ألقى المدير الجهوي للتهذيب بآدرار محمد عبد الله ولد بين كلمة في حفل تأبين نظمته الأسرة التعليمية في آدرار رثي بها أخي الراحل أحمدو ولد بلعمش رحمه الله الذي عرفه المدير أستاذا بثانوية أطارا ثم نقيبا جهويا للأساتذة ثم مدير دروس بالثانوية هذا نصها :
( بسم الله الرحمن الرحيم و صلى الله على أشرف المرسلين
قال تعالى (( تبارك الذي بيده الملك و هو على كل شيء قدير الذي خلق الموت و الحياة لنبلوكم أيكم احسن عملا )) الملك 1-2
(( قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب و الشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون )) الجمعة 8
لست أدري لماذا كلما أردت ان أقول كلمة رثاء في الأستاذ أحمدو بلعمش تطفر الدمعة من عيني ؟
لقد عهدته محبا للحياة لا بل عاشقا لها هادئا كما الحمام متواضعا كما السنابل الزاخرة بالقمح بسيطا كعشاء الفقراء
مخلصا في صداقته عظيم الهمة نظيف القلب و اليد و اللسان فكيف دب في جسمه دبيب الفناء و هو بعد في عنفوان الرجولة ؟
كيف انطلق إلى الرفيق الأعلى و نحن رفاقه ما زلنا نتوق للقياه و للحديث إليه ؟
هل مل الإقامة في هذه الدنيا الفانية فاشتاقت نفسه إلى حياة الآخرة ؟
أم هل جعلته مهنة التعليم التي قضى فيها أجمل سنوات عمره يمل تكرار ما كان تعلمه ؟
الأساتذة أيها الراحل الكبير كثر إلا أن المدرسين الجديين الذين يعطون ما عندهم بغير حساب يتركون بصماتهم في أماكن عملهم و يشتغلون كما الشموع في محاربة جيوش الظلام ظلام الجهل و قلة المعرفة و من أجل إضاءة الطريق طريق الخير و العطاء طريق النور و المعرفة للأجيال القادمة من بعدهم هؤلاء المعلمون قليلون و قليلون جدا و أحمدو كان واحدا منهم
كنت أيها الصديق تزرع قلبك في مؤسستك فينمو في قلوب طلابك و في قلوب زميلاتك و زملائك من الأساتذة الطيبين كنت كبيرا في عطائك دقيقا في تعاملك مع الآخرين متسامحا كريما مع المسيئين إليك عطوفا حنونا على الصغار مسايرا و ملاطفا مع الكبار فأحبك الجميع و بادلتهم حبا بحب و لم تتوان يوما عن القيام بمسؤولياتك الجسام و لم تفرط بصداقة صديق كنت تؤمن أن البراءة في أي تعامل مع الآخرين سوف تكسبك صداقتهم و هذا ما كان بالفعل ..
لقد أحببناك لأنك كنت تستحق محبتنا و زرناك لأنك كنت لطيف المعشر دمث الأخلاق لين العريكة تتفانى في مصلحة الآخرين تضحي للكبير و الصغير بغير منة لم تشرف بكرسي الإدارة عندما تسلمت منصب مدير دروس بالثانوية بل شرف الكرسي بك و كنت تعي مدى كبر المسؤولية و صعوبة التعامل مع المدرسين و الإدارة و مع مختلف الطلاب و الطالبات من كافة الفئات و من كافة شرائح المجتمع الذي نعيش فيه فمن أجل ذلك كله لمسنا أن الجميع يلهج بذكرك فلا يرد اسمك إلا مع أسماء خيرة المدرسين في ولاية آدرار العزيزة على قلوبنا جميعا ..
