وثيقة نادي القضاة حول إصلاح القضاء

جمعة, 2016-09-30 10:17

بيان

لقد شَكَّل  جمعُ  القضاة الموريتانيين لأول مرة ضمن إطار موحد يطلق عليه نادي القضاة الموريتانيين اللبنة الأولى لبناء جسم قضائي مستقل قادر على القيام بواجباته المتمثّلة في إقامة العدل وإشاعته وحماية الحقوق وصون الحريات العامة والفردية .

وجعل هذا النادي من أولوياته العمل على تحْسِيس القضاة بواجبهم في حماية الاستقلالية والدفاع عنها حتى يتمكنوا من القيام بواجبهم على الوجه الأكمل .

وما فتئ القضاة يكابدون من اجل استعادة الثقة في قضائنا وتحسين أدائه حتى  يطمئن  المواطن (المتقاضي) على  أنه بين أيدٍ أمينة تحميه من غلواء و شطط السلطة ، وتسهر على الفصل في النزاعات، وتطبق القانون على الكافة، وتوفر المناخ الملائم لانتعاش حركة الاستثمارات ،  مع  القيام بملاحقة المجرمين والقبض عليهم و محاربة الجريمة بمختلف تجليَّاتها ، كل  ذلك  وفقًا لأسس وقواعد المحاكمة العادلة ، ومراعاةً  لحق الدفاع المقدَّس .

ولهذا الغرض أيضا سعى نادي القضاة الموريتانيين لتطوير  النصوص القانونية المنظمة للسلطة القضائية ، بما في ذلك المقتضيات المتضمنة  في دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية ، والتي بالرغم من شحِّها و اقتصارها على الحديث عن السلطة القضائية برمتها في مواد ثلاثٍ لا غير ، أكدت على جملة المبادئ الأساسية المعروفة دوليا  ، والمطلوبة لتأسيس سلطة  قضائية بالمعنى المتعارف عليه في الدولة الحديثة.

وهكذا فقد تمت المطالبة من طرفنا - علنا و في أكثر من مناسبة - بضرورة مراجعة الأمر القانوني المتضمن النظام الأساسي للقضاء ؛ لكونه قصَّر عن توفير الإطار القانوني الأمثل، وتضمَّن مقتضيات تُعيق عمل السلطة القضائية وتخضعها لنفوذ السلطة التنفيذية  من خلال تكريس تبعية جميع القضاة  إداريًّا لوزير العدل ومنحه صلاحياتِ توقيف القضاة عن العمل وإحالتهم لمجلس التأديب .

إضافة لكون هذا القانون النظامي أعِدَّت أغلب مواده في ظل نظام عسكري عطل العمل بالدستور، بحيث أدرجت به بعض المقتضيات التي كانت موضوع مصادرة من المجلس الدستوري في المسودة الأولى للنص المعدَّل .

وتمشِّيا مع المطالبات المتكررة بمراجعة  النص المذكور تم عقْد لقاءات كثيرة  وتنظيم  ورشات  عديدة   صيغت مخرجاتها في مسودة  قدَّمها النادي لوزارة العدل منذ أكثر من سنتين ضمن اتفاق بين الطرفين كان من المفروض أن يؤدِّي لتقديم النص للبرلمان من اجل الموافقة عليه؛ لكن   ذلك لم  يحصل .

وإننا لننتهز اليوم فرصة حراك القوى السياسية في البلد للتقدم  برؤية شاملة   للحد الأدنى  من  الضمانات   التي ينبغي  تكريسها  سواء  على مستوى  الدستور  أو  النظام   الأساسي   للقضاء   من  أجل  تحقيق الأهداف  المنشودة  ،  وننادي بضرورة اعتمادها  كأولوية من طرف جميع مفردات الطيف السياسي: موالاة أو معارضة ، لما يشكله إرساء نظام قضائي مستقل من ضمانة لهؤلاء وأولئك ، ولقناعتنا بأن السلطة القضائية المستقلة هي صِمَام الأمان لجميع الفرقاء .

لقد أثبتت الدراسات أن سعي الدولة  لتحقيق  التنمية الاقتصادية  والاجتماعية يتوقف على  تحقيق الأمن القضائي الذي يعد أساسا في  بناء دولة القانون ومقياسا لتقدم الدول  في العصر الحديث.

