الحكامة الإلكترونية: أداة ذكية للعصرنة/ محمد المختار ولد سيدي هيبه*

خميس, 2016-09-01 09:42

إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التطور الذي حققته في وقت قصير دولة صاعدة مثل تركيا أو نامية مثل تونس وروندا بفضل تكنلوجيا المعلومات والاتصال في عملية التسيير الاقتصادي و الإدارة العامة, يتبين لنا أنه يتحتم على بلادنا أكثر من أي وقت مضى أن تلتحق بالركب و تدرك أهمية هذه التكنلوجيا من أجل أن تستخلص منها أفضل النتائج.

من الثابت اليوم أن استخدام تكنلوجيا المعلومات والاتصالات أصبح وسيلة أساسية للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية, فضلا عن تدعيم القدرات الإدارية والاقتصادية , كما أن استخدام هذه التقنية في الهيكلة المؤسساتية للدولة يسمح بترشيد الطاقة البشرية وتسيير الآلية البيروقراطية.

وإذا تم القيام بذلك فإنه سيؤدي حتما إلى زيادة نوعية المردود مع ضمان شفافية الإجراءات, وهو ما سيقود إلى انخفاض كبير في الوقت اللازم لتنفيذ المهام, واقتصاد في الإنفاق و ترشيد لوسائل الإنتاج.

  • والأفضل من ذلك أنه سيقلل إلى حد كبير من الإجراءات وهو ما سينتج عنه نقص في الاختلاس وفي التبذير.
  • بعد إطلاق أول تجربة للحكومة الإلكترونية بين عامي 2007 و 2008 و التي كانت تبدو خطوة واعدة, لوحظ انحسار تدريجي لبلادنا في هذا المجال مقارنة بدول مجاورة (المغرب والسنغال على سبيل المثال). والسبب في هذا الركود المفاجئ أو التدهور، يعود ربما لغياب الفكر التخطيطي للبرامج التي طرحت بشكل مستعجل دون رؤية استراتيجية.
  • في واقع الأمر, ووفقا لتقارير الأمم المتحدة, فإن موريتانيا حصلت على 0.2359 نقطة خلال الأعوام من 2008 إلى 2010 وهو ما جعلها تحتل المرتبة 157 عالميا متقدمة على جميع دول إفريقيا الغربية. ثم حدث انحدار للبلاد إلى المركز 181 بين عامي 2012 و 2014 بالحصول على 0.1996 فقط, قبل أن تعود للصعود مجددا إلى المركز 174 بعد أن تحصلت على 0.1893 .
  • وعلى كل حال فإن هذا الصعود المفاجئ في التصنيف بالرغم من انخفاض عدد النقاط يعود بشكل رئيسي إلى السقوط الذي تعرضت له دول داخلة في أتون الحرب وأخرى أشرفت على الإفلاس (مثل سوريا وليبيا واليمن وغيرها) وليس بسبب تحسن أداء موريتانيا.
  • ومع ذلك, فإنه تم طرح عدة وثائق في هذه الفترة عندما كانت فكرة حكومة إلكترونية في طور الابتكار.
  • نذكر منها في هذا الإطار خارطة الطريق المعلوماتية التي طرحت بين عامي 2008 و 2009, والخطة الوطنية لتطوير الإدارة و (TICS 2011 - 2015) المستحدثة عام 2010, ومشروع رؤية 2030 الذي اختفى للأسف الشديد من الخطابات الرسمية.
  • وللأسف فإن كل هذه الوثائق حتى الآن ظلت حبرا على ورق. وربما يكون عدم الاستقرار المؤسساتي الذي طبع الفترة الانتقالية التي سبقت انتخابات عام 2008 هو سبب حماس الأطر المسؤولين عن هذا المشروع. من أجل ضمان إنجاح مشروع الحكومة الإلكترونية ينبغي من الآن تبسيط الإجراءات الإدارية من أجل تجاوز ما أغنت عنه التقنية وأمكن الاستغناء عنه، فالتحدي المتمثل في إصلاح شامل للإدارة لا يقتصر على إرشاد مرتاديها على ملء شكليات أو تقديم أوراق معينة بل يتعداها إلى التساؤل عن جدوى النهج المتبع، بمعنى أن الغرض من الحكومة الإلكترونية هو قبل كل شيء إعادة تنظيم معلوماتي وصولا لسلاسة الإدارة ومرونتها.
  • بالإضافة لضمان تنسيق أفضل بين مختلف قطاعات الإدارة فإن مصلحة الحكومة الالكترونية ستكون همزة وصل لتنسيق نشطات كل قطاع مع المشروع العام للإدارة الإلكترونية.
  • هناك بنية تحتية ولوجستية في كل مقاطعة بفضل نظام تقييد الحالة المدنية للسكان يمكن للمصالح العمومية الأخرى (المالية، الإدارة الاقليمية، التعليم، الصحة، إلخ.) الاستفادة منها من أجل تقريب خدماتها وتحيين معلوماتها عن الحالة في الداخل عن طريق توصيلها بخوادم مركزية رئيسية وهذا ما سيمكنها أيضا من تقديم تقارير دقيقة وفي آجال مقبولة لأصحاب القرار.
  • ليس من المقبول ولا من المعقول تلك التفرقة للأنظمة المعلوماتية كتسيير الأشخاص، المراسلات الإدارية والمحاسبة وغيرها نظرا لما يسببه من خسارة في الطاقة والوسائل فهناك برامج معيارية يمكن للقطاعات استخدامها.
  • حالات الأنظمة متعددة القطاعات أيضا تتطلب هي الأخرى خطة للاستخدام الجماعي المشترك لوضع إطار عملي مندمج كتسيير التجارة (الإيراد-التصدير) والحالة الأكثر استعجالا في قطاع المالية.

