هكذا تحدث طالب التاريخ
كنت أول من أمس مع صديقين عزيزين: النقيب محمد البعلبكي والطالب حكمت قصير. خرزتان زرقاوان ثم الاعمار: النقيب 89 عاماً، الطالب 90. وقد أبلغنا حكمت قصير انه أنهى بنجاح السنة الثانية من ليسانس التاريخ في الجامعة اليسوعية ويعد للثالثة. لقد تقاعد قبل عامين واحتار فيما يفعل فلم يجد أفضل من الجامعة وفي الجامعة لم يجد أجمل من التاريخ.
كان له، هو أيضاً، نصيب من الأدوار التاريخية. يروي: كان مختار ولد داده محامي أعمالي في السنغال. فلما استقلت موريتانيا وأصبح رئيساً عليها، قررت الدول العربية، بناء لطلب من المغرب، عدم الاعتراف بها واعتبارها جزءاً من المغرب. واستعان ولد داده بموكله السابق وصديقه حكمت قصير. وقال له، إذا استطعنا إقناع جمال عبد الناصر بالاعتراف، يتغير الأمر.
جاء حكمت قصير إلى القاهرة والتقى وزير الإرشاد، محمد فايق. وأطلعه على مهمته. وقال له فايق، «لا أستطيع أن أعد بشيء. لكنني سأضع طلب الموعد على طاولة الرئيس». وفوجئ في اليوم التالي بتحديد موعد في الغد، الثامنة مساء، في منزل الرئيس. كان في انتظاره سامي شرف، مدير مكتب عبد الناصر، ومحمد فايق. وقاده فايق إلى غرفة الاستقبال وهو يحذره: تحدث في كل شيء، إلا موضوع موريتانيا. ثم تركه وحيداً وخرج.
بعد دقائق دخل عبد الناصر. رحَّب بالضيف بإيجاز ثم قال له مباشرة «ماذا يريد منا صاحبك ولد داده؟». وردَّ الزائر: «لعل ما يريده صعب، سيادتك، وما عليَّ سوى البلاغ. انه يطلب اعتراف مصر بالجمهورية الجديدة، لأنها إذا اعترفت تبعها العالم العربي».
وفوجئ قصير بالرئيس المصري يقول له: «أنا جاهز للاعتراف. قل للمختار ولد داده أن يرسل إلينا وفداً رسمياً للتحادث في الأمر»، وقال الوسيط: «لكن كيف نؤمن تأشيرات للوفد ومصر لا تعترف بالدولة الجديدة». رد رئيس مصر: «تعالوا في طائرة خاصة. وتعال أنت معاهم. وسوف يكون محمد فايق في استقبالكم في المطار».
ولاحظ عبد الناصر أمارات المفاجأة على وجه الضيف فقال له: «دعني أقول لك السر. لقد انفصلت سورية عن مصر قبل عشرين يوماً. وهذا أكد لي أن الوحدة لا يمكن أن تفرض على الناس من القمة. إما أن تنبع من القاعدة وإما بلاها. والحسن الثاني لا يستطيع أن يفرض وحدة من فوق».
للقراءة من المصدر الأصل اضغط هنا