ويعني مفهوم الأمن القضائي: تمكن القضاء من لعب دوره في تحقيق الأمن بواسطة  إشاعة العدل،  لقوله  تبارك وتعالى: "إن  الله  يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا  حكمتم  بين الناس أن  تحكموا بالعدل". وقوله صلى الله عليه وسلم فيما روى عنه  أبو  هريرة مرفوعا: "عدل  ساعة خير من  عبادة ستين سنة  قيام  ليلها وصيام نهارها   وجور ساعة في حكم اشد وأعظم من معصية  ستِّين  سنة"، ولقول الخليفة عمر بن عبد العزيز  ردا على  رسالة عامله في حِمْص : "حصِّنْها  بالعدل  ونقِّ  طُرقها من  الجَوْر".

 ومن خلال تحقيق الأمن القضائي تُسْهم العدالة في تحقيق التنمية  الاقتصادية  والاجتماعية   عن طريق حماية استقرار التعامل الاقتصادي مما يساعد على  جلب الاستثمارات  واستتباب  السلم الاجتماعي.

ولكي  يتحقق  الأمن  القضائي  لا بد  من ضمانات  يتمثل أهمها في الاستقلالية التي يجب أن يتَّصِف بها الجهاز القضائي، وذلك ما  يعبر عنه باستقلال السلطة القضائية المكرس  بمبدإ فصل السلطات  ، والمؤدي  بالضرورة لاستقلال القضاة الذي هو الثمرة الحقيقية  لكل  ذلك ،  طبقا  لما أقرَّتْه  المبادئ  الأساسية  بشأن استقلال  السلطة  القضائية المعتمدة بموجب قراري الجمعية  العامة للأمم المتحدة رقمي :  32/40 و 146/40    لسنة  1985 .

و هذه  الضمانات منها ما يتم  إقراره في   الدستور ومنها ما  يتم إقراره  في القوانين   الأخرى عضوية كانت أم  عادية  بحسب المجال . 

وسنورد فيما يلي مقترحات عملية لإقرار تلك الضمانات  ، بادئين بتلك التي ينبغي إدراجها في الورقة الدستورية، ثم بعد ذلك المقتضيات التي يجب أن يطالها التعديل في النظام الأساسي للفضاء.

أولا: الضمانات التي  ينبغي  إدراجها  في  الدستور:

   1  ـ تعديل المادة : 89 بحيث تتم صياغتها على النحو التالي:

" السلطة القضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية . قضاة  الحكم  غير قابلين  للعزل .

رئيس الجمهورية هو الضامن لاستقلال القضاء ويساعده في ذلك المجلس الأعلى للقضاء. 

يتمتع المجلس الأعلى للقضاء بالاستقلال المالي والإداري، ولهذا الغرض تُنشأ له أمانة دائمة.

يتألف المجلس الأعلى للقضاء من تشكيلتين إحداهما مختصة بالقضاء الجالس والأخرى مختصة بقضاة النيابة العامة.

يعد النظام الأساسي للقضاء بقانون نظامي يحدد قواعد تنظيم وسير المجلس الأعلى للقضاء، وأمانته كما يحدد شروط اكتتاب القضاة، و تحويلهم،  وتأديبهم، وعزلهم، وترقيتهم، وسِنِّ تقاعدهم، ونظام المعاش الخاص بهم  على أن تضمن  تلك  القواعد  عدم التأثير على استقلالية القضاة وحيادهم" . 

2ـ  تضاف  فقرة جديدة للمادة 89 على النحو التالي:

"تقام العدالة على تراب الجمهورية الإسلامية الموريتانية  بواسطة المحكمة العليا، ومحاكم الاستئناف،  والمحاكم الابتدائية  . 

يحدد قانون خاص النظام الأساسي الخاص بالمحكمة العليا وقضاتها" .

 3ـ تضاف فقرة جديدة للمادة: 90  تتعلق بالحصانة  الجزائية للقاضي  على  النحو  التالي  :

-لا تجوز المتابعة الجزائية ضد أي قاض إلا بعد الإذن المكتوب من المجلس الأعلى للقضاء في تشكيلته التأديبية وفي حالة التلبس يكون الإذن بالمتابعة من  رئيس هذه التشكيلة  كتابة  . 

