الي من يريد ان يفهم بواسطة حكاية من الواقع المعاش قصة شعب حكم عليه ، في غفلة من التاريخ، ان يلقي علي الهامش بخيرة أبناءه الذين أبدوا في طفولتهم مؤشرات النجاح .. و ان يقتل طموحهم الثاقب في مهده انصح بقراءة مذكرات المعلم ، رغم رغبته ، الاستاذ و الناشط الحقوقي أصنيب الكوري ابراهيم.
.. في هذه الحكاية التي تم سردها بنبرة تستدعي التناوب السلس بين البسمات و الدموع و التي تدعو بداياتها القارئ الي انتظار توقف الصب من الحاشية . الخالي من الحشو .. لسيل الذكريات الدقيقة ..جملة وتفصيلا .. في نهاية المطاف ،..بمستنقع الحياة اليومية للأغلبية المغلوبة علي أمرها من المورتانيين .. تتجلي صورة مورتانيا الأعماق وتتلخص بجلاء الهموم اليومية لمعظم المواطنين ..
في هذه الحكاية الممتعة تدرك كيفت صارت صناعة الفشل من أبرز ملامح التطور الصناعي في بلد عجز ان يصنع علبة من اعواد الكبريت ( علمت ) و تري بوضوح كيف تحول النظام التعليمي العمومي المراد له أصلا ان يكون بوتقة لانسجام ابناء الجمهورية تحت شعار الشرف والأخوة والعدالة الي أداة قتل للتطلعات المشروعة و تفهم بسهولة كيف لمن يأمل ان يكون محاميا بارزا او ضابطا متميزا او أستاذا جامعيا محترما او مهندسا مبدعا الي غير ذلك من المهن النخبوية التي تمارسها علية الشعوب ..في البلدان الاخري ..ان يجد نفسه مرغوما علي ممارسة مهنة " كل ش " التي قادت المعلم .. بعد تقزيمه المبرمج .. الي ان يكون في وقته الضائع أصلا وفصلا. صعلوكا من طراز خاص يجمع بين مهنة الصحافة ( التي صارت تعرف بالبشمركًة في ظلم لها و بظلم لغوي للبشمركًة انفسهم ) و بين البيع في سوق " نقطة ساخنة " .. كما تقف لا محالة في قراءة الحكاية حائرا امام طوفان التواطي الاجتماعي مع احتقار انبل مهنة في تاريخ المهن ظل صاحبها الي وقت قريب يستدعي الوقوف إجلالا له تحت شعار. ًقم للمعلم وفه التبجيلا ....... كاد المعلم أن يكون رسولا" …
يحكي الكتاب في محطاته المختلفة م التي قادت صاحبه الي العمل الميداني في التجمعات الحضرية والقروية المعزولة وعلي وجه الخصوص في القري المعروفة "بادوابي " حيث ارتبط الفقر بالحرمان من التعليم و حيث تم اختطاف . ايام الاستعمار الفرنسي .. لطفل سيصبح فيما بعد رييسا للجمعية الوطنية. بغية إجباره علي التمدرس بدل نجل سيده الإقطاعي المتخلف .
. انها بالجملة قصة حرطاني مورتاني. أصيل و نبيل وطني في طرحه . من ابناء مدينة الاكً التي تم تشيدها علي مبدأ الحرية للارقاء السابقين. ثم للجميع.. و التي جعل منها أهلها بمختلف أصولهم العرقية والفئوية لوحة بديعة من مورتانيا كما نريدها .. يقدم من خلالها بصدق ملحوظ وبأسلوب خالي من الحقد و من الميل الي تصفية الحسابات و الي غير ذلك من المزايدات والمغالطات التي يلجأ إليها عادة المتاجرون بآلام البؤساء شهادة رابعة عن هموم الاهالي و طرحا عقلانيا لمشاكل الوطن ..من خلال معضلة التعليم العمومي و اشكاليتها المتعددة : ظروف المعلم. اكتتاب المعلمين. وتفريغهم و تحويلهم . فتح المدارس التي بقيت حبرا علي ورق .التسرب و .. الفشل المدرسي المحتوم. . ومن وراي ذلك الفشل تلوح كارثة الفشل الجماعي الذي حول الديمقراطية من مطلب يدخل في سياق متطلبات الحكامة الرشيدة الي لعنة تاريخية حطمت بقية أخلاق من دولة القانون حيث صار العمل السياسي مناسبة للتحايل علي الحقوق و لعبث الأيادي الطويلة بمسطرة السلوك المدني المتحضر .. كما تفوح منه رايحة تأثير جمع المال .. الذي لا رايحة له ..علي العقليات تمشيا مع مبدأ "عند البطون تذهب العقول"...و هنالك تجدر الاشارة الي ان الكاتب يعترف ،،ر غم ما تعرض له من النكبات. بنزاهة فكرية لافتة ..بضلوعه في المستنقع الذي لم يسلم منه الا من رحم ربك..
و رغم كل ما تعرض له في محنته كمعلم محكوم عليه بالتهميش و رغم ما شاهد من ظلم و من فظائع مخجلة لمرتكبيها و حتي لغيرهم ( نسال الله العفو براءة منها ) بقي الكاتب الذي استحي ( والحياء من الايمان ) من ذكر اسماء أشخاص و مجموعات قبيلية بعينها متعلقا في اسلوبه الراقي بفكرة الوطن ..فالوطن .. فوق كل اعتبار . حاضر في ذهن الراوي من البداية الي النهاية و باسمه قرر ان يكتب و ان يتكلم عن ما راي ..و من خلال ذكره للوطن و من ذكرياته الوطنية .. تذكرت من حكاية اوردها عن أخيه من الأم الاستاذ المتميز سيد ولد جابر رحمه الله أنني سمعت في نهاية السبعينيات عن اجتماع تأسيسي لحركة أخوك الحرطاني في مدينية اطار كما سمعت حينها ان من ضمن منظمي الاجتماع المذكور يوجد احد اكبر الأساتذة الذين اشتهروا في مجال تدريس الرياضيات .. الاستاذ ولد جابر علما الذي توفي رحمه الله بعد ذلك بفترة قصيرة في تونس حيث دهسته سيارة علي حاشية الطريق ...والاهم انني عرفت .من خلال هذه الذكريات المؤثرة ما كنت اعرفه مسبقا عن الروح الوطنية. . التي تسكن العديد من ابناء مورتانيا. من كل الفئات الاجتماعية .. و التي تجعلهم يتحدثون عن واقع البلد بحس من لا يريد له الا. الخير. و ما ينفع الناس ..
من صفحة الأستاذ عبد القادر ولد احمدو على الفيس بوك