القمة العربية بالنكهة الموريتانية / مروان النمر

خميس, 2016-09-01 11:37
صورة غلاف عدد مجلة الاقتصاد والاعمال اللبنانية الذي نشر فيه الموضوع

موضوع نشرته مجلة الاقتصاد والاعمال اللبنانية

مرة أخرى تنجح موريتانيا في رفع التحدي، فتلقفت ((كرة نار)) القمة العربية التي أحجمت عن تنظيمها جارتها المملكة لمغربية، وتحولت العاصمة نواكشوط إلى خلية نحل لتوفير مقومات النجاح لـ ((قمة الأمل))، فاستطاع ((بلد المليون شاعر))، رغم الفترة الزمنية القصيرة، أن يتجاوز الإمتحان بتفوق، سواء لناحية حسن التنظيم وكرم الضيافة، وهي من المميزات المعروفة لدى الشعب الموريتاني الأصيل، أم لجهة ((إعلان نواكشوط)) الذي أكد على الثوابت وتضمن توصيات لتفعيل العمل العربي المشترك سياسيا واقتصاديا لمواجهة إحدى أصعب المراحل التي تمر بها المنطقة العربية.

لكن الأهم من ذلك بالنسبة إلى موريتانيا، أن((قمة الأمل)) ألقت الضوء على التطورات النوعية التي شهدتها البلاد منذ تولي الرئيس محمد ولد عبد العزيز مقاليد الحكم قبل ثماني سنوات، والذي ستشكل رئاسته للجامعة العربية فرصة جديدة لإثبات المقدرة الموريتانية على القيادة الإقليمية، بعد النجاح المشهود الذي تحقق خلال توليه رئاسة  الاتحاد الإفريقي، وهو ما أكد عليه الرئيس الموريتاني في خطابه الختامي للقمة، بالقول: ((ستعمل موريتانيا، خلال رئاستها لمجلس جامعة الدول العربية، على متابعة تنفيذ القرارات والتوصيات التي تضمنها إعلان نواكشوط، وستسهر على أن تنهض جامعتنا بدورها كاملا على المستوى العربي والدولي)).

تنبع المنجزات الموريتانية خلال السنوات الأخيرة من رؤية واضحة تقوم على توأمة الأمن والإستقرار مع تنمية الاقتصاد وجذب الاستثمار، وهو ما ترجم على أرض الواقع خطوات ملموسة لبناء دولة القانون والمؤسسات التي توفر العدل والأمن وتصون الحريات وتحافظ على الوحدة الوطنية، واعتماد الحوار خيارا أوحد للخروج من الأزمات، وذلك في موازاة تعزيز قدرة الجيش الوطني وقوات الأمن على حماية حدود البلاد وثرواتها وأمن المواطنين، ومكافحة الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة بحزم وفاعلية.

وتنعكس  هذه الرؤية على نظرة القيادة الموريتانية للقضايا العربية، والتي يجسدها الرئيس محمد ولد عبد العزيز بكلمةته في افتتاح((قمة الأمل))، بقوله: ((إننا نواجه اليوم تحديات كبيرة على رأسها إيجاد حل عال ودائم لقضية العرب المركزية، القضية الفلسطينية والتصدي لظاهرة الإرهاب، وإخماد بؤر التوتر والنزاعات التي تذكيها التدخلات الأجنبية في الدول العربية، كما يشكل تحقيق تنمية مستدامة ومندمجة على الصعيد العربي رهانا حقيقيا لتستعيد أمتنا مكانتها الرائدة))، مؤكدا بذلك على الترابط الجوهري بين مواجهة التحديات السياسية والأمنية والعمل على تحقيق التنمية الاقتصادية.