ثانيا: الضمانات  التي  ينبغي  إدراجها في النظام الأساسي للقضاء  مرتبة  حسب  ترتيب مواد ذلك القانون  : 

1 ـ التقييم و التقدم (الترقية).

تنص المادة: 3 من النظام الأساسي للقضاء  على  أن السلم القضائي يتكون من أربع رُتب.

   ·   الرتبة الرابعة وتضم القضاة غير المؤكدين وتحتوي على أربع درجات؛

   ·   الرتبة الثالثة وتحتوي على ثلاث درجات؛

   ·   الرتبة الثانية وتحتوي على ثلاث درجات؛

   ·   الرتبة الأولى وتحتوي على ثلاث درجات. "

 كما تنص المادة: 27  من  نفس القانون على أنه  "لا ينتقل القضاة من رتبة إلى رتبة أعلى إلا بمرسوم صادر عن رئيس الجمهورية بناء على اقتراح من المجلس الأعلى للقضاء على أن تمثل الرتبة الأولى: 10 % والرتبة الثانية: 15 % والرتبة الثالثة: 25 % والرتبة الرابعة: 50 % من القضاة "  .

 وهذه المادة  تعني  الترقية  من  الرتبة  إلى  الرتبة  وهي  تؤسس على الجدارة  المبنية  على  التقييم السنوي  طبقا   للمادتين   24  و25  الذي يمنحه رئيس المحكمة العليا بالنسبة للقضاة الجالسين، والمدعى العام لدى المحكمة العليا بالنسبة لقضاة النيابة العامة و وزير العدل بالنسبة للقضاة العاملين بالوزارة، أما التقدم في الدرجات داخل الرتبة  فإنه  يتم تلقائيا بمرور سنتين طبقا  للمادة : 26 وتتم ملاحظته بمقرر من وزير العدل.

ويترتب على   ما تقدم  أن  ترقية  القضاة  تخضع  لأمرين:  أحدهما   التقييم  الذي  أثبتت  التجربة  العملية  عدم  موضوعيته ثم المعادلة التي  ظلت  إلى  جانب  التقييم عقبة كأْداء في وجه الترقية  المنسابة  للقضاة وذلك ما نتج عنه أن  العديد  منهم   تقاعد  دون  أن يتجاوز الرتبة  الثالثة ، الشيء الذي لم  تجد نفعا في التخفيف من آثاره   سلطة  التوزيع الاستثنائي الممنوحة للمجلس الأعلى  للقضاء  بموجب الفقرة الأخيرة من المادة :  27  المنوه عنها أعلاه  لأن اللجوء إليها لم يقع إلا نادرا.

 ولمعالجة هذا الوضع  فإنه ينبغي  إلغاء المعادلة  لتكون الترقية تلقائية، أو على أساس الجدارة و الأقدمية في الرتبة كما هو  الحال في أغلب التشريعات ، وبالنسبة  للتقييم  فينبغي  إسناده إلى لجنة للتقدمات كما هو الحال في فرنسا ومالي.

 

2 ـ عدم قابلية  قضاة  الحكم للعزل 

 تنص المادة: 8 من نظامنا الأساسي الحالي  على أنه  "لا يجوز  عزل قضاة الحكم  ولا يحولون إلا بطلب منهم أو بعقوبة تأديبية أو لضرورة قاهرة للعمل وبعد رأي مطابق للمجلس الأعلى للقضاء  "

إن عدم  قابلية العزل ضمانة أكيدة من ضمانات  استقلال القاضي كما يحْمِى الأطراف من عزلهم عن قضاتهم الطبيعيين . 

وقد نصت علي هذه الضمانة  المادة: 43 من دستور 1959 التي نصت على أن " قضاة الحكم غير قابلين للعزل " وهو نفس منطوق المادة: 47 من دستور 1961.  

وقد استخدمت دساتير كل من: السينغال ( المادة 90 ) ، و المغرب (المادة 107 )، و مالى (المادة 82 ) والنظام الأساسي للقضاة الماليين ( المادة 3 ) والفرنسيين ( المادة4 ) نفس التعبير "قضاة الحكم غير قابلين للعزل".

وهو ذاته ما نص عليه النظام الأساسي للقضاء في فرنسا (المادة 4) وفى مالي ( المادة 3) وفى السنغال ( المادة 5 ) مع  إضافة  هذه  الأخيرة  أن القاضي "لا يمكن تحويله دون رضاه ولو في حالة ترقية " .

