تاريخ الاعتداءات على الكعبة المشرفة من عام الفيل إلى اليوم ..

أربعاء, 2016-09-14 19:00

تعرضت الكعبة مركز الحج، أحد الشعائر الدينية الرئيسية عند المسلمين لأربعة اعتداءات حسب المؤرخين المسلمين، منها واحد حديث العهد نسبيا في القرن الماضي، فيما يلي نبذة عن هذه الاعتداءات وأسبابها وفق التسلسل الزمني.

عام الفيل

أول الاعتداءات على الكعبة قبلة المسلمين حسب التأريخ الإسلامي وقع فيما تسميه المراجع الإسلامية "الفترة الجاهلية" في العام الذي اصطلح المؤرخون الميالون لكتابة تاريخ المنطقة وفق المنظور الإسلامي بـ "عام الفيل" والذي هناك اختلاف على تحديده بشكل دقيق، فبعض المؤرخين المسلمين يعتقدون بأن "عام الفيل" هو نفس عام ولادة الرسول محمد والذي قدر على أنه العام 570 ميلادية، فيما يعتقد باحثون آخرون أن هجوم أبرهة الحبشي حدث بين عامي 568 و 569 ميلادية.

وسمي العام بهذا الاسم نسبة إلى الحادثة التي وقعت في ذاك العام عندما حاول أبرهة الحبشي من مملكة أكسوم (الحبشة) والذي كان يحكم اليمن آنذاك المعروف تدمير الكعبة ليجبر العرب وقريش على الذهاب إلى "القليس" التي بناها، وتعني "كلمة القليس" بالحميرية التي كانت سائدة في اليمن آنذاك "المعبد أو الكنيسة". ولكن العرب لم يهتموا بـ "قليس" أبرهة.

وتفيد بعد المصادر، أن السبب المباشر لهجوم أبرهة على الكعبة هو استهتار العرب بـ "قليس" أبرهة حتى أن قام أحدهم بقضاء حاجته فيه مما أغضب أبرهة الحبشي، فجهز جيشا كبيرا ضم في صفوفه فيلة لم يكن للعرب آن ذاك خبرة في التعامل معها، فغادر أهل مكة المدينة وفروا إلى الشعاب المحيطة بمكة.

وحسب مرويات إسلامية لم تدافع قريش عن مكة والكعبة، إذ تفيد مصادر إسلامية أن نوقا لعبد المطلب جد الرسول محمد، وقعت بيد أبرهة الحبشي في طريقه إلى مكة، فذهب عبد المطلب إلى أبرهة مطالبا بقطيع الجمال الخاص به، فسأله أبرهة مستغربا كيف يطالب الإبل ويترك البيت الذي جاء أبرهة لهدمه، فرد عليه جد الرسول "أنا رب الإبل، وإن للبيت ربا يحميه"، وتضيف النصوص الإسلامية أن أحد قادة العرب "وثب إلى الفيل فمسح عليه وقال له: أبرك يا محمود وارجع راشدا من حيث أتيت فإنك في بيت الله الحرام" فبرك الفيل الذي يدعى ورفض الحركة، وعندما استطاع الأحباش إجباره على المسير رفض المسير باتجاه الكعبة.

ويقول النص القرآني إن طيورا غريبة هاجمت جيش أبرهة الحبشي ورمته بـ "حجارة من سجيل" أجبرته ومقاتليه على الفرار، إذ تقول الأدبيات الإسلامية "وإذ هم في انشغالهم حتى خرجت طيور من البحر تحمل ثلاث حجارة، واحدة في مناقيرهم واثنتان في أرجلهم أصابت جميع الجيش فحاولوا الفرار".

خلاف الخليفة وحاكم مكة يهدم الكعبة

أما التهديد الثاني والجدي الذي تعرضت له الكعبة وأدى إلى تدمير أجزاء منها فكان في عهد عبد الملك بن مروان عندما أراد الخليفة عبد الملك التخلص من عبد الله بن الزبير الذي "خلع" عن "أمير المؤمنين" الخلافة أمام المنبر النبوي، فجهز الخليفة في عام 73 للهجرة أي 693 ميلادي جيشاً ضخماً بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي لمنازلة ابن الزبير في مكة، فحاصر الحجاج ابن الزبير في المدينة، لكن الأخير لجأ إلى الكعبة واحتمى بها فقام جيش الحجاج بضرب الكعبة بالمنجنيق فاحترقت وتهدمت أجزاء منها . ويحكى أن الزبير نفسه قام بإعادة بناء الكعبة مرة أخرى.

