هَدِيَّة عِيدٍ "حَزِينَة" !!

سبت, 2016-09-24 19:58
محمد ولد سيدناعمر ..كاتب صحفي

ما إن غازلت أشعة الشمس الفضاء الفسيح، وانطلق القطيع نحو مراعِ يكسوها العشب النَدِيّ متفائلا بيوم جديد، حتى تسللت تحت القَتاَم الذي خلفته الماشية وهي تَدُوسُ الأرض بأظلافها وأمسكت به وسط  الجلبة والثغاء وهو يسير جنب أمه؛ وما هي إلا لحظات حتى كان داخل خنشة معلقا فوق سيارة رباعية الدفع تسير بسرعة فائقة في اتجاه مدينة (ألاك) حيث سَتُقِلُّناَ أخرى إلى العاصمة انواكشوط.

كنْتُ أسترق النظر إليه من حين لآخر أثناء الرحلة وهو المفجوع بمفارقة مرابعه بسهولها الممتدة الخضلة؛ ومياه غدرانها العذبة الرقراقة.

كانت نظراته الكليلة الزائغة تُفْصِحُ عن عمق الحزن الذي يعتمل داخله..و السيارة التي تُقِلّنا تنهب الأرض نهبا، وما هي إلا ساعة تزيد قليلا حتى توقفت في قلب سوق عاصمة لبراكنة.

كان يوما قائظا، والسوق مزدحمة بالمتبضعينن والطريق مسدودة بسبب الزحمة الخانقة وبين الفينة والأخرى يسأل أحدهم عن الثمن الذي نطلبه في نزيل الخنشة البيضاء المعلقة فنرد أنه ليس للبيع.

كان الخروف يقلب نظراته الحائرة في المارة والسيارات وبيوت المدينة الحجرية وأزقتها الضيقة المتعرجة مشاهد لم  يألفها من قبل ويصيح بصوت مبحوح حزين ربما لو وجد مترجما للغة الحيوانات لكان  ما يقول حرفيا  ا "أعيدوني إلى موطني".

انفسح الطريق أمام سيارتنا ووصلت إلى الوجهة التي كانت تيممها.

 نزلنا لِنَسْتَقِلَّ التي كانت في انتظارنا، وُضِعَ الخروف الذي أُجْبِرَ على الهجرة إلى المدينة داخل الباب الخلفي للسيارة وأحكم إغلاقه عليه.

وانطلقنا نُغِذُّ السير صوب العاصمة حيث محطة النهاية، كان الخروف يرمق ببصره ـوالحسرة بادية عليه ـ من زجاج النوافذ  قطعان الأبقار والأغنام وهي تسرح في الفضاءات اللامتناهية ويندب حظه العاثر.

لم يَدُرْ بخلد الخروف المسكين أن الميكانيكي السنغالي " خاليدو كي"  ينتظره بفارغ الصبر ليلاعب صبيته في منزلهم الضيقة بمقاطعة السبخة .

أثناء الطريق اتصل بي أكثر من مرة يسـألني أين أنتم؟ بعد ما أخبرته أني جلبت له هدية سَتَسُرُّ صغاره كثيرا.

استقبلنا عند ملتقى (كارفور)  قادما إلينا من مرآبه بمقاطعة لكصر وهو يلبس ملا بس عمله الدَّسِمَةِ التي تشبه إلى حد كبير ما يرتديه "الجزارون" الذين ربما يحتفظ الخروف في ذاكرته الطرية بصورة لهم  من خلال ما كانت تحكي له جدته من قصص مؤلمة عن المجازر التي ارتكبوها ضِدَّ بني جلدته.

سُرَّ " خالدوا" بالهدية كثيرا، وقال إن صغاره ينتظرونها  بلهفة شديدة، ووعدني بأن الخروف سيجد العناية اللازمة، وسيرضعه بنفسه "مسحوق الحليب" حتى يَشْتدَّ لين عِظاَمِه ويصبح قادرا على أكل بقايا الطعام ومناطحة أقرانه؛ وسيعتني الأطفال بتنظيفه بالماء والصابون يوميا حتى يحين موعد شَحْذِ المُدْيَةِ لتقديمه قُرْبَانا في عيد الأضحى المقبل.

ما أقسى أن تفارق القطيع والمروج التي ألفتها.. وتعيش تحت سُلَّمِ منزل ضيق متواضع يَنْخَرُ الملح جدرانه.. وتصبح لعبة يتلهى بها الصغار..في انتظار الموت الزُّؤام .. والْأَمَرُّ من ذلك كله أن تقدم هدية لمن تُحِبْ وتظل بعدها تشعر بحسرة تتجدد كلما سَحَّ المَطَرْ واخضَرَّ العُشْبُ  وَالشَّجَرْ.. وسمعت ثغاء خروف يكسر الصمت.

محمد ولد سيدناعمر ..كاتب صحفي