تنشر "مراسلون" فيما يلي رد رئيس حزب الوئام بيجل ولد هميد على الناشط الإيراوي المقيم في أوروبا ديكو هنون.
وكان ديكو هنون هاجم بشدة كلا من بيجل ولد هميد ومسعود ولد بلخير بسبب ما وصفه بـ"انحيازهما إلى شريحة البيظان على حساب لحراطين" في القضية المعروفة بكزرة ولد بوعماتو.
ولم يكتف هنون بذلك، بل طالب بجلد السياسيين العريقين في ميدان عام.
وقبل أيام قليلة نشر بيجل رده على هنون بالفرنسية على صفحته على الفيسبوك، قبل أن يترجمه إلى العربية.
وهذا نص الرد:
لقد تعهدت للمدعو ديكو هنون بأن أقدم جوابا مفصلا على مقال تهجم علي فيه، وها هو الجواب المذكور.
تهجم المعني بصورة لاذعة على الرئيس مسعود ولد بولخير وعلي أنا شخصيا، واصفا إيانا بـ"السياسيين المزعومين" اللذين عجز عن فهمهما.
ويتهمنا بالسير في فلك "بعض الشوفينيين البيظان الذين يرغبون في تأكيد عروبة الحراطين لتضخيم صفوف السكان العرب - البرابرة الموريتانيين ديموغرافيا".
ويتساءل "لماذا لم يحتج (هذان الديناصوران العربيان) اللذان يدعيان تمثيل الحراطين بالقوة على أعمال العنف التي مورست ضد الحراطين المساكين من قبل الدولة الموريتانية إبان طردهم العنيف من كزرة مستشفى بوعماتو"؟
ويضيف أن "الدولة الموريتانية لم تتردد لحظة واحدة عن صب تلك العائلات كنفايات (امباليط) بشرية على بعد 8 كيلومتر من مدينة انواكشوط دون أن تقدم لها بديلا للسكن وبدون مراحيض".
ويتابع صاحب المقال الهجائي بنفس الوتيرة إلى أن يصل إلى هذه الخلاصة: "أقولها بصراحة، فإن مسعود وبيجل يستحقان الجلد على الساحة العامة. فكم هو مخز وغير إنساني الدور الذي يلعبانه لصالح هؤلاء الأرذال العسكريين. على الموريتانيين أن يقرروا مصيرهم، لقد فاض الكيل فهذا أكثر مما يمكن تحمله، وحان الوقت كي يفهما ذلك بصوت حي ومباشر".
ما يبرز من هذا الخليط "الهنوني" هو إرادته الواضحة في أن يعيد إلى السطح ذلك الجدال التهجمي الذي تشم منه رائحة العنصرية من الدرجة البدائية، والذي راج قبل مدة وكنا نتصور أن العقول تجاوزته. وهذا أمر مقلق! وليست لدي أي رغبة في أن أعيد إلى ذاكرة الموريتانيين والسنغاليين تلك العبارة المشؤومة (لقد فاض الكيل) التي أطلقها وزير سنغالي يومها وكانت لها نتائج مأساوية على المواطنين في كلا البلدين.
أما الدعوة إلى الجلد على الساحة العامة فربما أثارت القلق لو أن صاحبها يتمتع بنفوذ روحاني على أتباعٍ غير شخصه أو له قدرة على تعبئة وتحريض الجماهير. لا أرى أي داع للقلق من هذه الناحية.
لا شك أننا كرجال سياسيين، وبالتالي شخصيات عامة، معرضون للانتقاد، وعلينا أن نهيئ أنفسنا لذلك، ولكن ليس للشتم والتهديد. والملاحظ أن خطاب القدح هذا يتخذ من الأحداث التي صاحبت ترحيل العائلات المذكورة ذريعة لزرع الشقاق وإثارة التوتر في أوساط هذه الشريحة من الشعب الموريتاني في نطاق مؤامرة دائمة.
ويهدف هذا التهويل في سرد الأحداث، مع استخدام عبارات لا تليق بالبشر، إلى تأليب النفوس وتأجيج الغضب. غير أن ذلك يستند عادة إلى بعض الوقائع يتم تضخيمها والتهويل حولها لبلوغ تلك الأغراض، وإلا فإنها تصبح محض افتراء وكذب لأجل التحريض.