مدرسة مكافحة الإرهاب

تشكل التجربة الموريتانية في  محاربة الإرهاب تحديدا موضع اهتمام المراقبين، ونموذجا يحتذى على مستوى المنطقة العربية، فقد حققت موريتانيا نجاحا مشهودا في هذا الإطار يقوم على الكفاءة العسكرية والحزم في موازاة تجفيف منابع الإرهاب الفكرية وروافده المادية، وهو ما يعبر عنه الرئيس محمد ولد عبد العزيز بقوله: ((تمثل ظاهرة الإرهاب أحد أكبر التحديات التي تواجه الإنسانية اليوم، فالعنف الأعمى الذي يزهق أرواح الأبرياء ويمزق المجتمعات ويدمر البلدان خصوصا في منطقتنا العربية يتطلب منا جميعا مواجهة المجموعات الإرهابية بقوة وحزم، والتصدي لخطاب الكراهية والتطرف الذي يتستر بالإسلام. ورغم ما حققته بلداننا منفردة من نجاحات في مواجهة الإرهاب أدت إلى تراجع كبير للظاهرة، فإن استئصالها يتطلب وضع استيراتيجية جماعية متعددة الأبعاد تقوم على تحقيق تنمية مستدامة في وطننا العربي وتستجيب لتطلعات جميع فئات شعوبنا وبخاصة الأوساط الأكثر هشاشة، والتنسيق بين حكوماتنا وأجهزتنا الأمنية لوضع خطط متكاملة للقضاء على الخطر الإرهابي، وتعزيز دور المؤسسات الدينية لتحصين الشباب ضد دعاية التنظيمات المتطرفة وتقديم الصورة الصحيحة للإسلام في سماحته ووسطيته وإنسانيته رسالته)).

(( الاقتصاد والأعمال )) في موريتانيا

كانت(( الاقتصاد والأعمال)) السباقة في إطلاق لقب((بلد المليون فرصة استثمار)) على بلد المليون شاعر، وذلك خلال((ملتقى موريتانيا للاستثمار)) الذي نظمته العام 2014 بتكليف من الحكومة الموريتانية، وبعده العدد الخاص حول الاقتصاد الموريتاني. وسبق ذلك بسنوات مواكبة دائمة للتطورات الاقتصادية والاستثمارية في موريتانيا، منذ تأسيس أول وزارة للاستثمار قبل عقد من الزمن.وتستعد ((مجموعة الاقتصاد والأعمال)) بالشراكه مع وزارة الاقتصاد والمالية الموريتانية لتنظيم ((ملتقى موريتانيا الثاني للاستثمار)) مطلع العام 2017.

مضيفا: (( لقد طبقنا في موريتانيا هذه المقاربة من خلال رفع كفاءة قواتنا المسلحة وقوات أمننا لتكون قادرة على نقل المعركة إلى أوكار الإرهابيين، وفتحنا حوارا بين علمائنا الأجلاء والشباب الذين غرر بهم فتبنوا أفكارا متطرفة، وأطلقنا مشاريع تنموية مهمة لصالح الفئات الأكثر هشاشة. لقد مكنتنا كل تلك الإجراءات من القضاء على الخطر الإرهابي داخل حدودنا وتجفيف منابعه وروافده)).

الحياد الإيجابي

منذ انضمامها إلى جامعة الدول العربية في العام1973، تميزت موريتانيا بمواقفها الواضحة القائمة على دعم القضايا العربية إلى أقصى الحدود، وعلى الحياد الإيجابي في النزاعات داخل وبين الدول الشقيقة، عبر العمل على تقريب ذات البين وتذليل العقبات أمام التفاهم العربي ورفع مستويات التكامل والتعاون الاقتصادي والتجاري والثقافي وهو ما يؤكد عليه الرئيس الموريتاني بقوله: ((إننا نتطلع إلى بلورة مقاربة شاملة لحل كافة الصراعات التي تعانيها بعض بلداننا العربية ضمن رؤية مشتركة تمنع إنتشار الأزمات والصراعات إلى بلدان أخرى. فالمسؤولية تقع علينا جميعا لرأب الصدع بين الأشقاء والسعي في الإصلاح بين أخوة يجمعهم أكثر بكثير مما يمكن أن يستغل لإثارة الفرقة بينهم)).