 إن عدم  قابلية قضاة الحكم  للعزل  بالصيغة  التي  وردت  في النظام الأساسي ذي الرقم:012\1994 الساري به العمل أفرغت من مضمونها بسبب  الاستثناءات التي  تضمنتها، وعلى  الخصوص  منها "ضرورة  العمل"؛ ولذا يجب النص عليها صراحة في الدستور كما  كان عليه الحال في    دستوريْ   59  و61  بدون أن تقيِّدها ضرورة العمل إلا وفق ضوابط وشروط يتم تحديدها في النظام الأساسي للقضاء على النحو  التالي :

غير أنه عندما تكون ضرورة العمل تبرر ذلك يمكن نقل القضاة لفترة لا تتجاوز ستة أشهر بموجب قرار صادر عن سلطة التعيين.

 

3 ـ علاقة النيابة  العامة بوزير العدل.

تنص المادة : 9 من النظام الأساسي على انه "يخضع قضاة النيابة العامة لإدارة ومراقبة رؤسائهم التسلسليين، ولسلطة وزير العدل " .

إن خضوع أعضاء النيابة العامة لإدارة ورقابة رؤسائهم  التسلسليين أمر مسلم به  في معظم  التشريعات، مع  أن  الاتجاه هو تقييد  ذلك بالنص على عدم خضوعها  إلا  للتعليمات  القانونية المكتوبة  مثل  ما ورد  في الفقرة  الثانية من الفصل:110 من الدستور المغربي التي تقول "كما  يتعين  عليهم  الالتزام  بالتعليمات  الكتابية  القانونية الصادرة  عن السلطة  التي يتبعون لها " ، وذلك  علاوة  على المبدأ المعروف: "القلم  أسير واللسان حرّ" المحتفظ  به  لأعضاء النيابة العامة  أثناء الجلسات .

أما إخضاعهم  لسلطة وزير العدل التي ظلت  على  النقيض من ذلك مثار جدل باعتبارها تمثل هيمنة للسلطة التنفيذية وتناقض أهم مبادئ دولة القانون المتمثل في مبدإ الفصل بين السلطات .

وعلى ضوء ما تقدم  فإن المطلوب هو الاكتفاء بخضوع أعضاء النيابة العامة للرؤساء التسلسليين من النيابة العامة وعلى رأسها المدعي العام لدى المحكمة العليا ، وتقييد ذلك الخضوع بكون التعليمات قانونية  ومكتوبة مع احترام  مبدإ اللسان حر والقلم أسير أثناء   الجلسات كل ذلك من أجل التطبيق السليم للفصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ولكي تؤدي النيابة  العامة   دورها  الكامل للإسهام في تكريس استقلال السلطة  القضائية.

 

4 ـ حظر  تشكيل النقابات أو  الانضمام إليها 

تنص المادة: 14 من النظام الأساسي بموجب التعديل المُجْرى عليها بالأمر القانوني رقم : 016 ـ 2006  في فقرتها الأخيرة على أنه : "...... يحظر على القضاة تشكيل  النقابات والانضمام  إليها ".

إن إمكانية تشكيل القضاة  لنقابات كانت و لا تزال  ممارسة لأحد الحقوق المكرسة   في المواثيق الدولية   كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإعلان  الجمعية  العامة للأمم المتحدة لاستقلال السلطة  القضائية المنوه  عنه أعلاه، كما أن الواقع   يكرِّسه  في  كثير من الدول  التي   تنضوي مع بلادنا في نفس المنظومة القانونية  مثل فرنسا والجرائر، فقد  نصت المادة 32 من النظام الأساسي للقضاة في الجزائر على أن "الحق النقابي معترف به للقاضي في حدود الأحكام المنصوص عليها في المادتين 7 و12 من هذا القانون العضوي".

وتأسيسا على ذلك فإنه يلزم إزالة هذا الحظر لمخالفته  الصريحة لحق تكفله المواثيق الدولية مثل الاتفاقية الدولية  رقم 87 حول الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي الصادرة عن منظمة العمل الدولية، والمادة 9 من المبادئ الأساسية  بشأن استقلال  السلطة  القضائية.