كانت فلسفتك خاصة في الحياة تتلخص فلسفتك في ثلاثة اتجاهات هي العمل الجاد الدؤوب أولا و العطاء بغير حساب ثانيا و محبة الآخرين كل الآخرين ثالثا
فالعمل الجاد الدؤوب من اجل كسب لقمة العيش النظيفة أولا أما العطاء فمن أجل خير الآخرين و ثالثا المحبة من أجل الحياة و نعم الأسس و الأقانيم التي تبنيتها في حياتك الزاخرة بالحب و الخير و العطاء
كنت أيها الصديق قريبا من قلوبنا جميعا و لذلك ليس غريبا أن صورتك غادرت عيوننا إلى قلوبنا لتستقر هناك
يقول الشاعر الفلسطيني ابن الرملة
و الله ما شطت نوى صاحب غاب عن العين إلى القلب
لذلك لم تبعد رحلتك عنا بل ستبقى دائما ذكراك عطرة في قلوبنا ما حيينا لأنك استحققت كل هذا الحب
كيف تنازلت عن كل ذلك و انفردت في مسيرتك عنا و غادرتنا إلى غير رجعة ؟
كثيرة أيها الراحل الكبير هي الذكريات و مؤثرة جدا إلى حد الدموع لدى من كانت له مشاعر حساسة و فكر متوقد لا يفتأ يلهج بذكرك و باسمك
الموت أيها الراحل الكريم حق علينا جميعا و البكاء يا أخي لا يليق بالرجال و لكن الإنسان مخلوق من طينة الضعف حتى النبي العربي الكريم صلوات الله و سلامه عليه بكى عندما حمل ابنه القاسم في طريقه إلى دفنه و لما استغرب ذلك منه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فماذا كان جوابه لقد قال مقالته الشهيرة إنه ولدي يا عمر
فهل بعد هذه المشاعر الجياشة من حرج إذا نزلت دمعتنا لفقدانك سنفتقدك أيها العزيز دائما
سنفتقدك في أعيادنا احتفالاتنا و شتى مناسباتنا
سيفتقدك الابن الطيب الأستاذ المحامي عن الحق و العطاء
سيفتقدك الإخوة و الأخوات
سيفقدك الأقارب الكرام
ستفتقدك الزوجة الفاضلة و سيفتقدك الأبناء الخيرون
ستفتقدك الثانوية التي ضحيت من أجلها و أمضيت فيها خيرة سنوات حياتك
ستفتقدك مكارم الأخلاق و كل الصفات الطيبة
ستفتقدك المروءة و الشهامة و عمل الخير
ستفتقدك المحبة محبة الآخرين و الإخلاص في العمل و التضحية بالوقت الثمين و بالصحة و العافية و من أجل خير الآخرين
ستفتقدك العلاقة الطيبة التي كانت تربطك مع جميع الأصدقاء فالجميع بالنسبة لك أبناء بلدتك و أبناء وطنك الذي كنت تعتز بانتمائك إليه .
إن من كانت هذه صفاته و مزاياه لحري أن يسجل اسمه في سجل الخالدين من عظماء شعبنا و أمتنا
فقد كنت عظيما في حياتك و أنت اليوم عظيم بعد مماتك
فطوبى لك أيها المدرس الأستاذ الذي جعل الحنين فاكهة و سيج الحيرة و الحزن بزهرة النرجس يفوح عطرها فيعبق الجو بها
نم قرير العين لأنك خالد فيما عملت و قدمت و ضحيت و فيمن خلفت من خلف صالح لخير سلف
رحمك الله رحمة واسعة و ألهم الزوجة الفاضلة و الأبناء و العائلة الكريمة الصبر و السلوان و إلى جنات الخلود حيث نعيم الآخرة لأنك أهل لهذا النعيم ..
أسفي عليك ..
اسمحوا لي أخيرا أن أقول إن الإنسان لا يموت لمجرد أن نفسه انقطع فالذين كتبوا و الذين خطوا مسيرتهم البطولية و الذين تفانوا و قدموا دماءهم رخيصة من أجل إحياء شعوبهم بقوا و سيبقون إلى الأبد و لهذا نهى القرآن الكريم عن اعتبار الشهيد ميتا حيث قال عز من قائل (( و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون )) آل عمران الآية 169
و الكثير من الناس يمشون بيننا و هم أموات لأنهم بلا عطاء و لا بناء و لا صدق و لا مصداقية إنهم أموات الأحياء يأكلون و يشربون كما الحيوانات تأكل و تشرب و النبات أيضا في دورة الطبيعة يأخذ ثاني أوكسيد الكربون و يعطي الأوكسجين في التركيب الضوئي و التنفس و هذه ليست حياة و هذا هو الموت المعنوي يقول الشاعر
ما مات من مات محمودا خصائله بل مات من عاش مذموما من الكذب
أيها الأحياء اليوم أيها الأموات غدا يا تلامذة المرحوم أحمدو بلعمش أهيب بكم جميعا أن تعلموا أن أبسط حقوق المرحوم عليكم أن تذكروه ذكرا حسنا و أن تذكروا مآثره و حسناته و أن تترحموا عليه ..
و خطابي موجه الآن إلى أسرة الفقيد أنا أشاطركم الحزن أدعو الله تعالى أن يربط على قلوبكم الصبر و السلوان و يجزيكم الثواب و يتغمد الفقيد برحمته الواسعة
(( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي و ادخلي جنتي ))
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
محمد عبد الله ولد بين )