إذا استثنينا التصريحات الملفتة التي أُطلقت خلال نقاشات الحوار الحالي الدائر بين السلطة الحاكمة و أطياف من المعارضة و الذي يغيب عنه المنتدى المعارض و حزبا التكتل و إيناد ، إذا استثنينا تلك التصريحات المتعلقة أساسا بمواضيع الخلاف فإن أهم حدث حصل خلال الحوار الحالي هو وثيقة الحزب الحاكم التي أفرج عنها ملخصة قبل أن ينشرها يوم أمس كاملة على موقعه و التي كشفت عن جدية غير معهودة من الأطياف السياسية في موريتانيا خلال هكذا حوارات و ملتقيات ، أحد محرري " مراسلون " قال بعد تصفحه للوثيقة إن النظام حسم أمره و اتخذ قراره.
و بصرف النظر عن مدى تعاطي بقية الأطراف معها فالوثيقة من حيث الشكل نسختها العربية تقع في 25 صفحة حيث يبدو أنه عكف عليها خبراء مختصون في التحرير و الترتيب و قانونيون اشتغلوا على مواد بعينها نتوقع أن بعضها جاء لزيادة سقف المطالب بينما الهدف المنشود نقاط محدودة و على كل فقد بدأت بإضافة عبارات في الديباجة لتصل إلى نسف مواد كبيرة و هامة و استبدالها بأخرى ،ثم طالبت بإضافة 13 مادة جديدة قيم بتحرير مقترح لها و هو ما يعني أن النظام الحالي يريد أن يؤسس لدستور جديد تبقى لمساته فيه إلى حين
و قد تميزت المواد الجديدة بحجز حصانة و توفير حماية كبيرة للرئيس حيث تقول إحدى المواد : " لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولا عن الأعمال التي يقوم بها في إطار أدائه لمهامه أو قراراته التي يتخذها بناء على صفته تلك، ولا يمكن أن تكون موضوع متابعة لاحقة من أي نوع"
و تضيف المادة : " لا يمكن استدعاء رئيس الجمهورية خلال مدة انتدابه أمام أي محكمة للإدلاء بشهادته، كما لا يمكن أن يكون موضوع مقاضاة أو إجراءات تبليغ أو تحقيق أو متابعة "
و على أن بعض النقاط المضافة قد شغلت الرأي العام مثل إضافة شريطين أحمرين للعلم إلا أن مراقبين اعتبروها من أقل النقاط أهمية بالنظر إلى المواد أخرى المتعلقة بحذف محكمة العدل السامية و وسيط الجمهورية و استبدال المجلس الدستوري بمحكمة دستورية فضلا عن الإستغناء عن مجلس الشيوخ
و تقترح الوثيقة إلى ذلك تغيير النشيد الوطني و هو مطلب قديم كان أول من عبر عنه القيادي البعثي محمد يحظيه ولد ابريد الليل حيث تطالب بما نصه : " إعادة كتابة النشيد الوطني لصالح نشيد وطني يركز على مفهوم الوطن ويحث على الدفاع عنه والتضحية في سبيله مع المحافظة على اللحن الموسيقي"
كما تقترح إجبارية الخدمة العسكرية
و على الصعيد الانتخابي تقترح الوثيقة إنشاء لائحة وطنية للشباب على غرار لائحة النساء كما تقترح إعادة تقطيع لدوائر نواكشوط الانتخابية و إلغاء لائحته الموحدة
و تتناول الوثيقة في جداول طويلة مقترحات اقتصادية و اجتماعية و أخرى تنظم العلاقة مع الخارج و تضبط طرق التعامل معه
و على كل فإن الوثيقة ـ الجدية ـ على ما يبدو تؤسس لمرحلة جديدة ، باتفاق مع بقية الأطراف أو بدون اتفاق .. و تبقى الحاجة إلى وثائق مناهضة مختلفة عن الموجودة حتى يخرج المتحاورون بوثيقة موحدة
أما الأطراف التي قاطعت الحوار فيبدو أن النظام عازم على تجاوزها .. فهل ستمتلك آلية توقيفه عند ما تعتبره حده أم أنها ستترك هذه الوثيقة لتؤسس لما يسميه البعض الجمهورية الثالثة .