لقد اثبت الواقع  العملي أهمية الممارسة النقابية لتطوير القضاء لأن نقابات القضاة  كانت عاملا مهما  في الكثير من الدول لتحقيق الإصلاحات القضائية بشكل عام واستقلالية القضاء بشكل خاص .

5 ـ  الخطأ  التأديبي.

 تنص المادة :32 من النظام الأساسي بموجب التعديل المُجرى عليها بالأمر القانوني رقم : 016 ـ 2006  على  الخطأ التأديبي في حق القضاة  بأنه:  " كل تصرف من قاض يمس من الشرف أو يتنافى مع اللياقة والرزانة يشكل خطأ تأديبيا"، وتضيف نفس المادة أن هذا الخطأ يقدر: " في حق قضاة النيابة والقضاة العاملين بالإدارة المركزية بوزارة العدل انطلاقا من الواجبات التي تفرضها تبعيتهم التسلسلية ".

وما يمكن ملاحظته على هذا التعريف أنه غير  واضح   وجاء في عبارات غامضة تترك مجالا كبيرا للسلطة التأديبية كسيف مسلط على  القضاة مما يستدعى  المعالجة بالتحديد للخطإ التأديبي تحقيقا لمبدإ شرعية  المخالفة.

 

6 ـ حظر ممارسة  الوظائف  بشكل  مؤقت:

تنص المادة : 36 من النظام الأساسي بموجب التعديل المجرى عليها بالأمر القانوني رقم : 016 ـ 2006  على  أنه : " في حالة نسبة  وقائع أو تصرفات على درجة  من  الخطورة لأحد قضاة الحكم فإن لوزير العدل في حالة  الاستعجال بعد أخذ رأي مطابق من  رئيس المحكمة  العليا والمدعي العام أن  يحظر عليه  ممارسة وظائفه  إلى أن يتخذ قرار نهائي في المتابعة  التأديبية ".

إن إعطاء سلطة تعليق قضاة الحكم  لوزير العدل    يشكل خرقا لمبدأ الفصل بين السلطات  يمكن تلافيه  بجعل دور وزير العدل مقتصرا على التقدم  بطلب هذا  الحظر  من الجهة المختصة بالسلطة  التأديبية وذلك   على النحو  الذي في مسودة   النظام  الأساسي    المقترح من نادي القضاة الموريتانيين على النحو التالي:

 المادة : 80  " يمكن للوزير المكلف بالعدل، في حالة الاستعجال وبعد فتح تحقيق، إثر تلقِّيه لشكاية أو اطلاعه على وقائع تبدو من طبيعتها أنها تؤدي إلى متابعات في حق قاض بسبب ارتكابه خطأً مهنيا جسيما، سواء تعلق الأمر بالإخلال بواجبه المهني، أو أفعال مصنفة على أنها جناية أو جنحة عمْدية ، بشكل لا يمكن للقاضي البقاء معه في منصبه، أن يطلب من التشكيلة التأديبية للمجلس الأعلى للقضاء منع هذا القاضي من مزاولة وظائفه حتى صدور قرار نهائي ".

 

7 ـ الإحالة  على  مجلس  التأديب :

تنص  المادة : 38  من  النظام   الأساسي   النافذ حاليا  على أن : " الوقائع  التي  يمكن أن  تسبب متابعة  تأديبية ضد  القضاة  تبلغ إلى المجلس  الأعلى  للقضاء  من  طرف   وزير  العدل "

إن  إعطاء   وزير العدل  هذه الصلاحية  التي   تعني سلطة  توجيه الاتهام   و تحريك  وممارسة  الدعوي  التأديبية  ضد  القضاة  الجالسين يعتبر    خرقا  لمبدإ    فصل  السلطات   ومساسا  باستقلالية  السلطة القضائية   ومتعارضا  مع 

 خصوصية   التشكلة  التأديبية  للمجلس الأعلى  للقضاء . 

ولمعالجة  هذا   الخلل  فإنه  ينبغي   منح  صلاحية    تحويل  القضاة على 

  التأديب   للمجلس الأعلى   للقضاء    بالشكلة  العادية  التي  يرأسها رئيس  الجمهورية   الضامن   لاستقلال  القضاء  .

