داعش وفصائل دارفور.. حرب الموانئ والصحراء في ليبيا

جمعة, 2016-10-07 21:48


خدمة (SMC)
لم يعد وجود الفصائل الدارفورية المتمردة في الأراضى الليبية أمرا يحتاج إلى إثبات، ويعد هذا الموضوع مثبتا بالتقارير الدولية وشهادات السكان المحليين في مناطق شرق وجنوب ليبيا، فضلا عن تأكيدات المسؤولين الليبيين أنفسهم وآخرهم فايز السراج رئيس الحكومة الليبية المؤقتة.
في الوقت الذي تبذل فيه الجهود الإقليمية والدولية لتحقيق تسوية سياسية شاملة تضع حدا لتدهور الأوضاع وانزلاق البلاد أكثر فأكثر في أتون فوضى ما فتئت تأخذ أبعادا متشابكة متجاوزة الواقع الليبي إلى الجوار القريب والبعيد (الاضطراب في منطقة الساحل والهجرة إلى أوروبا) لهذا البلد المنكوب.
وفي خضم الفوضى التي تعانيها ليبيا اليوم، تبدو الحركات الدارفورية أحد أخطر التهديدات الإقليمية الكامنة، ولا يقل تهديدها عن التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية هناك.
مؤخرا تكشف في ضوء التطورات النزاع الليبي- الليبي بعد سيطرة خليفة حفتر على الموانئ النفطية منتصف سبتمبر الماضي، حجم الدور الذي تقوم به حركات التمرد الدارفورية، إذ تعتبر القوة الميدانية الضاربة التي استخدمها حفتر لتغيير موازين القوى من جهة، ولفرض معادلة جديدة للصراع في ليبيا.
و بذلك تشكل الفصائل الدارفورية تهديدا جديا ليس داخل الأراضي الليبية، إنما لدول الجوار الأخرى، لاسيما وأنها تنشط على طول الحدود الفاصلة بين السودان وتشاد وليبيا والنيجر ومصر.
علاقات قديمة
لم يكن النشاط الحالي للحركات الدارفورية المتمردة في ليبيا وليد الظروف والتطورات التي تشهدها البلاد في الوقت الراهن، فليبيا ومنذ عهد العقيد معمر القذافي كانت موئلا لهذه الحركات. ويرى مراقبون في هذا الصدد كيف أن العقيد القذافي سعى لخلق قنوات تواصل مع التمرد في دارفور منذ وقت مبكر من عمر التمرد الذي اندلع في مارس 2003 في إطار طموحاته كقائد وزعيم إفريقي يؤمن بحل قضايا القارة لاسيما تلك التي يكون الغرب طرفا فيها. حيث يعتبر نظام القذافي البائد أحد العوامل الإقليمية التي فاقمت من الأزمة هناك وأخرت التوصل لحلول لها.
فراغ أمني
مع اندلاع ثورة "17 فبراير" وسقوط نظام العقيد القذافي وبزوغ عهد جديد حتى ترتبت على ذلك تداعيات كارثية ليس أقلها انتقال التمرد من دارفور إلى داخل الأراضي الليبية مستغلين الفراغ الأمني الذي خلفه انهيار المنظومة الأمنية للنظام السابق وتعدد الفصائل والجماعات المسلحة والانقسام الحاد الذي طبع الأوضاع في ليبيا ما بعد القذافي.
نشطت الحركات المتمردة في العمل العسكري داخل ليبيا وسعت حركة العدل والمساواة للحصول على الأموال والأسلحة وتأسيس قواعد لها هناك لتنطلق منها إلى دارفور، فيما تحولت حركتا تحرير السودان بزعامة مناوي والأخرى بزعامة عبدالواحد نور إلى الأنشطة الإجرامية.
عملية الكرامة
دخل اللواء المتقاعد المدعو خليفة حفتر على مسار وتطورات الأحداث في ليبيا الجديدة حيث أسس ما عُرفت بـ"عملية الكرامة" بدعم من قوى دولية وإقليمية بداعي التصدي لما يسمى بالإرهاب. غير أن "عملية الكرامة" فشلت على مدار ثلاث سنوات متواصلة من القتال ورغم ما توفر لها من دعم عسكري وسياسي مهولين في تحقيق الأهداف التي سعت القوى التي أوجدتها في ليبيا.
وعقدت اللقاءات بين متمردي دارفور (تحرير السودان بقيادة مناوي ونظيرتها بقيادة عبدالواحد نور والعدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم) وحفتر في القاهرة، حيث اتفقت الأطراف على إرسال مقاتلي هذه الحركات من دارفور إلى ليبيا.
النزاع الداخلي
 تتمركز الحركات الدارفورية في عدد من المناطق الليبية منها: أوباري، وسبها، وزبيانة، وزلة، وطبرق فضلا عن الكفرة.