من أجل إيضاح ضرورة العمل على تقليص الفجوة الرقمة الحاصلة, سنركز الحديث في الوقت الراهن على مؤسستين تابعتين للدولة ينبغي أن تلعب فيهما المعلوماتية ـ من حيث المبدأ دورا مهما وهما وزارة المالية ووزارة التجارة والصناعة.

وبما أن الموضوع واسع ومتشعب فإننا سنعود للحديث عن مؤسسات أخرى عليها هي الأخرى أن تستغل المعلوماتية في إجراءاتها الإدارية وأن تجعل المعلومة متاحة للمستخدمين عن طريق نشرها على الشبكة العنكبوتية. من المهم إنشاء لجنة وطنية مكلفة بوضع رؤية شاملة لتحديث الدولة.

ومن ثم تترك للإدارات المعنية, سواء منها الوزارات السيادية أو الإدارات الخدماتية مهمة وضع استراتيجياتها الخاصة بها.

وفي هذا الصدد يعود للوزارات المختلفة الخيار في إعداد خططها التنموية, المحددة زمنيا والقابلة للتعديل حسب الحاجة.

وينبغي أن تشمل هذه اللجنة ممثلين عن كل الوزارات, لكن قبل ذلك ينبغي إنشاء إدارة عامة للمعلوماتية والإدارة وتحسينها سريعا عن طريق مؤسسة مستقلة (وكالة) تتمتع بالاستقلالية التي تمكنها من الاستقرار المؤسسي أجل إنجاز مهمتها.

وبما أنها هي الذراع التقني لمشروع الحكومة الإلكترونية, يُفَضل أن تكون مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي وتجاري, من أجل أن تحصل في نفس الوقت على موطئ قدم داخل القطاع الخاص.

قصور في الخزينة الوطنية على مستوى الخزينة، يُسيَّر برنامج ب"بيت المال"، وهو نظام معلوماتي طُور منذ 2004 أو 2005، يُسير هذا النظام، لفائدة مصالح محددة (تسيير المداخيل والنفقات) من طرف خبير استشاري.