8 ـ نظام التقاعد والمعاش:

تنص المادة 60 من النظام الأساسي على أن  : "سن   التقاعد بالنسبة  للقضاة هي ستون سنة؛ ويجوز  للقاضي ان يستفيد من حقه في التقاعد كاملا عندما   يستكمل خمسا وثلاثين سنة من العمل"، كما  تنص المادة : 65 من نفس النظام الأساسي على أن: "نظام المعاش المطبق على القضاة  هو  نفسه المطبق  على بقية الموظفين".

فبالنسبة لسن التقاعد فإنها كانت  محددة بخمس وستين [65] سنة بموجب المادة 71 من القانون المتضمن النظام الأساسي للقضاء رقم : 014/63 واستمر العمل بذلك إلى أن تمَّ توحيد سلك القضاة سنة 1981 بموجب الأمر القانوني رقم: 281 /81 الذي جعل القضاة يتقاعدون عند بلوغ ستين [60] سنة، وهو ما ظل يتضمنه النظام الأساسي مع جميع تعديلاته اللاحقة إلى حد الآن.

وبمقارنة سن تقاعد القاضي عندنا بسن تقاعد القضاة في دول الجوار وفى فرنسا نجد أن القضاة في تلك الدول يتقاعدون عند بلوغ سن :

ـ الخامسة والستون [65] من العمر كما هو الحال بالنسبة للقضاة في جمهوريتي مالي (المادة: 101 )،  و السينغال ( المادة: 40 ).

ـ السابعة والستون [67] مع إمكانية الاحتفاظ بالقاضي إلى سن الثامنة والستين [68] كما هو الحال في فرنسا (المادة: 76).

ـ ستون [60] سنة مع إمكانية الاحتفاظ  بالقاضي بناء على طلبه أو لضرورة العمل إلى سن ست وستين [66] سنة كما هو الحال في المملكة المغربية ( المادة: 65 )، وحتى إلى سن سبعين [70] سنة كما هو الحال في الجزائر ( المواد: 88 إلى 91).

وبالنسبة  لنظام  معاش التقاعد  فإن إخضاعه لقانون   الضمان الاجتماعي لا يوفر للقاضي إلا أقل  بكثير  من سدس: 1\6 المرتب الذي  كان يتقاضاه؛ نظرا  للمعادلة المعمول بها ، بخلاف دول الجوار التي، وإن  كان بعضها يطبق مقتضيات قانون الضمان الاجتماعي على معاشات تقاعد القضاة، فإن نظام المعاش فيها يسمح لهم بالاستفادة من معاش يقارب آخر راتب كانوا يتقاضوه وذلك بفعل معادلة احتساب المعاش المأخوذ بها في تلك الدول .

وتجدر الإشارة إلى  أنه   صدر  في  بلادنا  القانون  رقم : 041 \2000 المحدد  لنظام   معاشات   التقاعد  البرلماني  الذي   نص  في    المادة: 11 منه  على    تقدير  مبلغ  معاشهم  التقاعدي   بنسبة  من  الراتب الشهري  تتراوح   ما  بين  : 30%  إلى  60%   بحسب  عدد  فترات  الانتداب.

وبما  أن  هذا   النظام  تم  إقراره   لفائدة   سلطة  موازية   للسلطة القضائية  هي  السلطة  التشريعية  ،  وأن أطول  انتداب  تم   احتسابه لهؤلاء   قدر  بخمسة  عشر  سنة  فإنه   من   الأولى   مراعاة  ذينك الاعتبارين  أي   خصوصية  السلطة   ومدة   الخدمة  في    حق  القضاة .

على  ضوء  ذلك  فإننا  نطالب  بجعل  المعاش التقاعدي   بكامل  آخر راتب   كما  في  الدول  المجاورة، أو  بنسبة  الثلثين2\3  منه  كما  أقِّرَّ لصالح البرلمانيين . 

 

إن الأخذ بهذه التعديلات وإدراجها ضمن خطة إصلاح شاملة سيمكن من تأسيس نظام قضائي قوي ومستقل قادر على القيام بالوظيفة الحساسة الموكولة إليه في دولة القانون والمؤسسات، وهو ما سيحقِّق الأمن القضائي والقانوني في بلدنا ويجنِّبها الهزات الاجتماعية والسياسية في عالم مضطرب موَّار.

والله يوفقنا لما فيه الخير والصواب انه ولي ذلك والقادر عليه.

المكتب التنفيذي لنادي القضاة الموريتانيين

 15 يوليو 2016