث قدم دور زوج سعاد حسنى فى فيلم «غروب وشروق»، كما عمل مع عبدالحليم حافظ فى فيلم «حكاية حب» ولم يشعر أحد أنه سودانى نظراً لتوحد اللهجة والملامح، وغيره. وتابع: حكاية مصر والسودان تمثلت فى إحدى الأغانى ومنها أغنية شادية «عاشت مصر والسودان» عام 53 عقب الانفصال، وكانت تغنى لوحدة النيل، بالإضافة إلى أغنية «المامبو السودانى» التى تم تقديمها عام 1958، وتعتبر من أشهر الأغانى الشعبية فى السودان وكانت تقدم ضمن فلكلور فى السينما المصرية.
«يوسف»: مصر بوابة الطيب صالح ومحمد الفيتورى.. وانقطع الخيط الثقافى نسبياً فى السبعينات بسبب السياسة التى أحياناً تفسد العلاقات الأدبية
وأوضح أن تاريخ السينما السودانية لا يتعدى الثلاثة أفلام ومنها فيلم «ياجوج» يحكى عن قصة حب شعبية سودانية بسيطة تدور أحداثها فى الريف، وتعتبر اللهجة السودانية صعبة علينا لأنها أقرب إلى النوبية.
فيما يشير الشاعر والناقد شعبان يوسف إلى أن الخمسينات شهدت توافد عدد كبير من الشعراء السودانيين إلى القاهرة وكان لهم حضور كبير وعلى رأسهم الشاعر محمد مفتاح الفيتورى، وأصدر أول ديوان له باسم «أغانى أفريقيا» عام 1955 وقدمه له أربعة من النقاد المصريين منهم محمود أمين العالم، ورجاء النقاش، وزكريا الحجاوى، بالإضافة إلى كتاباته فى المجلات المصرية.
وقال «يوسف» لـ«الوطن»: «كان هناك شاعر يدعى تاج الدين السر وقدمه محمود أمين العالم، بالإضافة إلى ذلك الشاعر زيد عبدالرحمن، فهو لم يكن أديباً عابراً وإنما كان صحفياً فى جريدة المساء، وكانت له علاقة قوية بالقضايا الثقافية المصرية، ويعتبر من الأعمدة الثقافية فى ذلك الوقت». وأضاف: برز عدد من الكتاب السودانيين أيضاً فى مصر ومنهم الطيب صالح الذى قدمه رجاء النقاش، وأصدر أول رواية له عام 1969 «موسم الهجرة إلى الشمال»، وبعد ذلك قدم مجموعة من الروايات، بالإضافة إلى أن الكتاب السودانيين كان لهم حضور قوى فى مصر، وكان هناك كاتب اسمه عباس علام عمل كتاب عام 1946 بعنوان «دماء فى السودان» عبارة عن رسائل ما بين محمد توفيق، أحد الجنود المصريين فى السودان فى تلك الفترة.
مخرجة سودانية: إقامة ليلة مصرية سينمائية فى السودان الشهر الجارى وهناك تقارب بين الشعبين.. والسينما فى الخرطوم توقفت لفترة طويلة
وتابع: «قضى الشاعر حافظ إبراهيم وقتاً كبيراً بالسودان، وعمل رواية باسم «ليالى الصيف» عن وجوده هناك، بجانب محمد نجيب، أول رئيس جمهورية مصرى، الذى عاش فترة طويلة فى السودان وعمل كتاب اسمه «رسائل من السودان» وصدر فى الأربعينات وصدرت طبعته الثانية فى 1953. وقال: «الصحافة الثقافية المصرية مليئة بالكتابات لسودانيين، ربما لم يصدر لهم كتب، وانقطع الخيط نسبياً فى السبعينات بسبب السياسة التى أحياناً تفسد العلاقات الأدبية وتسىء لها، فعندما كان «النميرى» رئيساً آنذاك كان على خلاف مع السلطة المصرية، وتأثرت العلاقة الأدبية، ومع ذلك كان هناك فرع لجامعة القاهرة فى الخرطوم وكان يعمل به كتاب مصريون ونقاد كبار أمثال محمد بدوى، ونصر حامد أبوزيد، وغيرهما». وأضاف: أعتقد أن هذا الخط من الثقافة عاد مرة أخرى من خلال الكاتب الشاب حمور زيادة، صاحب رواية «شوق الدرويش» التى خرجت من دار نشر مصرية وتناقشت فى مصر، وأيضاً الكاتبة السودانية بثينة خضر مكى نشر لها 5 أعمال روائية وقصصية فى مصر، وأعتقد أن الثقافة ما بين مصر والسودان ليست ماضياً فقط، ولا حاضر بل مستقبل.
من جانبها، ترى المخرجة السودانية رزان الخطيب، أن هناك قرباً شديداً بين الشعبين المصرى والسودانى، أكثر من باقى الدول العربية، ولاحظت ذلك خلال مشاركتها فى إحدى دورات مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية ومدى استعداد الجانب المصرى لتبنى أى مشاريع فنية على أرضه، لافتة إلى أنها قامت بتصوير فيلم بالأقصر باللغتين العربية والإنجليزية باسم «My choice»، وقالت «الخطيب» لـ«الوطن»: «هناك تقارب مجتمعى بين الشعبين سواء على مستوى الموضوعات أو الهموم والحالات الإنسانية، وهذا التقارب يعطى فرصة للتعاون فى مجال السينما، بجانب مشاركة عدد من السينمائيين السودانيين فى مهرجانات مصرية من بينها مهرجان القاهرة السينمائى الدولى والإسكندرية».
وأضافت: «توقفت السينما فى السودان لفترة طويلة، رغم أننا بدأنا فى وقت مبكر، وحاليا هناك مجموعة من الشباب يحاولوا إعادتها، لأننا نفتقد لسينمات للعرض ونعتمد فقط على صناعة السينما المستقلة، ونلجأ للمشاركة فى مهرجانات خارجية». وتابعت: «ليس لديها مهرجانات جماهيرية، فقط مهرجان وحيد للسينما المستقلة تقام دورته كل عام فى شهر يناير وهو حالياً فى عمره الرابع، وهناك اتفاقية تعاون تم إبرامها مع مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية بقيادة السيناريست سيد فؤاد لتبادل الأفلام والحضور كل عام، ومن المنتظر إقامة ليلة مصرية سينمائية فى السودان خلال الشهر الحالى».