مساء الخميس الموافق 18 أغسطس حطت رحلتي بمطار ديترويت قادمة من باريس، وبعد أن أخذت أمتعتي من أجل الالتحاق برحلتي التالية المتوجهة الى مدينة ساغيناو الأمريكية حيث توجد جامعتي، أوقفني شرطي من شرطة مطار ديترويت وطلب جواز سفري، وبعد أن شاهد الجمهورية الإسلامية الموريتانية تغيرت ملامح وجهه وبدأ بتفتيش بين التأشرات الموجودة داخل جواز السفر، فلفت نظره تأشرتي مصر ولبنان، ثم سألني ماذا كنت تفعل هناك : فقلت له من أجل المشاركة في مؤتمرات، طلب مني الذهاب معه لتفتيش الأمتعة، وقبل أن يقوم بفتح الأمتعة طلب مني هاتفي وكلمة السر، فقدمت له الهاتف مع كلمة السر، فغاب دقيقة ثم عاد وطلب مني الذهاب معه إلى غرفة مخصصة للتحقيقات والاستفسارات، وبعد ان دخلنا وجلسنا مع شرطي اخر، اغلق الباب ثم أخرج لي صورة لرواية حبيبي داعشي من الهاتف، وبدأ اسئلته التي تعددت المئات، فأخبرته بقصتي الكاملة مع الصورة والرواية، وكوني كنت في مدينة روصو اسبوعين قبل توجهي للولايات المتحدة مع صديق لي، وقبل مغادرتي للمدينة طلب مني إرسال رواية حبيبي داعشي لصديقة مشتركة بيننا في مدينة نواذيبو بما أنني مسافر إلى العاصمة نواكشوط وذالك أسهل، أما سبب وجود صورة من الرواية داخل هاتفي هو من أجل إخبار صديقتنا باستلام الرواية بعد ان تأخرت في إرسالها، وأكدت لهم أنني لم أقرأ الرواية ولم افتح أي صفحة من الرواية حتى تلك اللحظة، وكوني أجهل مضمونها، لكن من الغلاف حكمت عليها على أنها رواية تتحدث عن قصة حب داخل داعش وظننت أنها تهاجم الجماعة وخطابها، وبعد أن كان حديثنا باللغة الانكليزية، قاموا بجلب شرطي اخر يتحدث اللغة العربية، بدت عليه ملامح عربية، فاصبح يقوم بالترجمة بيننا، وبحث في غوغل عن مضمون الرواية، فقال أن الرواية تمجد داعش وإن كانت بالفعل تتحدث عن قصة حب .
وبعد مجموعة من الاسئلة المتعلقة بي مثل دراستي وعملي وزياراتي للخارج وحالتي الاجتماعية ومكان سكني، واسئلة اخرى متعلقة بافراد أسرتي، عددهم، وظائفهم، أعمارهم، دخلنا مرحلة ثانية من الاسئلة تتعلق بالهاتف مثل سعره، عمره، ذاكرته، لماذا اخترته عن الهاتف الأول، لماذا لم اشتري هاتف جديد من الولايات المتحدة، ثم دخلنا إلى مرحلة اخرى من الاسئلة تتعلق بصديقي صاحب الرواية وصديقتنا المشتركة، أعمارهم، توجهاتهم، مستوياتهم الدراسية، ارقام هواتفهم، ايميلاتهم، عناوينهم، علاقتي بهم، علاقتهم ببعض، فترة معرفتنا ببعض...، ثم جلبوا شرطي اخر بملابس مدنية وقالوا أنه سيكرر نفس الأسئلة لمعرفة مدى تناقضي، لكن الاخير بدى لي مهتم بمراقبة تصرفاتي والاسئلة عن سبب حركات جسمي مثل الايادي .
وبعد عدة ساعات من التحقيقات أخبروني بانهم سيقومون بنسخ جميع المعلومات الموجودة داخل الهاتف، وبعد ذالك بلحظات اخرجوني لاكتشف اقدامهم على تفتيش دقيق لجميع أمتعتي، وتفتيش لجهاز الكمبيوتر، صورة بصورة، وتفتيش لعدة بطاقات للذاكرة كانت معي، مع كسر لاحدى هذه البطاقات، ولربما قاموا ايضاً بنسخ جميع الملفات والمعلومات الموجدة داخل جهاز الكمبيوتر وبطاقات الذاكرة دون أن يخبروني بذالك .
