الصور التي تتبادر لأذهان كثيرين عندما يأتي ذكر هجمات الحادي عشر من سبتمبر هي في الغالب صور برجي مركز التجارة العالمي الشاهقين وهما يشتعلان، و طائرة تدك أحد البرجين بسرعة البرق ومشاهد أخرى من مسلسل الرعب الذي عاشه العالم في ذلك الصباح، لكن ذكرى الهجمات تستدعي في ذهني صوراً أخرى مختلفة تمثل الوجه الآخر لذلك اليوم العصيب وتداعياته.
ففي كل ذكرى للهجمات يطل وجه صديقتي المصرية "أمنية" الملفوف بشاش أبيض وهي تنام على سرير بأحد مستشفيات مدينة لاباك بولاية تكساس، وجبهتها الزرقاء التي تخبر الناظر عن المأساة التي عاشتها قبل أن تنطق بكلمة، والمسجد الوحيد في نفس المدينة وقد عاث شباب أمريكيون في كل محتوياته تحطيما و تمزيقا ولم تسلم منهم المصاحف التي نالها الحظ الأوفر من التمزيق وجدرانه التي كتبوا عليها عبارات عنصرية باللون الأحمر القاني قبل أن يلوذوا بالفرار تحت جنح الظلام.
في اليوم التالي للهجمات، اعتدى أمريكي أبيض مسلح بسكين على أمينة بالضرب المبرح وهددها بالقتل في عقر بيتها الذي دخله متسللا حيث كسر زجاج إحدى النوافذ، وتمكن من ربط أمينة التي كانت وحدها في البيت، على كرسي وكمم فمها و عاث فسادا في أثاث البيت مستخدما سكينه وعندما انتهى من مهمته لم يكن في البيت شبر لم يسلم من انتقامه و كان واضحا أنه لم يأت للسرقة فقد شق بضعة مئات من الدولارات كانت مخبأة في إحدى الخزائن ثم غادر.
لم يكن الاعتداء الذي تعرضت له أمينة حادثا معزولا، و إنما واحدا من عشرات الاعتداءات التي تراوحت بين القتل و التهديد ومهاجمة المراكز الإسلامية، فقد سجلت عشرات الاعتداءات ضد العرب و المسلمين وغيرهم من ذوي الملامح الشرق أوسطية في مختلف الولايات الأمريكية خلال الأسابيع التي تلت الهجمات.
لقد أخرجت هجمات الحادي عشر من سبتمبر من المجتمع الأمريكي أسوأ ما فيه، فبات الناس عرضة للاعتداء بسبب لون بشرتهم أو لهجتهم أو تسريحتهم أو حتى بسبب لباسهم الذي يدل على أصلهم، ولم يشفع للضحايا كونهم في مجتمع يفتخر بتمسكه بقيم العدالة وتقبل الآخر.
ولو فكر الأمريكيون قليلا في جرائم الكراهية تلك التي استهدفت العرب و المسلمين لوجدوا جوابا شافيا للسؤال الذي حير بعضهم إثر الهجمات وهو لماذا يكرهوننا.
فقد أدى مقتل حوالي ٣ آلاف شخص في ذلك اليوم العصيب الي موجة كراهية ضد العرب والمسلمين ارتكبت خلالها اعتداءات فظيعة بحق مدنيين أبرياء، وكلها اعتداءات نفذها مدنيون أمريكيون بدافع الكراهية، وعلى المستوى الرسمي كان ذريعة لاحتلال دولتين هما العراق و أفغانستان و قتل عشرات الآلاف من مواطنيهما و تهجير الملايين و تدمير الأحياء والمدن فوق رؤس سكانها. فكيف لا يتوقعون من الآخر أن يكرههم وهم غارقون في دمائه حتى الركب بسبب سياسات دولتهم الخارجية والحروب التي تشنها ضده؟
وبين الإرهاب الغربي ضد العرب والمسلمين بشقيه الشعبي الذي يرتكبه أفراد وأوجد له الإعلام والسلطات الغربية اسما ألطف من الإرهاب هو "جرائم الكراهية"، والرسمي المتمثل في الحروب التي تشنها أمريكا بشكل مباشر أو بالوكالة في دول عديدة من العالم الاسلامي، والإرهاب الشرقي المتمثل في القاعدة وداعش ومشتقاتهما، يظل دور الإعلام حاسما في تقبيح العنف ضد المدنيين أو تسويقه للرأي العام وتحديد العنف الذي يسمى إرهابا، وذاك الذي يسمى تحريرا للشعوب، وتكريس الصورة النمطية التي تصم العرب و الملسمين بالهمجية والتعطش للدماء وكراهية الآخر.
قد تكون أمينة أحسن حظا من غيرها ممن طالهم انتقام أمريكا المجروحة إثر غزوة مانهاتن، فلم تكن من بين الضحايا في بغداد و الفلوجة الذين هدم الطيران الحربي الامريكي بيوتهم فوق رؤوسهم فاختلطت أشلاء الأم وأطفالها تحت الأنقاض، ولم تعاني الذل وامتهان كرامة الإنسان في سجن أبو غريب حيث مارس الجيش الأمريكي أبشع صنوف التعذيب ضد السجناء العراقيين، وهي بالتأكيد أفضل حظا من ذاك الأفغاني المعدم في ضاحية منسية في كابل الذي خطف صاروخ أمريكي تزيد قيمته على مليون دولار روحه ذات مساء مظلم من مساءات الانتقام الأعمى لضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
وأمينة أيضا أفضل حظا من ملايين المهجرين العراقيين والأفغان الذين هاموا على وجوههم بحثا عن بلد يلم شتاتهم بعد أن مزق الانتقام الامريكي بلادهم، فقد جمعت بقايا أغراضها الممزقة ورحلت إلى وطنها حيث الأمن والأهل والأحبة في بلد لم يطله الانتقام الأمريكي، وحفظ الحادث في سجلات الشرطة ضد مجهول تحت اسم "جريمة كراهية".
للقراءة من المصدر اضغط هنا