وقد تميزت الدبلوماسية الموريتانية خلال السنوات الأخيرة بديناميكية غير مسبوقة، توجت بتولي الرئيس محمد ولد عبد العزيز رئاسة الاتحاد الإفريقي، حيث تمحورت رؤيته حول تعزيز موقع موريتانيا كجسر طبيعي بين العالم العربي والقارة السمراء،  وهو ما تجسد أولا بإعادة موريتانيا إلى عمقها العربي والإفريقي والإسلامي بقطع العلاقات مع إسرائيل، ومن ثم مبادرته إلى تأسيس مجموعة دول الساحل الخمس،  التي تضم موريتانيا وبوركينا فاسو ومالي والنيجر والتشاد، بهدف مواجهة التحديات الأمنية والتنموية المشتركة.

وانعكست هذه الرؤية الموريتانية بشكل واضح في((إعلانا نواكشوط))، من خلال التأكيد على ((أهمية تعزيز التعاون والشراكة مع التكتلات والمنظمات الإقليمية والدولية، والتي يشكل التعاون العربي-الإفريقي فيها بعدا استيراتيجيا مهما، وصولا إلى بناء شراكات فاعلة تحقق مصالح جميع الأطراف وتسهم في ازدهار التعاون الدولي، مرحبين في هذا الإطار بعقد الدورة الرابعة للقمة العربية-الإفريقية في مالابو عاصمة غينيا الإستوائية في نوفمبر المقبل)). أما بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، فالموقف واضح لا لبس فيه، باعتبار الرئيس الموريتاني((أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى وكل أحرار العالم وستظل كذلك حتى يتم ايجاد حل عادل ودائم لها قائم على القرارات الدولية وعلى مقترحات المبادرة العربية وستظل المنطقة مصدرا للعدم الإستقرار ما لم يتم إيجاد حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية يضمن للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة في تأسيس دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وتنسحب اسرائيل من مرتفعات الجولان السورية المحتلة ومن مزارع شبعا اللبنانية)).

التجربة الاقتصادية الموريتانية

إقتصاديا وتنمويا، استطاعت موريتانيا تحقيق نمو اقتصادي خلال السنوات الست الأخيرة بمعدل سنوي يبلغ 5 في المئة، بعد أن كان 1.1 في المئة العام 2009، مع الإبقاء على التضخم دون مستوى 3 في المئة، ومعدل عجز الميزانية في حدود 2 في المئة، وهو ما نجم عنه تراجع نسبة الفقر من 42 إلى 31 في المئة، وتراجع نسبة البطالة من 31 إلى 10 في المئة، وانخفاض الدين العام إلى 76.5 في المئة نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. وشهدت البلاد العديد من المبادرات النوعية المحفزة للنمو الاقتصادي ولجذب الاستثمار، كإعتماد قانون جديد يتضمن العديد من الحوافز الإستثمارية والضريبية والإصلاحات، حيث تم تصنيف موريتانيا من قبل البنك الدولي ضمن الدول الخمس الأكثر تنفيذا للإصلاحات على المستوى العالمي وفق مؤشر ممارسة الأعمال للعامين 2015 و2016، كما تم إطلاق منطقة نواذيبو الحرة، والعمل على تطوير البنية التحتية من خلال زيادة استثمارات الدولة لتطوير البنية التحتية بمقدار خمسة أضعاف إلى نحو 500 مليون دولار، لتصبح بذلك موازية لإستثمارات شركاء التنمية، وإنجاز العديد من المشاريع النوعية في هذا المجال كإنشاء مطارانواكشوط الدولي الجديد، توسعة موانئ انواكشوطوانواذيبو "اسنيم، انواذيبو، المعدني، بالإضافة إلى تشييد ثلاثة آلاف كيلوميتر من الطرق وبناء جامعة مكتملة الكليات في العاصمة انواكشوط بدعم من الصندوق السعودي للتنيمة، فضلا عن الانتقال من العجز إلى التصدير في الكهرباء، وهو ما اطلق عليه الاقتصاديون توصيف "المعجزة الموريتانية".