بعد لحظات طويلة من الانتظار خارج غرفة التحقيقات، ناداني خلالها الشرطي، الذي أوقفني من البداية، عدة مرات ليستفسر عن بعض الصور الموجودة في جهاز الكمبيوتر، وعن مؤسسة الفكر العربي، طلب مني اخذ أمتعتي والذهاب معه إلى مكان اخر، اكتشفت في ما بعد أنه مكان كتابة المحاضر قبل طرد كل من ستقوم شرطة ديترويت بطرده واعادته لمكان قدومه، أعاد هذا الشرطي بعض الاسئلة، تمثل نسبة قليلة من مجموع الاسئلة التي كان قد وجهها لي قبل ذالك، لكن هذه المرة كان يكتب كل كلمة دارت بيننا، وبعد أن أخبرني بكوني لم أقدم لهم معلومات تمكنهم من الوصول لصديقي مالك الرواية، قالوا لي : أنت لديك خيارين لا ثالث لهما : الطرد وحذف التاشرة والعودة الى بلادك واخذ تأشرة جديدة إن أردت العودة، أو الطرد وحذف التأشرة وعدم دخولك للولايات المتحدة لمدة خمس سنوات، فأخترت الخيار الأول، لتبدأ اجراءت ترحيلي إلى بلادي، بعد أن برر الشرطي ذالك لثلاثة أسباب : تناقضي في المعلومات، تخرجي حديثاً من الجامعة وكوني ليس لدي عمل حالياً، لأبدأ رحلة العودة من ديترويت مروراً بباريس والدار البيضاء وصولاً ألى نواكشوط، ، بعد أن قضيت أكثر من ست ساعات من التحقيقات المتواصلة في مطار ديترويت .
سلمت شرطة ديترويت جواز سفري لإدارة رحلة ديترويت وباريس، وبعد وصولنا لباريس اتصلت إدارة الرحلة بشرطة مطار باريس وسلمتهم جواز سفري، والتي بدأت هي الاخرى بتحقيقات جديدة دامت عدة ساعات، بعد أن اخبرتهم بسبب طردي من الولايات المتحدة، لكن بعد أن أعطيتهم محضر شرطة مطار ديترويت، اختصرت تحقيقات الفرنسيين على تفتيش الملابس وجهاز الكمبيوتر وبطاقات الذاكرة، مع بضعة اسئلة، وان كانوا في الاخير تفاجاوا من أسباب طردي من الولايات المتحدة وصرامة شرطة ديترويت، حيث مازحني بعضهم قائلاً : الولايات المتحدة لا تمزح .
وبعد أن غادرت باريس ووصلت الدار البيضاء، نجوت من تحقيقات الشرطة المغربية، حيث اكتفت إدارة رحلة باريس والدار البيضاء بتسليمي جواز سفري لإدارة مطار الدار البيضاء، والتي احتجزته حتى سلمته لإدارة رحلة الدار البيضاء ونواكشوط .
وبعد وصولي لانواكشوط، احتجزت شرطة المطار جواز سفري وطلبوا مني العودة بعد نهاية عطلة الاسبوع، وبعد نهاية عطلة الاسبوع عدت، لأتعرض لتحقيقات من مفوض مطار نواكشوط، اخبرني بعدها بان جواز سفري موجود عند إدارة الأمن، والتي بدأت هي الاخرى تحقيقات مطولة قبل أن تسلمني جواز سفري .
بعد أن وصلت العاصمة نواكشوط، التقيت بأعضاء من السفارة الأمريكية، لاكتشف بأن منحة الدراسة في الولايات المتحدة، والتي كانت بتمويل من الحكومة الأمريكية، تم حذفها نهائياً ولا أمل لي في العودة إلى الولايات المتحدة والاستفادة من هذه المنحة .
لكن ما أجهله حتى هذه اللحظة، هل تم وضع اسمي على القائمة السوداء الممنوعة من دخول الولايات المتحدة ؟ وهل سأتمكن من الحصول على تاشرة الولايات المتحدة في المستقبل ؟ وإن حصلت عليها هل سأتمكن من دخولها ؟