ورغم أن هذا الأخير عُين مديرا للدراسات ونظم المعلومات فإنه لايزال مع ذلك يتابع تسيير الإستغلال المالي بشكل أحادي، بصفته مالكا ومتحكما لمصدر البرنامج (code source) وبذلك يستفيد على حساب الدولة من وضعيته كمحتكر لتسيير النظام.

والنتيجة دائماً هي ذاتها :الإضرار بالمصلحة العامة ، من هذا المنطلق يتوجب على صانعي القرار السياسي طلب إنشاء نظام شامل ومتكامل للمعلومات المالية، الذي سيتحكم بدوره في البرامج المعلوماتية المعمول بها حالياً : بيت المال (التنظيم ) الرشاد (النفقات ) والجباية ( التحصيل ).

وإذا لم يحدث ذلك، فإن الفساد سينخر في المحصلة ما كان من المفترض أن يجنى من إعادة الهيكلة هذه.

مع انه موجود- على الأقل نظريا، منذ عام 2008، فإن النظام المعلوماتي المتكامل (الوظيفة العمومية - الميزانية ) لا يزال غير مفعل علي أرض الواقع.

فقد أدى تداخل في المصالح، لاطائل من ورائه، بين الإدارتين حول أي منهما ستستضيف الخادوم (Serveur) أدى إلى عدم تفعيله، مما يساهم أكثر في كون مركز البيانات (datacenter) هو المركز الألكتروني الوحيد المتاح لأي إدارة.

من المؤكد أن كل جهد للعصرنة يقتضي رؤية حازمة و واضحة من قِبل الدولة.

و هذه الأخيرة تتطلب عزما لا لبس فيه و المضي قدما دون التأثر بالعقبات.

و مشروع الحكومة الإلكترونية ليس استثناءا في هذا الإطار و ينبغي أن تطرح له استيراتيجية شاملة للإدارة العامة و للمعلومات.

إذن فهو يستلزم رغبة و قدرة على خوض التحدي و مصحوبة بلا مركزية و تفويض إداري.

و إلا فإنه سيكون من الصعب نشر أنظمة تسيير و إدارة عصرية داخل البلد, خاصة إذا لم يتم تعيين الكادر التقني على أساس الكفاءة و القدرة المهنية.

و بالنظر إلى أن الوظائف التقنية تتطلب كفاءة علمية بنغي أن لا يحدث تهاون في عملية التوظيف , و أن يكون سالما من الولاءات السياسية و الإيديولوجية.

لأن منح الوظيفة حسب الولاء السياسي على حساب الخبرة من المرجح أن تمنع أي جهد نحو التغيير.

و من الملاحظ أنه بمجرد الحديث عن نظام مالي تغضب جهات متعددة, و السبب أن أي إصلاح شامل يهدد مصالح هؤلاء الضيقة. الأمثلة على التبذير في إداراتنا العامة أكثر من أن تحصى, لكن هاكم واحدا منها : بدلا من إنجاز عقود مبارة ـ على سبيل المثال ـ مع شركة مثل مايكرسوفت عن طريق CGTIC تعمد الدولة إلى اتخاذ وسيط, و هذا الأخير يتخذ وسيطا آخر مغربيا في مثل هذه الحالات.

سيكون من الأسلم من الناحية الإقتصادية للدولة أن تقيم شراكة مباشرة مع مايكروسوفت مثل ما تفعل تونس من بين دول أخرى.

و تونس في واقع الأمر لا تبخل بأي وسيلة عندما يكون الأمر متعلقا بامنها الرقمي.

بل إنها تذهب إلى حد إدراج بنود في العقد تتعلق بالبنية التحتية و التراخيص, مما يربطها بشكل شرعي بمايكروسوفت, و يجعل لها الحق في الوصول إلى الرموز الضرورية لتقييم أمن البرامج و التأكد من موثوقيتها.

