عند ما يتحدث الوزير الأول عن وجود فساد و مفسدين داخل مؤسسات الدولة لا زالوا يمارسون فسادهم وإفسادهم، يديرون الشأن العام ولا يأبهون بتعليمات الحكومة ولا ينسجمون مع التوجه العام للدولة، في حديث ينقل عبر وسائل الإعلام، فهذه مبادرة تقدمية تعبر عن انفتاح، وأسلوب حكامة عصري، وشفافية في التعاطي مع المشاكل الكبرى التي تواجه البلد، لكنها بالمقابل تبعث علي الخوف وترسل رسائل مقلقة عن مدى قوة من يقصدهم معالي الوزير الأول ببعض المسئولين غير المسئولين، وعن سبب بقائهم في مناصبهم، هل هؤلاء فوق سلطة الحكومة؟ ولماذا التلميح؟ لماذا لا يسمون بأسمائهم أو أسماء وزاراتهم أو مؤسساتهم؟ فإذا كان احتفاظ أحد المسئولين بموظف من أقاربه يكلف البلد، كما أشار معاليه، فالاحتفاظ بمثل هؤلاء يكلف البلد أكثر ويشوه سمعة نظامه السياسي والاجتماعي ، فمن بين أهم الأولويات التي أعلنها الرئيس محمد ولد عبد العزيز في برامجه الانتخابية الحرب علي الإرهاب والحرب علي الفساد وكان حاسما وحازما في حربه علي الإرهاب، وكانت السياسات الأمنية التي انتهجها ناجحة وناجعة في القضاء علي هذا التحدي الكبير القادم من وراء الحدود رغم التشكيك والتخوين من معارضيه آنذاك، واستطاع كسب المعركة، التي أدارها بنفسه، بامتياز بشهادة العدو قبل الصديق، غير أن حرب الحكومة علي الفساد تبدو عملية طويلة ومعقدة، ولن تحسم قريبا ربما لأن الحجم الحقيقي لهذه الظاهرة أكبر من ما كان يتصور، أو ربما لأن المفسدين و"تياب" المفسدين في بلادنا يمتلكون مهارات تنكرية تفوق بكثير الاستراتيجيات النظرية لمحاربة الفساد أو إمكانيات وحيز الحكومة.
لقد أصبح الفساد أكبر عائق أمام التطور الاقتصادي والديمقراطي في دول العالم بصورة عامة و العالم الثالث بصورة خاصة، وشكل ظاهرة كونية تعاني منها جميع الدول والمجتمعات بدرجات متفاوته، إذ لا يوجد ذلك المجتمع الفاضل الذي يخلو من الفساد والمفسدين، ولم تعد هذه الظاهرة شأنا حكوميا فقط بل أصبحت مشكلة مجتميعة، نتيجة تأثيراته السلبية علي جوانب متعددة داخل المجتمع فهو يشكل عائقا كبير أمام جهود التنمية البشرية ويهدد الأسس والقيم التي تقوم عليها الثقافة الإنسانية ويلتهم ثروات الدول ويعيق الاستثمار ويخفض نوعية الخدمات العامة الأساسية ويضعف ثقة المواطن بالدولة ويعطل حكم القانون ولعل من أخطر ما ينتج عن ممارسات الفساد بأشكاله (الفساد الكبير والفساد الصغير) هو الخلل الذي يصيب أخلاقيات العمل وقيم المجتمع مما يؤدي إلي شيوع حالة فكرية لدي الأفراد تبرر الفساد وتجد له من الذرائع ما يبرر استمراره ويساعد في اتساع نطاقه وهذا ما يجعل من تكاثف جهود الجميع أمرا ضروريا لأن محاربة الفساد قضية مجتمع تتجاوز المعارضة والحكومة والهيئات المتخصصة وأجهزة الرقابة والتفتيش لتكون عملية جماعية شاملة يضطلع بها الجميع، فا لقضاء على الفساد يتطلب أبعادا دينية وأخلاقية و ثقافية تبين مخاطره السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتنشر الوعي بتكاليفه الباهظة علي الوطن والمواطن، و رأيا عاما نشطا وواعيا يتابع الأحداث، ويهتم بالكشف عن حالات الفساد ويسمي المفسدين بأسمائهم الثلاثية دون خوف، كما يتطلب إشراك مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، وإعطاء الحرية للصحافة وتمكينها من الوصول إلى المعلومات ومنح الحصانة للصحفيين للقيام بدورهم في نشر المعلومات التي تكشف عن قضايا الفساد ومرتكبيها ورفع السرية عن نتائج التحقيق والتفتيش التي تقوم بها أجهزة الدولة المتخصصة.
بقلم خالد ولد عبداوه