(إيجاز صحفي)
في أمسية جديدة لبيت الشعر بنواكشوط مساء أمس الخميس، ووسط حضور نخبة بارزة من رجال الثقافة والأدب، قدم الشاعر سيدي ولد أمجاد تجربته الشعرية عبر قراءات في قصائده الجديدة وقصائد أخرى من مجموعاته الشعرية.
وفي مستهل الأمسية وجه الشاعر سيدي ولد أمجاد الشكر للقائمين على بيت الشعر في نواكشوط، وثمن الدور الريادي لهذا البيت، وما يبذله من مساع جليلة في خدمة الثقافة العربية وإعلاء شأن المبدعين.
بعد ذلك بدأ بفاتحة شعرية تمثلت في معلقة "خواطر في محراب النبوة" مدح فيها الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، ومن خلال هذه القصيدة المديحية، مزج الشاعر بين ثلاثية المدح، والدعاء، والسبك اللغوي القوي، الذي يحيل إلى أصالة تجربة هذا الشاعر وتمسكه بأعلى ضوابط اللغة إلى جانب مراوغته الذكية لمسارات الأخيلة ومسارب التأصيل والتحديث، حيث يعد من الشعراء الموريتانيين الذين مدوا جسور التلاقي بين قصيدتي العمود والحر في تجربة الحداثة الشعرية في موريتانيا.
بعد الطواف الصوفي الشعري بمدح خير البرية، قرأ ولد أمجاد قصيدة "عيون الخيل"، التي يقول فيها:
سأبحث عن وطن لا ينام
لأوقظ فيه جداول حزني
سأبحث عن صافنات الحروف
لأحرق مملكة الشعر
في داخلي
وأهتف في واد عبقر
إني صدى النار
في جنة الخلد
وزلزلة
لم تزل في أديم السماء
سأعزف أيقونتي
فوق تل الوجود
لأني أفكر
أفكر في همسة الريح
والشيح
ودندنة الرعد
والأغنيات".
كما تناول ولد أمجاد بانحياز شديد لحرية الإنسان إرث العبودية، وقرأ من قصيدة "أحلام الفتى محمود":
لا تبتئس إن عاث
في الأفق الظلام
فالفجر يخرج
من إسار الليل
منبلج الضياء
الدرب قصة عمرنا
بين المتاهة والظفر
ورؤاك في غسق الدجى
قبس الكرامة للبشر
محمود يا طفلا
ترعرع في الضجر
في الفقر
في رق المشاعر والحياة
ستدور في وطني النجوم
وتدور أزمنة الفراغ
بنفسها
كالأرض تبحث عن نجاة
ستقول لي محمود :
أرضك في يباب
وستذكر الأشواك
في الأرض الخراب
في الحقل مهجورا
بلا غل وماء
وتنام يا محمود
في برد العواصف والشتاء
في قرية معزولة
من دون حبة أسبرين
من دون شمعة كهرباء".
و قرأ قصائد "قلعة المجد"، وهي نشيد عن اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين:
قلعة المجد أبشري من جديد. برؤى الفن والهوى والقصيد
ونشيد من الجمال الموشى. بسنا الحرف يا له من نشيد
يتهادى من عهد بلقيس يزهو في عكاظ وفي عراق الرشيد
وليال في قرطبه الوصل ياما. تيمت لوعة فؤاد العميد
وبشنقيط لم تزل ذكريات تحفظ العهد للزمان الفريد
كما قرأ ولد الأمجاد قصيدتة "تعويذة على وجه النهار"، التي يقول فيها:
أوقدوا وهج المسافات علينا
واسمعوا وعوا
في ندى الفجر وفي بوح السلام
ليس في الجب سوانا كي ننام
ليس إلا نحن وطيف كالزمن
فا ذرعوا الأرض
ذهابا وايابا
وانيخوا عند ديلول الركابا".
إلى أن يقول:
"يا مدارات السنين الحائرات
يا ابنة الوادي
التي تهوى الحياة
كلنا في الهم من كل الجهات
كلنا في الوطن الواحد نمشي
فلماذا نوغل الخطوة
في أرض الشتات؟
ولماذا يصبح الماء أجاجا بيننا؟
والمواويل حداء للرحيل!!
ولماذا ضاقت الدار علينا والسبيل؟
لست أدري!".
ولد أمجاد انحاز بشكل واضح لقضايا الإنسان، وللحضارة العربية ورموز الإبداع، من خلال "بكائية على قمر بغدادي"، و"قلادة على جيد بغداد"، و"أشيلال"، وليختم بقصيدته الجديدة "أحب بلادي"، التي غنتها الفنانة الكبيرة هيام يونس، وستقدمها للجمهور الموريتاني في ذكرى الاستقلال في نوفمبر المقبل.
ولد أمجاد، عاشق الرمل والصخر والبحر، قدم تجربة شعرية تستحق أكثر من الإنصات، وفي مجملها تجربة شاعر ملتزم بالهموم الكبرى لأمته وملته.
يذكر أنه تميز بكونه أحد الشعراء الموريتانيين الذين كان لهم حضور ثقافي ووظيفي في المشرق العربي، وخاصة منطقة الخليج حيث عمل أستاذا، ومنسقا لمهرجانات عديدة، وشاعرا يصعد المنابر بتجربة شعرية ذات ألوان عديدة وعطاءات وإضافات هامة، كما مثل البلاد في عديد المهرجانات في العالم العربي وفي أوروبا، وفاز بعدد من الجوائز الأدبية.