وتختزن موريتانيا موارد هائلة تؤهلها لأن تكون قطبا رائدا في استقطاب الاستثمارات،  حيث تمتلك البلاد ثروة سمكية مكونة من 600 صنف بطاقة استخراج تفوق الـ 1.5 مليون طن سنويا، وثروة حيوانية بأكثر من 20 مليون رأس ماشية، ومساحات زراعية تبلغ 500 ألف هكتار منها 135 ألف مروية على ضفاف نهر السينغال، هذا بالإضافة إلى ثروة معدنية هائلة حيث تم اكتشاف أكثر من 800 مؤشر معدني، ويجري استغلال الحديد والذهب والنحاس والجبس، وثروة كبيرة في مجال النفط والغاز، إلى جانب قطاع مصرفي متين ومفتوح للاستثمار الأجنبي، ومقدرات سياحية مهمة تشمل الصحاري والجبال والشواطئ والمدن التاريخية.

مبادرات عربية، وشراكة مع إفريقيا

كما عكست كلمة الرئيس محمد ولد عبد العزيز((الروح الموريتانية)) سياسيا ودبلوماسيا وأمنيا على ((قمة الأمل)) و ((إعلان نواكشوط))، فقد جاءت كلمة وزير الاقتصاد والمالية الموريتاني المختار ولد جايخلال اجتماع المجلس الاقتصادي الاجتماعي العربي لتعبر عن رؤية موريتانيا لتعزيز العمل العربي المشترك ومواجهة التحديات التي تعصف بالمنطقة، منوها بان قمة نواكشوط (( تأتي في سياق عالمي وإقليمي بالغ الحساسية يتسم بالعديد من التحديات، تباطؤ النمو الاقتصادي وتقلبات أسعار المواد الأولية وتناقص التدفقات المالية واستمرار البطالة والفقر وتأثيرات التغير المناخي والمخاطر الجيوسياسية والتهديد الإرهابي وأزمات اللاجئين)).

مضيفا: (( خلافا لما يعتقد البعض، فقد برهن العرب عن إرادة قوية للتضامن والعمل المشترك وتجلى ذلك في مبادرات متعددة كان لها الأثر الكبير على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مختلف أقطارنا، وما الأدوار الرائدة التي تقوم بها الصناديق العربية والهيئات المتخصصة الاخرى إلا مثال واضح على الأشواط الكبيرة التي قطعتها مسيرة العمل العربي المشترك في المجال الاقتصادي والاجتماعي وستتعزز هذه المكاسب بتنفيذ العديد من المبادرات الجديدة، مثل : الاستراتيجية العربية للإسكان والتنمية الحضرية المستدامة، الخطة التنفيذية لاستراتيجية  الأمن المائي في المنطقة العربية، إقامة منطقة تجارة حرة عربية كبرى واتحاد جمركي عربي، مبادرة المغفور له الملك عبد الله بن عبد العزيزبشان زيادة رؤوس أموال الشركات ومؤسسات التمويل العربية بنسبة 50 في المئة، مبادرة أمير الكويت الشيخ صباح جابر الأحمد الصباحبشأن تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ومبادرة رئيس جمهورية السودان عمر حسن البشير الخاصة بالأمن الغذائي العربي في السودان، والتي تثمنها موريتانيا عاليا وتعلن عن استعدادها لوضع مواردها الزراعية والحيوانية والسمكية تحت تصرف أي مشروع يهدف إلى الأمن الغذائي لعالمنا العربي)).

ويركز وزير الاقتصاد والمالية  الموريتاني على أهمية  الشراكة العربية- الإفريقية، مشيرا إلى أن موريتانيا عملت خلال ترؤس الرئيس محمد ولد عبد العزيز للاتحاد الإفريقي على تفعيل ذلك التعاون وترسيخه، كما إن المبادرة السخية لأمير دولة الكويت بشأن دعم الاستثمار والتنمية في إفريقيا جديرة بالتنويه والإشادة، حيث ستعزز التضامن العربي الإفريقي الذي ظل هدفا ثابتا للسياسة الخارجية العربية وكان تأسيس المصرف العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي في افريقيا، الذي ننوه بجهوده في هذا الصدد وبدعم قوي من مجموعة تنسيق الصناديق العربية.