هذه الصورة ليست لعامل إنقاذ في أمريكا ولا في أوربا إنما هي لمواطن عادي من ساكنة آغنمريت(لبطيحة) في مدينة أطار..هب هو وزملاؤه لإنقاذ الشيوخ... والنساء... والأطفال.. بعدما غمرتهم مياه السيول المدمرة بوسائل تقليدية..وبجهود مضنية..
وتشيء الأقدار أن آت إلى مدينة أطار لتعزية أقارب عندي ولأكون شاهدا على مايجري داخل هذه المدينة المنكوبة..
وبدافع الفضول كنت أسأل كثيرا كعادتي عن هذه السيول الطوفانية التي أتت فجأة بعد سنوات من الشدة والجفاف قضت على آلاف النخيل وغارت المياه وأصبح بالكاد إيجاد ماء الشراب.. وخلال تساؤلاتي تلك قادتني إلى صاحب الصورة(1) الذي ذهبت معه إلى منزله المتواضع في حي آغنمريت بمجرى (لبطيحة) وهي تصغير للبطحاء..وبينما كنا نتجاذب أطراف الحديث إذ هبت علينا عاصفة رعدية شديدة وإذا بنفس العائلات التي أنقذها تتوافد إلى منزله من جديد, عندها قلت في نفسي قد يتكرر المشهد وأكون شاهدا على هذه الواقعة فليس من رأى كمن سمع...
كانت العاصفة شديدة تبعها مباشرة تساقط أمطار غزيرة وكلما زاد تهاطل المطر رأيت في عيون الجماعة الهلع.. والرعب.. وأخيرا استسلموا للأمر الواقع وشخصت أبصارهم إلى السماء مرددين كلمات غير مسموعة..
عندما انتهت السحاب عملت جولة نحو الحاجز الحامي لمنطقة اغنمريت (والذي يعود إنشاؤه إلى فترة المستعمر)، وكم كانت المفاجأة حيث رأيت بأم عيني أن هذا الحاجز أصبح متصدعا ومتهالكا صورة(2) ... وإذا لم تتخذ الدولة إجراءات عاجلة بمعاينة المكان فسيكون يوما ما في خبر كان..
وحينما سألت السكان عن هذا الحاجز قالوا أنه في الثمانينات كان هناك خندق طويل يغير مجرى المياه إلى مايعرف ببطحاء (تنورث) مما يخفف من تدفق السيول نحو ظلعت آغنمريت لكنه بفعل الإهمال وأخذ الطين منه للبناء لم يعد فعال..إلى ذالك خص رئيس الجمهورية المكان بزيارة عاين فيها هذا الحاجز مما شكل بارقة أمل وارتياح لدى السكان لانجازه بشكل صحيح...
وفي طريقه إلى المحطة الثانية للزيارة مر رئيس الجمهورية بعمال الحجارة وقد كانوا متوقفين عن العمل منذ مدة بسبب ما قالوا أنها ضرائب فردية من طرف أشخاص معينين..تدخل الرئيس شخصيا وقال لهم (لايمكن لأي كان أن يضع عليكم ضرائب فهذا حق عام للدولة) واردف قائلا: ستدعمكم الدولة وتشجعكم من الآن فصاعدا...
وعندما وصل إلى عين أهل الطايع عاين الأضرار التي لحقت بالبلدة المتضررة بشكل كبير خاصة تلك الأضرار التي لحقت بأحد السدود المحاذية للبلدية..
كما أن بلدة يغرف هي الأخرى تضررت بشكل كبير قبل وبعد زيارة الرئيس من الأمطار التي شهدتها الولاية خاصة وأنها تعتبر مصبا لجميع الأودية مما سيرفع من مستوى المياه ويشرد آلاف المنمين والمزارعين المتواجدين عادة في هذا المكان...
وقد كلف رئيس الجمهورية لجنة فنية لمعاينة هذه الكارثة وإحصاء المنازل المتضررة بشكل كامل والمتضررة بشكل جزئي..
وأحصت اللجنة 147 أسرة ,91 أسرة بعين أهل الطايع و35 أسرة في مدينة أطار وقدمت شيكات بمبالغ 1.2 مليون أوقية لمن تهدمت منازلهم بشكل كامل، و443 ألفا لمن تضررت منازلهم بشكل جزئي..على نفقة رئيس الجمهورية الشخصية بالإضافة إلى خيام ومواد غذائية أخرى..
إلا أن اللجنة لم تحص المنازل كاملة وقد ذهبت مع صديقي صاحب الصورة وأحصيت معه مايزيد على المئات في أغنمريت وحدها وهي عبارة عن منازل يرثى لحالها مازالت تغمرها السيول وأهلها في العراء أو في أماكن مستأجرين فيها...ومنازل أثاثها بالملايين أصبح أثر بعد عين... ومنازل تغمرها المياه من كل الاتجاهات... الخ
ومع هذا مازالوا متسلحين بالأمل بين الخوف من القادم وفصل الخريف مازال في أوله ورجاء تدخل الدولة في أي لحظة.
كما أنه مع الزمن سيكون المتضرر الأول من السيول هو بلدة يغرف لأنها مصبا لجميع أودية آدرار المختلفة....
وعلى العموم فان زيارة رئيس الجمهورية شكلت بارقة أمل ونوعا من الاطمئنان والثقة في الدولة من جديد.
المرابط ولد محمد لخديم