ورغم أن هناك رواية تفيد بأن من ترأس جيش عبد الملك بن مروان إلى مكة هو مسلم بن عقبة المري فيما سمي بوقعة الحرة، إلا أن الروايتان تتفقان على أن حريقا وقصفا بالمنجنيق دمر الكعبة عندما هاجم جيش عبد الملك بن مروان مكة. وتقول مصادر إن ابن الزبير قام بتوسعتها وبنائها مرة أخرى. وورد ذكر تدمير الكعبة على يد جيش عبد الملك بن مروان في "الطبري"، "قذفوا البيت الحرام بالمنجنيق؛ فاحترقت أجزاء من الكعبة وتهدمت".

القرامطة يستبيحون الحج ويستولون على الحجر الأسود

التهديد الثالث الذي تعرضت له الكعبة، وهو الأكثر جدية وخطورة وامتدادا زمنيا و"الأكبر بعدد القتلى"، كما أنه الأشد أثرا على قريش من الناحية المعنوية والاقتصادية، كان في عام 930 ميلادي، 317 للهجرة، على يد القرامطة وهم فرقة إسلامية كانت تسيطر على ما يعرف بالبحرين اليوم، فقد هاجم القرامطة مكة في موسم الحج، واعتدوا على الحجاج و"استحلوا حرمة البيت الحرام"، فخلعوا باب الكعبة وسلبوا كسوتها وأعملوا النهب والسلب في المدينة وقتلوا حسب مصادر تاريخية سعودية حوالي 30 ألف شخص بين سكان المدينة الأصليين والحجاج، كما حملوا الحجر الأسود ليبقى هناك اثنتين وعشرين سنة قبل أن يعود إلى مكة.

مجموعة مسلحة تهدد الزعامة الدينية والسياسية للأسرة السعودية الحاكمة

أما التهديد الرابع فكان من قبل جماعة إسلامية سعودية متشددة، وحسب الإعلام السعودي فقد ترافق الاعتداء على الكعبة بـ "محاولة لقلب نظام الحكم في المملكة العربية السعودية" وكانت العملية تهديدا فعليا للزعامة الدينية والسياسية السعودية، ففي 20 تشرين الأول 1979 أعلن شخصان هما "محمد عبد الله القحطاني" الذي كان يدعي أنه المهدي المنتظر، وقريبه "جهيمان العتيبي" الموظف في الحرس الوطني السعودي إعلان خلافة إسلامية جديدة "لتصحيح أمور المسلمين".

فبعد صلاة الفجر، دخل جهيمان العتيبي ورفيقه محمد عبد الله القحطاني إلى الحرم المكي، أثناء الحج وأعلنا أمام المصلين ظهور "المهدي"، مطالبين الناس بمبايعة محمد القحطاني؛ باعتباره هو المهدي الواجب اتباعه، في الوقت الذي كان "بين 200 و 400 شخص من أتباع الرجلين" يوصدون أبواب المسجد النبوي ويتحصنون داخله. الأمر الذي أحرج الحكومة السعودية التي بدت مشلولة أمام هذا الاستيلاء المفاجئ على الحرم المكي والكعبة ثاني قبلتي المسلمين.

بدت حينها الحكومة السعودية محرجة، وشبه مشلولة أمام الاستيلاء الفجائي على الحرم المكي، فاستعانت بفتوى خاصة تبيح استخدام القوة في "البيت الحرام"؛ لطرد جهيمان والقحطاني وأتباعهما، لكن محاولات «الحرس الوطني السعودي» باءت جميعها بالفشل في إنجاز المهمة، وقتل 127 شخص، دون تحقيق الهدف.

أمام هذا الفشل العسكري، اضطرت السلطات السعودية، إلى الاستعانة بالقوات الخاصة الفرنسية؛ لكن كان عليها قبل ذلك الحصول على فتوى دينية؛ إذ يحظر على غير المسلمين دخول مكة؛ وتم حل الإشكالية بتنظيم "حفل ديني" أعلن فيه الجنود الفرنسيون المشاركون بالعملية إسلامهم شكليا؛ وتم تحويل القوات الخاصة الفرنسية مؤقتا إلى الإسلام على يد الفقهاء السعوديين الكبار

بعد أسبوعين على الحصار، بدأ صباحا هجوم لقوات مشتركة (فرنسية ـ سعودية) على المتمردين داخل المسجد الذي تتوسطه الكعبة، وبحلول المساء استطاعت القوات الفرنسية ـ السعودية استعادة الموقع وتحرير الرهائن، في معركة تركت وراءها نحو 250 قتيلًا، وقرابة 600 جريح.

خلال المعركة، قتل محمد بن عبد الله القحطاني، مدعي المهدية، في العملية، إلا أن رفيقه جهيمان العتيبي نجا؛ ليحاكم ويعدم لاحقا مع من بقي حيا من جماعته من قبل السلطات السعودية، في التاسع من كانون الثاني ـ يناير1980 بساحات أربع مدن رئيسة في البلاد؛ لتنتهي إحدى الوقائع الأكثر إرباكا للعالم الإسلامي في العصر الحديث.

للقراءة من المصدر اضغط هنا

جهيمان العتيبي