بسم الله الرحمن الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلىّ العظيم، ولا عدوان إلا على الظالمين. والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
1ـ هذه القطعة تمثل منهج الشيخ سيديَ بابه القائمَ على اتباع الوحي: كتابا وسنة ثابتة، فى ضوء فهم أهل القرون الثلاثة المزكاة الذين هم السلف الصالح لأهل السنة والجماعة، رضي الله عنهم أجمعين.
2ـ ليس لهذه القطعة سبب خاص سوى أنها نصح للمسلمين عامة، ولأهل هذه البلاد خاصة، فهى كقوله: (آمن أخيّ واستقم/ ونهجَ أحمد التزِمْ)، وكقوله: (فاشدد يديك أيها المُحِقُّ/ على الذي سمعتَ، فهْو الحقُّ)...إلى آخر أراجيزه وقصائده ورسائله في النصح والإرشاد والإصلاح، والدعوة إلى الحق.
فما يشاع من أنه أنشأها نصحا لأخيه الشيخ سَيِّدى المختار، تحذيرا من الطريقة التيجانية لا أصل له. فالشيخ سَيِّدى المختار لما أراد فى شبابه أخذ الطريقة القادرية، والتصدرَ فيها، والانخراطَ فى سلك المتصوفة، على يد الشيخ أحمد ولد المختار ولد ازوين أحدِ أبرز تلامذة جده الشيخ سِيدِيَ الكبير نصحه أخوه الشيخ سِيدِيَ بابه بألا يفعل، فانتهى.
وكان ذلك حديثا خاصا بينهما، لا يحتاج إلى أن يخلَّد بالشعر. وهذا ما حدّث به الشيخُ سَيِّدِى المختار نفسُه ابنَ عمه العلامةَ الشيخَ عبدَ الله ابنَ داداه لما جاءه يطلب الورد، والطريقة، والتربية.
وكان الشيخ سَيِّدى المختارُ قد أخذ فى صغره كأخيه الشيخ سِيدِىَ بابه ورد جدهما الشيخ سيدى الكبير، الذى أخذه بدوره عن آل الشيخ سَيِّدى المختار الكُنتيّين الأفاضل فى أزواد.
فمجرد تفكيره فى طريقة صوفية أخرى ليست طريقةَ أبيه وجده وحضرته أمر مستحيل قطعا. ولا أَثارة عليه من علم، ولا روايةٍ صحيحة ولا سقيمة، وما سمعنا به فى آبائنا الأولين.
وجميع ما رُوى في هذا الباب هو ما أسلفناه عن ابن داداه، ولم يكن موضوعَ شعرٍ ولا نثر قط.
وأما أنه قالها نصحا لابنه محمد فأشد إيغالا في الكذب والاختلاق.
ثم إن هذه القطعة لا تخص طائفة معينة، أو طريقة صوفية بعينها، وإنما هي نصح بالحق، وتوجيه إلى السنة، وتحذير من البدع والضلالات.
فدعوى أنها استهداف للطريقة التيجانية بخصوصها كذب محض. وموقف الشيخ، وخصوصا في أواسط عمره وأواخره، من جميع الطرق والفرق واحد، لا يكاد يختلف.
3ـ لم يَصُغِ الشيخ هذه الأبيات لتكون نشيدا وطنيا، ولا فكّر فى ذلك أصلا. ولكن لتكون منهجَ حياة للمسلم في كل زمان ومكان، بما كانت نابعةً من التنزيل.
فمحاكمته على أساس أنها لا تصلح نشيدا وطنيا، بمعايير العَلمانية، غايةٌ فى الجهل والظلم والجوْر والرعونة.
ولكن أقول إنها تصلح شعارا لدولة مسلمة سُنية تعتز بالتوحيد الخالص، وتَدين به، وتعلن ولاءها الحقَّ لله عز وجل، وتعَظّم الوحي وتحكّمه، وتكْفُر بالطاغوت، وتنصر الرسول صلى الله عليه وسلم، وتعمل بسنته وتدعو إليها، وتقمع البدعة وتُذِلها.
