لا أدري ما اسم المقهى الذي ارتدته لمرات عديدة خلال زيارتي هذه لنواكشوط ، لكن الأصدقاء يطلقون عليه مقهى ولد البو، و لربما كان هذا هو اسمه الصريح و لم أنتبه ليافطته .
مقهى ولد البو متواضع الإمكانيات ، لكنه ثري الحضور متميز الرواد ، و في هذه الميزة الأخيرة تتجلى قيمته و يبرز تفرده ، فهو يتقاطع مع مقهى ريش و هو أشهر مقاهي القاهرة في كونه ملتقى للنخب و المثقفين بمختلف مناهلهم العلمية و الثقافية و اديلوجياتهم و ميولهم السياسية .
بمقهى ريش ،خمسينيات القرن الماضي إجتمعت مصابيح الثورة و الأدب و السياسة المصرية ، فيه اجتمع البطل جمال عبد الناصر برفاق ثورته ضد الإحتلال و الإقطاع، و بزوايا منه ركن نجيب محفوظ و بعض نجوم عصره الأدبي الذهبي ، عندما دخلته لأول مرة قبل سنتين لفت انتباهي رجل ضخم البنية مرتب الهندام وقور ، يجلس الى مكتب بالقرب من الباب ، كأنه مسؤول المقهى ، و على سطح مكتبه تزاحمت عشرات الكتب الأنيقة الأغلفة و عشرات المجلات و الجرائد ، و حينما وصلت طاولتي أخبرني مضيفي عن الجزء السالف الذكر من تاريخ المقهى العريق .
و على حافة شارع نواكشوطي ، يخطو وئيدا، و بعراقة نحو المدنية و بهرجتها، يركن مقهى الصحفي ولد البو، قبالته تتراقص بإثارة أضواء مقهى صافانا ، حيث أناقة المكان و تنوع الخدمات ، لكن المقهى الرمادي المتواضع يزاحم تجارة الوجبات السريعة بسلعة أبلغ تأثير، و أقوم قيلا .
هناك بمقهى المثقف أحمد إلتقيت كل أصناف الطيف السياسي و الثقافي الموريتاني ، و بخصوص القضية الصحراوية ناقشت بصراحة المدافعين عنها جَهْرًا و المؤمنين بها سرا ، جادلت الذين يلتبس لديهم الحق و عثرات أصحابه ، ناظرت الذين يعلقون علينا كشماعة فشل الوحدة العربية ، و تبادلت الطرف " المحزنة " مع الذين لم ينسوا بعد أوجاع الحرب الظالمة ، هناك ابتسمت برضا للنادلة المغربية و حييتها عند القدوم و حين المغادرة ، و إكتفيت بنظرة قاسية وحيدة ، وجهتها إليها ، إذ تعمدت أمامي ترديد عبارة : الصحراء مغربية .
بمقهى ولد البو، يدرك أمثالي أن المواجهة قدر ، الجدال بالتي هي أحسن سلاحها الفتاك الوحيد ، و الحق الذي نرتوي منه تضلعا نبراسنا الذي ينير لنا الأنفاق .
الصورة التقطها أخي العزيز أحمد بابا ولد علاتي، بينماكنت مستغرقة في نقاش الكاتب الكبير أبو معتز الجيلاني .
من صفحة الشاعرة الصحراوية النانة لبات الرشيد على الفيس بوك