تردد مؤخراً اسم تمبكتو في وسائل الإعلام العالمية في خبرين منفصلين، أحدهما عن محاكمة الفقي المهدي قائد مجموعة مسلحة هدمت أضرحة ومزارات إبان خضوع المدينة لسلطة مسلحين يعلنون الولاء لتنظيم القاعدة، والثاني عن اختيار فيلم "تمبكتو" للمخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساغو ضمن قائمة أفضل100 فيلم في القرن الحادي والعشرين.
وإن كان الخبران منفصلين ظاهرياً، إلا أنهما يجتمعان في ارتباطهما بحقبة زمنية واحدة، فالفيلم يتناول واقع المدينة وسكانها إبان فترة سيطرة الفقي ورفاقه عليها، كما أنهما يظهران بوضوح الزاوية التي ينظر بها الغرب للمدينة العريقة التي ورد ذكرها في أغلب كتب الرحلات والتاريخ.
تمبكتو من منظور الإعلام الغربي مدينة أثرية تقع وسط الصحراء الكبرى، تضم أضرحة وقبوراً بنيت من الطين مع بعض المعالم الأثرية التي تجذب هواة السفر والمغامرين وبعضًا من علماء الآثار، بينما ترسخ اسمها في السينما العالمية كمدينة غامضة، بعيدة يسكنها الطوارق الملثمون.
اهتم العالم بمحاكمة الفقي المهدي في لاهاي، وتصدرت صوره الصفحات الأولى في الصحف والمواقع العالمية، بعد أن اعترف بالتهم الموجهة إليه بتدمير أضرحة وأماكن أثرية تصنف ضمن قائمة اليونيسكو للتراث العالمي، وهو ما يمثل انتصاراً جديداً للحملة الغربية التي قادتها فرنسا قبل عامين لتحرير المدينة من المجموعات المسلحة التي حاول المخرج الموريتاني سيساغو تصويرها وفقاً للرؤية الغربية لما كان يجري في المدينة خلال تلك الفترة، دون الخوض في أي مواضيع أخرى قد تساعد في فهم تاريخ تمبكتو وخصوصيتها.
ولم يتطرق الفيلم، الذي أخرجه عربي ومولته مؤسسة عربية، إلى ما تحويه بيوت سكان تمبكتو من مخطوطات ثمينة تعرضت للتلف والضياع، وهي مخطوطات تصل إلى نحو مليون مصنف، كتب أغلبها باللغة العربية، وتوارثها أهل البلدة خلال قرون متعاقبة، تضم كتباً نادرة وعقوداً واتفاقيات هامة ضاع بعضها بسبب الإهمال والسرقة، ولم تجد هذه الكنوز الموءودة من يوليها اهتماماً من الدول العربية والجمعيات الخيرية الإسلامية.
ولعل من المفارقات أن جنوب أفريقيا تعتبر الممول الأول لمشروع محلي لترميم المخطوطات العربية والإسلامية، بينما كشفت تقارير إخبارية قبل فترة، أن بلداً عربياً كان الممول الرئيس للحملة العسكرية الفرنسية، التي تسببت صواريخها في تدمير واحدة من أهم المكتبات بالمدينة، واحتراق عدد كبير من المخطوطات التي تصنف كنوزاً معرفية لا تقدر بثمن.
ويحق لنا هنا أن نتساءل عن سبب التقاعس العربي في انتشال مخطوطات تبمكتو من الضياع، وإهمال الباحثين والمختصين العرب لهذه المدينة التي قيل إن بعض مكتباتها تضم نسخاً نادرة من مقدمة ابن خلدون، ووثائق سياسية تاريخية يمكن أن يستعان بها في حل خلافات لا تزال تؤثر على علاقات بعض بلدان المنطقة.
ولماذا لا يتم ابتعاث مجموعات من الطلبة الجامعيين العرب لإعداد بحوث عن هذه المخطوطات وتحقيقها وطباعتها، بدلاً من الاعتماد على ما ينشره المستشرقون والمراكز البحثية عن تاريخنا الذي أهملناه تحت الرمال؟!
للقراءة من المصدر اضغط هنا