فالأمة الموريتانية إذا أرادت أن تكون ناصرة لله، منكرة للمناكر، دائرة مع الحق الذي يرضاه الله عز وجل، معتصمة بالله، سالكة سبيل رسول الله، مستمسكة بها، عاضة عليها بالنواجذ، مكتفية في عقيدتها وعباداتها وسلوكها بما كان عليه أوّلها، متجنبة للبدع والمحدثات والضلالات، واحتناك العامة بالخرافات والسحر والشعوذة والطلاسم، والقبورية، فهذه القطعة تصلح أن تكون لها نشيدا وشعارا، إن كان لا بد لها من نشيد وشعار.
وكذا كل ما وافق هذه القطعة في التصور والرؤية والمنهاج من رجز أو قصيد. إذ مِلاك الأمر السيرُ على شريعة الله حقا، ظاهرا وباطنا، لا خصوص هذه الأبيات بعينها.
وأما إن أرادت أن ترتكس في حمأة الجهل والشرك والضلالة، فلتأخذ في طريق غير هذا، وتتبعْ خطوات الشيطان. ولكن لِتعلنْها صراحة، ولْيُقرَّ بذلك أذيالها و"أبواقها" المأجورون، وجواسيسُها المثبورون.
4ـ إن ادعاء النظام الحاكم، من خلال هذا النشيد، اعتصامَه بمنهج الله، وإظهارَه الولاءَ للهُوّيّة الإسلامية بتَرداده له، مما يجعله أقل شرا من أنظمة أخرى صرحت منذ عقود كثيرة بمحاربة شرع الله. وهذا يدرأ عنه بعض الشرور، بلا شك.
5ـ أنا لست ضد تخليد ما لأهل البلد من أمجاد وتاريخ كريم، وفضائل، وما لأرضنا من مِيزات وخصائص، ولست ضد تعلق المرء بوطنه وأرضه وذويه، في حدود الشرع، ولكن الشيء الذي لا أقبله هو تقديس الربوع والمغاني، والقطيعة مع المنهاج الربانيّ.
6ـ لا يجمع الشعبَ الموريتانيّ إلا الإسلام، فهو أعراق، وشرائحُ، وثقافات، وخير معبّر عن هُويّة هذا الشعب وأصالتِه هو هذا النشيد، وأقوى رباط يوحده، ويَلمُّ شعَثه، هو ما فيه من التوحيد ومعالم الدين الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
7ـ ليس في هذه الأبيات تشدد ولا تطرف ولا تبديع ولا تفسيق ولا تكفير، فليس فيها إلا الدعوة إلى نصرة الله تعالى، والدورانِ مع شرعه الذي شرعه للعباد، واتباعِ رسوله الذي أرسله إلى الناس كافة، وإنكارِ ما خالف ذلك كله.
فإن كان ذلك عند العلمانيين والقبوريين تشددا وتطرفا، فليشهد الثقلان أننا متشددون ومتطرفون.
وعيَّرها الواشون أنى أحبها/ وتلك شكاةٌ ظاهر عنك عارُها
8 ـ لا تنال العزة والقوة والتمكين والسعادة في الدنيا، والفوز والرضوان الأكبر يوم القيامة إلا بالتمسك بالوحي المنزل، بعيدا عن الدين المؤول، والشرع المبدل.
9 ـ لا جناح في مناقشة أسلوب هذه القطعة أو لغتها، أو صلاحيتها بعينها لأن تكون نشيدا وطنيا، ولا حرج في نقدها من هذه الحيثيات، لكن من طعن في مضمونها فهو كافر بالنص والإجماع.
10ـ من أراد أن ينسخ هذه الأبيات بخيرٍ منها أو مثلِها، فليتفضل، ومن أراد أن يُلغيَها وما فيها من أصول الدين الذي جاءت به الرسل، ويضعَ موضعَها كلماتٍ جاهليةً تتصل بالأرض، وتنفصل عن السماء، فقد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.
وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.