وهذا هو الأسلوب الذي استخدمه صاحب المقال في تشويه تام للحقائق وتلفيقها. أولا، الأمر لا يتعلق بعشوائيات أو كزرة، التي تعني بالمفهوم المتداول احتلالا غير قانوني للمجال العام. هذه قطع أرضية تم تقطيعها وتوزيعها منذ زمن طويل، وأصبحت أملاكا شخصية وعليها أسوار إسمنتية. والعائلات التي سكنتها كانت على علم تام بذلك، وطلبت فقط أن تبقى فيها إلى حين الحصول على قطع أرضية. ومؤخرا حصلت على قطع أرضية بالأحياء الجديدة في التوسعة الحضرية لمدينة انواكشوط.
ولعلمكم، فإن عملية الترحيل حصلت وفق اتفاق ثلاثي وقعه ممثلون عن الأسر المعنية وحاكم مقاطعة لكصر وملاك القطع الأرضية، وهؤلاء هم الذين تحملوا نقل العائلات إلى قطعها الجديدة.
والقول بأن الأسر "ألقي بها على مسافة 8 كيلومترات من المدينة، بدون إمكانية للسكن وبدون مراحيض" دليل واضح على تمادي صاحب المقال في تشويه الحقيقة للحصول على مفعول التهويل والتحريض. كيف لأحد منا أن يعرف أين تنتهي حدود انواكشوط حتى يعطي المسافة منها بهذه الدقة؟ كيف ننفي إمكانية السكن التي منحت لهذه العائلات بعد أن حصلت على ملكية قطع أرضية لتبني، حسب قدرتها، مساكن لن تكون، على أي حال، أدنى مستوى من تلك التي كانت فيها. بدون مراحيض يقول السيد "هنون"؟ ما نوعية تلك المراحيض التي توفرت لها حيث كانت تسكن؟
ما أغرب هذا النوع من الدعم والمناصرة الذي يطالب صاحبه بأن تبقي تلك العائلات متراكمة في أكواخ قذرة على أرض يملكها الغير، بدل أن تحصل على مساحة أرضية لها ملكيتها لتبني فيها ما أمكنها.
أما بخصوص أعمال العنف التي حصلت في عين المكان، فقد نتجت عن مواجهة بين الشرطة المكلفة بمراقبة العملية ومجموعة من الشباب تم تحريضهم ودفعهم لمهاجمتها. وقد شاهد الناس الصور التي بثت على الانترنت، بما فيها تلك التي يظهر فيها أحد الناشطين وهو يرتدي لباس أحد وكلاء الشرطة جرد منه.
من المعروف عن كوبلس، الوزير المكلف بالدعاية في نظام هيتلر، نظرية مفادها أن من داوم على تكرار شيء ما، حتى ولو كان حماقة، فإن الناس يقبلون به في النهاية. وهذه هي الطريقة التي يستخدمها ديكو وإخوانه لتضليل العقول الساذجة ومغالطة الرأي العام الدولي عبر بث المعلومات الكاذبة.
لكن كوبلس آل به الأمر إلى المصير المأساوي الذي تعرفون، حيث انتحر مع جميع أفراد عائلته. بينما تقول حكمتنا الشعبية: كذبة وحدة تمل مزود وثنتين ما إدير فيه شي.
لقد قمت بزيارة تلك العائلات حيث كانت، صحبة وفد من أعضاء حزب الوئام، يضم على الخصوص المفوض لي مامدو. واطلعنا عن قرب، وليس من ضواحي باريس، على حقيقة الظروف التي كانت تعاني منها، من هشاشة وازدحام وبراغيث وغياب لأبسط مقومات الصحة.
إلا أن النظام الذي ينطبق علينا هو نظام حزب لا نظام منظمة إنسانية غير حكومية ولا نظام منظمة لحقوق الإنسان. لذلك، لا ينتظر منا أن نتدخل في مكان الأحداث. لو أن أحدا اعتدى على تلك العائلات في حقوقها؛ لأصدر الحزب بيانا علنيا يعبر فيه عن موقفه. لكن ذلك لم يحدث.