غير أنها مُنيت في فبراير 2015 بهزائم كبيرة في مناطق بوابة أبوزريق وبزيمة بالقرب من ربيانة. ونتيجة لذلك انسحبت فلول هذه المجموعات إلى الكفرة ولكنها لحقت بها هزيمة أخرى على أيدي ثوار الكفرة في سبتمبر 2015 من العام الماضي ودمرت لهم 12 عربة وقتل نحو 80 عنصرا وأُسر 12 آخرون.
بذا، غدت الحركات الدارفورية طرفا أصيلا في معادلات الصراع الداخلي في ليبيا، وبحسب بعض المعطيات المتوفرة فقد شهدت واحة زلة (جنوب شرق طرابلس) في 30 أغسطس الماضي مواجهات مع مسلحي متمردي حركة "العدل والمساواة" الدارفورية. على غرار ما شهدته أيضا بلدة زلة وقدرت إحصائيات سودانية أعداد متمردي حركة دارفور بـ 1000 مقاتل يقودهم المدعو جابر إسحق ورجب جو.
وكانت الحركات المتمردة قد شاركت في مارس 2015 في القتال بين قبيلتي التبو والطوارق بمنطقة أوباري حيث ساندت قبيلة التبو كما شاركت أيضا في الهجوم على الكفرة في أكثر من مرة، وكذلك في مناطق سبها وبنغازي.
تهديد إقليمي
في حمأة التركيز المتعمد على ما يسمى بالحرب على الإرهاب يغيب تماما الدور الخطير الذي تقوم به الحركات الدارفورية المتمردة التي تقاتل تحت مظلة عملة الكرامة كمجموعات مرتزقة تماما، كما كانت تقاتل ضمن كتائب القذافي في ظل النظام البائد، وهي تمارس النهب وقطع الطرق وفرض الإتاوات على المواطنين على الطرقات العامة.
هربت بقايا هذه الحركات من دارفور وتشتتت في جنوب السودان حيث تقاتل حركة العدل والمساواة إلى جانب القوات التي يقودها سلفاكير ميارديت. كذلك تقاتل في ليبيا إلى جانب المجموعات القبلية في أقصى الجنوب الليبي التي تسعى إلى نوع من الحكم الذاتي أوالكنفدرالية في ظل بروز نزعة إقليمية حادة في ليبيا.
وأكد التقرير النهائي لخبراء الأمم المتحدة في ليبيا والذي صدر في فبراير 2016 تورط عناصر ينتمون إلى حركات التمرد في دارفور في النزاع الليبيى حيث "إن فريق الخبراء تلقى أدلة قوية على تورط جماعات "دارفورية" مسلحة في أوباري والكفرة".
الهلال النفطي
 قبل الإعلان عن سيطرة خليفة حفتر رسميا على حقول النفط أو ما يسمى بالهلال النفطي كانت الفصائل الدارفورية التي تواجدت تحت إمرته في منطقة زلة قد سيطرت على عدة مناطق في محيط تلك الحقول.
 وكانت قوات المتمردين الدارفوريين على النحو التالي: حركة عبدالوحد نور بعدد 108 عربات وما بين 300-400 عنصر و يقودها المتمرد جابر إسحق.
 وحركة كاربينو بعدد 60 عربة و حوالي 205 مقاتلين بقيادة أحمد أبو تفة، إلى جانب مجموعات تتبع للمتمرد عبدالله جنا بقيادة محجوب أغبش، فضلا عن وجود المعارضة التشادية بحوالي 13 عربة بقيادة قاردي عبدالله.
 وفرضت هذه المجموعات سيطرتها على السدرة وراس لانوف بسهولة كبيرة. وحصلت على غنائم كبيرة تمثلت في 15 عربة عسكرية في السدرة و45 مثلها من حقل راس لانوف.
واصطدمت لاحقا بقوة تتبع المتمرد مني مناوي بهجوم مضاد شنته قوة ليبية وهي حرس المنشآت النفطية التي يقودها إبراهايم الجضران في 18 سبتمبر الماضي.
وعقب انجلاء المعارك زار القادة الميدانيون لقوات حفتر وهما المدعو عبدالله النذير ومحمد حمودة مواقع الحركات الدارفورية في الهلال النفطي.
إذا يمكن القول هنا، أن التهديد الإقليمي الذي تمثله الحركات الدارفورية لا يتوقف على التهديد الأمني المباشر واحتمالات تسللها مرة أخرى داخل السودان، إنما التهديد الأكبر هو انخراط هذه الحركات في الجريمة المنظمة العابرة للحدود من خلال عمليات تهريب البشر والأسلحة والممنوعات فضلا عن تهريب الذهب والثروة الحيوانية إلى جانب أنشطة غير شرعية أخرى تدر عليها أموالا طائلة