المجتمع الموريتاني، الذي يصفه علماء الاجتماع بالبدوي، تأثّر بالثورة الرقميّة بدرجة كبيرة.وساهم الإنترنت في انفتاحه على العالم.
يقرأ أحمد ولد سيدي بابا الرسائل على تطبيق "واتساب" وبريده الإلكتروني والموقع الذي أنشأه لتسهيل تجارة بيع الملابس والأواني التقليدية، التي لا يستغني الموريتانيون عنها مهما تأثّروا بالحداثة، وعادة ما يحرصون على شرائها. يحدّد أولويّاته بحسب الرسائل، التي تصله من زبائنه في مختلف مناطق البلاد، عدا عن المغتربين الراغبين في شراء هذه الملابس والأواني التقليدية.
ندرة هذه الصناعات في الوقت الحالي تجعل كل قطعة كنزاً في نظر البعض. أحمد، الذي تزيد خبرته في مجال صناعة الأواني التقليدية عن 24 عاماً يستغلّ هذا الأمر لرفع أسعار بضاعته. يشير إلى أنه لو لم يكن يسوّق منتجاته على شبكة الإنترنت، لما تمكّن من توسيع تجارته. يوضح أن المحال التجارية لا تؤمّن ما يؤمّنه البيع من خلال الإنترنت، لافتاً إلى أن أسعار بعض التحف تعدّ مرتفعة. وما يبيعه يجذب زبائن محدّدين تمكن من العثور عليهم من خلال الإنترنت. ويلفت إلى أن الزبون يستطيع معاينة البضائع ودفع سعرها من خلال الإنترنت، ليحصل عليها بعد لحظات أو أيام بحسب مكان تواجده.
وشهدت تجارة أحمد رواجاً كبيراً وتضاعف رأس ماله خلال فترة وجيزة. ومن خلال تفاعله مع الزبائن عبر "واتساب" وعرض بضائعه على الإنترنت، نجح في تحقيق انتشار كبير لم يحقّقه محله. هكذا، كان للإنترنت والتقنيات الحديثة تأثير إيجابي عليه، حاله حال تجار آخرين ضاعفوا أرباحهم أيضاً من خلال تسويق تجارتهم إلكترونياً.
كذلك، وجد العديد من الشباب العاطلين عن العمل فرصاً في عدد من المواقع الإلكترونية. أما النساء ربات المنازل، فقد اهتمت بعضهن بترويج أعمالهن على مواقع خاصة من منازلهن، ومن دون الاضطرار إلى الخروج.
وتخلّص المهاجرون من عبء المكالمات الهاتفية باهظة الثمن، واستطاعوا التواصل بالصوت والصورة مع أهلهم مجاناً واستفادوا من خدمات التحويل السريع للأموال، التي اصبحت فروعها أكثر انتشاراً من المصارف في موريتانيا. وتساهم هذه في نقل الأموال من المغتربين إلى أهلهم بسرعة، خصوصاً في البلدات والقرى، التي لا يوجد فيها فروع مصرفية، إلا أنها تضم خدمات التحويل السريع للأموال.
واستخدم موريتانيّون الإنترنت للتعلّم والتثقيف، وكان فرصة لانفتاحهم على باقي الشعوب ومعرفة ما يجري في العالم من حولهم. انفتاحٌ لم يكن سهلاً في المجتمع الموريتاني، وقد شكّل صدمة في بلد يعدّ بدوياً ومنغلقاً كما يصفه علماء الاجتماع.
وساهم الإنترنت بشكل كبير في رفع درجة الوعي بالحقوق لدى الموريتانيين. ووجد كثيرون في بعض المواقع وسيلة للتعبير عن آرائهم السياسية والدفاع عن القضايا التي يؤمنون بأحقيّتها.
من جهة أخرى، لجأ البعض إلى التعارف من خلال هذه الوسائل، والذي عادة ما كان يحدث وفق ضوابط محددة وفي المجالس الاجتماعية. هذه الوسائل ساهمت في تعزيز الروابط بين الناس، الذين ينتمون إلى مختلف المناطق أو البلدان. كذلك، كانت فرصة لدى البعض لإعادة التواصل مع أصدقاء قدامى. من جهة أخرى، تحول المدونون إلى قادة رأي عام يكادون ينافسون الفنانين في الشهرة.
وكانت موريتانيا قد أدخلت خدمة الإنترنت إلى البلاد في العام 1997. وفي العام التالي، أنشأت الحكومة الواجهة الموريتانية على الإنترنت، ليكون أول موقع إلكتروني موريتاني. وفي العام1999 انتشرت مقاهي الإنترنت في العاصمة. وبعد عامين، ربطت 12 منطقة في موريتانيا بشبكة الإنترنت. هكذا بدأت قصة تأثير الإنترنت في أدق تفاصيل حياة الفرد والمجتمع في البلاد.
في هذا السياق، يقول محمد سعيد ولد الصوفي (46 عاماً) إن خدمة الإنترنت غيّرت حياته،وسهّلت عمله كوسيط تجاري وزادت عروض البيع والشراء من قبل زبائن الإنترنت. مثلاً صار يشتري البيوت والسيارات المستعملة والجديدة خلال دقائق.
ويقول الباحث الاجتماعي، أحمد ولد الشريف، إن الإنترنت غيّر حياة البشر في العالم اليوم،خصوصاً في موريتانيا التي لطالما عانت من العزلة. ونجح الموريتانيون في تحقيق التقدم على المستوى الشخصي وتطوير قدراتهم من خلال الإنترنت. ويشير إلى أنه كانت للإنترنت إيجابيات عدة على حياة مستخدميه، سواء في عملهم وغير ذلك. يضيف لـ "العربي الجديد" أن هناك تطوراً كبيراً لناحية درجة استفادة الموريتانيين من الأجهزة الذكية التي لا تفارقهم. وتجلّى الأمر من خلال إنجاز أنشطة يومية اعتيادية والبحث عن معلومات والتواصل مع الآخرين وتسيير الأعمال والمهام المرتبطة بالمهن، والوصول إلى المزيد من المصادر التعليمية. ويرى أن الأسواق الناشئة ستعرف تطوّراً كبيراً بسبب خدمات الإنترنت، مشيراً إلى أن انعكاسات الثورة الرقمية على مظاهر الحياة في الدول الناشئة ما زالت في بدايتها، وإن كانت احتمالات تطورها في المستقبل كبيرة.
للقراءة من المصدر اضغط هنا