ما يهمني هنا هو إعطاء الحقيقة كما هي، وإظهار ما يمكن أن يذهب إليه ذوو النوايا السيئة في تحريف الوقائع والتحريض لبث الشقاق في هذه الشريحة من السكان، بهدف إضعاف قدرتها على التحول إلى قوة حقيقية في التقدم الاقتصادي والانسجام الاجتماعي لموريتانيا.
فيما سوى ذلك، أنا لا أدعي أنني الممثل، المفروض أم لا، للحراطين في موريتانيا ولا أحد عينني بتلك الصفة. إذا كانت قد لصقت بشخصي صورة رمزية للكفاح ضد العبودية مثل باقي المناضلين الأوائل في حركة الحر، ذلك لأننا وقفنا، في وقت حاسم من تاريخنا، لفضح ممارسة الرق في بلادنا. لم نرفع فقط صغير أصابعنا كما يطالب ديكو، بل رفعنا عاليا راية الانعتاق ودفعنا التضحيات الضرورية.
إن نظرتي للأمور أن ممارسة الرق قد انتهت قانونيا. وبقيت رواسبها، وستبقى لزمن أطول إذا ما أخذنا في الحسبان ما قاله سفير الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا لمجموعة من الضيوف، بأن رواسب العبودية ما زالت قائمة حتى بعد 150 سنة من إلغائها في تلك الدولة العظمى.
ولماذا لا يطرح السؤال على المؤرخين الفرنسيين: كم مر على بلادهم من الزمن ليتغلبوا على رواسب العبودية، بعد أن قاد فكتور شولشير قرار اتخاذ المرسوم القاضي بإلغاء العبودية سنة 1848؟
من وجهة نظري، فإن أفضل وسيلة لمواجهة هذه الرواسب تكمن في مكافحتها عبر الأشكال التي تتناسب مع تطور الأوضاع، وذلك بتشجيع الإقبال على التعلم في أوساط هذه الشريحة من الشعب وإدماجها في النشاطات الاقتصادية والاجتماعية.
وأريد أن أؤكد أن الدور النضالي الذي قمت به في زمنه؛ لا يبرر إطلاقا ولا يسعى للمطالبة بأي حق لتمثيل الحراطين، أو البيظان الخظر كما أفضل أن أسميهم. في الواقع من أمثلهم اليوم هم المواطنون الذين انتخبوني نائبا في الجمعية الوطنية وأولئك الذين انتخبوني عمدة لبلدية اندياكو، سواء كانوا بيظانا خظر أو بيظانا بيظ أو بولار أو سونكي أو وولف.
ويمكنني أن أقول كذلك إنني أمثل إلى حد ما، معنويا وسياسيا، المواطنين الذين وضعوا ثقتهم في حزب الوئام الذي أرأسه والذي حاز 10 نواب في الجمعية الوطنية و 12 من عمد البلديات و 600 مستشار بلدي تم انتخابهم في مختلف الدوائر الانتخابية ويمثلون جميع المكونات العرقية والاجتماعية للشعب الموريتاني.
إننا في حزب الوئام نسعى إلى تمثيل وطني ونسهر عليه. وبرنامجنا السياسي يعكس ذلك التوجه وخطط عملنا منصبة، على وجه الخصوص، نحو العمل من اجل العدالة الاجتماعية وتساوي الفرص أمام جميع المواطنين. كما يولي عناية خاصة للفئات الأكثر احتياجا.
أما فيما يتعلق بمسألة انتماء البيظان الخظر لمجموعة البيظان عموما، فإن مواقفي معروفة وذلك منذ محاكمة مناضلي حركة الحر أمام القضاء سنة 1979. وتستند هذه المواقف إلى البوتقة الثقافية التي انصهر فيها على مر العصور مصير هذه المجموعة والتي حددت، بوقع الثقافة، هوية أفرادها.
وقد أسهم مواطننا وايكا عبدلاي بدراسة مفيدة بخصوص تشكيل المجتمع الموريتاني عبر التاريخ.
وإذا كان لي أن أناقش هذه المسألة الجوهرية فلن يكون ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولن يكون بالتأكيد مع شخص يبدو مضطربا ولا أعرفه، ولا ينبعث من مقاله المتهافت أي التزام صادق وكلي لخدمة قضية الحراطين.
الرئيس بيجل ولد هميد