الصواب يشرح أسباب مقاطعته للحوار

ثلاثاء, 2016-10-11 12:43
 
 

إن إقامة الديمقراطية وترسيخ قيمها تحتاج إلى أمور كثيرة من أهمها الحوار والوعي العميق بأهميته وقبول قيم التوافق والتراضي ، وذلك ما جعل طيفا واسعا من القوى الوطنية من بينها حزب الصواب تسارع إلى حوار 2011، الذي دعا إليه النظام ودفعت إليه كذلك المخاوف من فتن منتشرة عاشتها شعوب شقيقة سلكت في تدبير شانها العام طرق العنف والتوتر.
وعلى الرغم من أهمية نتائج تلك التجربة على مستوى المقترحات والنصوص، فإنها لم تستطع إعادة الثقة بين مكونات الحقل السياسي سواء الطيف الواسع الذي ظل خارج دائرة التعاطي الإيجابي معها ، أو الذي شارك بآمال عريضة وخابت آماله على نحو كبير بعد أن أحجم النظام عن تقديم الحد الأدنى من التنازلات المطلوبة من موقعه كسلطة ومسؤولياته كحكم لجعل نتائج الحوار تجد طريقها سلوكا وممارسة، وسريان روحه في مفاصل الدولة ودوائرها المعنية بشكل مباشر بتطبيق ما توصل إليه المتحاورون. 
وقد شعرت كتلة المعاهدة في وقت مبكر بهذا الأمر وسعت إلى إعادة الثقة من جديد بين أطراف العملية السياسية من جهة وبين هؤلاء وعموم الرأي العام الوطني الذي سئم وطال انتظاره لعمل جاد ذي مصداقية، وباشرت مجتمعة أو من خلال أطراف منها لإطلاق سلسلة من المبادرات كان آخر ما وقع في سبتمبر 2015 لإقناع مختلف أطراف المعارضة بالمشاركة في حوار بديل للحوار الأحادي الذي دعت إليه الأغلبية وتخلت عنه لاحقا لتأكدها من عدم جدوائيته.
لقد مكنت هذه المبادرة من الاتصال بكل الفاعلين السياسيين في المعارضة وعبَّروا بشكل علني بعد لقاءات شاملة ومطولة عن استعدادهم المبدئي للتعاطي الإيجابي معها، لكن النظام اختار في لحظة معينة ربط الصلة المباشرة بهم من خلال تنظيم لقاءات عديدة سرية وعلنية تبين في النهاية أنها أفضت إلى الدعوة من جانبه للدخول في حوار تغيب عنه من جديد هذه الأطراف وبدون حد أدنى من الضمانات في أن لا تتكرر تجربة حوار 2011 وما آلت إليه نتائجه.
إن هذا الأمر هو ما جعل حزب الصواب يقرر في النهاية وعلى نحو حازم رفضه المشاركة في حوار غير توافقي لأنه لا يرى فيه إلا تكرار خيبة الأمل، وقلة المصداقية في الفعل السياسي.
ومهما يكن فإن أي حوار لا ينتظر منه أن يقدم الحد الأدنى من الحلول لمشاكل موريتانيا السياسية إلا إذا كان شاملا، وأن يضع أصحابه في الحساب تجارب ما سبقه من حوارات، لكنه وهذا هو الأخطر قد يكون بالغ الضرر على مستقبل البلاد واستقرارها السياسي إذا حاول أصحابه المساس بمكتسبات كبيرة ضحى من أجلها الشعب الموريتاني عبر مسار طويل ومن أهمها اليوم مكسب النظام الجمهوري وجوهره وأساسه القائم على مبدأ التناوب السلمي على السلطة المقرر على نحو صريح ومحصن في دستور البلاد. ومما عزز اليوم المخاوف من هذا الاحتمال ورود تصريحات أخيرة متواترة من جهات حكومية وأخرى نافذة في هرم السلطة سواء داخل قاعات الحوار أو خارجها تصرح بضرورة المساس بهذا الأمر وتعمل جاهدة على تتفيهه وتعويمه مع غيره من نقاط الحوار العادية لنزع القدسية السياسية والمعنوية عنه، سواء لدى المتحاورين أنفسهم أو لدى الرأي العام، خصوصا أن الدعوة إليه جاءت بعد دعوات أخرى استهلّ بها هذا الحوار وكانت أشد خطرا على المجتمع وكيانه وثوابته ومراسي وحدته الوطنية خصوصا الركن الأساسي الذي لا تقوم دولة ولا مجتمع في الدنيا بدونه وهو ركن الهوية واللغة.
إننا في حزب الصواب نثمن كل المواقف الوطنية التي عبر اصحابها من داخل قصر المؤتمرات وخارجه عن رفض الدعوات اللادستورية والدعوات العنصرية والتغريبية، ونهيب بكل القوى الوطنية أن تكون في مستوى التحدي وتقف بحزم في وجه كل ما من شأنه نسف أسس تجربتنا الديمقراطية التي ما زالت في المهد وتتعرض مكتسباتها القليلة اليوم لامتحان كبير، وجعل الدفاع عنها أولوية قبل أولويات أخرى مستعجلة تطحن الناس في حياتهم اليومية: الغبن والتفاوت وارتفاع الأسعار، وتدني القدرة الشرائية للمواطن وغياب الخدمات العامة من تعليم وصحة...
القيادة السياسية
نواكشوط
11/10/ 2016