الرغبة في الحفاظ على السيادة الوطنية تملي على تونس الصرامة في مجال أمنها الرقمي.

التجارة الداخلية

إن تطوير نظام معلومات متكامل لرصد المبادلات التجارية بين الولايات من شأنه أن يمكن من وصف الخارطة الإقتصادية للبلد بدقة و يحدد مختلف الأقطاب و نقاط القوة و الضعف و يأخذها بعين الإعتبار. يمكن للمرء أن يتخيل مدى تأثير التخطيط كمحرك للسياسيات العامة.

التجارة الخارجية

ينبغي كذلك إنشاء نظام معلومات مماثل كنقطة محورية من أجل دمج أفضل للمعلومات المتعلقة بالواردات و الصادرات من مصادر مختلفة.

و بهذا تسهل معرفة الميزان التجاري العام و كذلك الميزان التجاري حسب القطاع و النوعية.

و إذا وجدت لوحة معلومات مركزية توضح جميع البيانات بدقة حسابية و تعطي اتجاه التوقعات بمساعدة المنحنيات و المخططات. فإن شاشة صغيرة تمكن أصحاب القرار السياسي من متابعة المستجدات التجارية, لحظة بلحظة , و الإستفادة منها دون أن تعيقهم التفاصيل الرقمية الزائدة.

السياحة

البيع عن طريق الإنترنت لمنتجات الصناعة التقليدية-مثلا- يتطلب وجود هيئة تمنح الإفادات الضرورية لضمان وتأمين هذه المعاملات وشفافيتها وهو أمر يلح عليه المهتمون بهذه المنتوجات، وبصورة خاصة السياح الوافدون.

إعداد شبكة أسعار لجميع النشاطات السياحية (نقل، تأجير سارات، فنادق، إقامات، المرشدون إلخ.) أصبحت ضرورية وملحة.

فمن غير الأخلاقي أن نزيد السعر بشكل مفرط إذا كان المشتري سائحا أجنبيا، فلا ينبغي أن نبيعه –كما يحصل الآن- قنينة ماء في الفندق ب 1200 أوقية بينما يشتريها المواطن العادي ب 100 أوقية من أقرب محل.

هذا النوع من الغش الفاضح، المنتشر في منشآتنا الفندقية، يضر كثيرا بصورة البلاد، وبالتالي له تأثير سلبي مباشر على قطاع السياحة.

لأن كل زائر غير راض يمكن أن يؤدي إلى فقدان 10 سياح محتملين. التطبيقات المعلوماتية تقدم فائدة كبيرة لقطاع السياحة، فيمكنها أن تساعد المستخدمين من خلال توفير- على سبيل المثال- خريطة جغرافية للمواقع السياحية مع تحديد واضح للمناطق التاريخية والثقافية والحدائق الطبيعية، والمواصفات البيئية، ونوع المناخ والتضاريس، وأنواع الخدمات المتاحة في كل منطقة، الخ.

الإدارة الإلكترونية ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي أداة لترشيد وتجميع الموارد البشرية والمادية التي يجب المحافظة عليها.

بالإضافة إلى وجود البنية التحتية الضرورية لتنفيذ مشروع الحكومة الإلكترونية، من المهم، أيضا، أن يكون الموظفون العموميون مدربون على الأدوات الإلكترونية بغية الاستفادة القصوى من الخدمات التي تقدمها الحكومة الإلكترونية،و يجب على المستخدمين أنفسهم، أن يكون قادرين على القراءة واستخدام التطبيقات المعلوماتية، وهما شرطان أساسيان لتحسين السياسات العامة في مجال التعليم.

ومن المفارقة أن خدمة الحكومة الإلكترونية، مثل أي تكنولوجيا إلكترونية، قد تحتوي أيضا على التطبيقات الضارة.

فالحكومة الإلكترونية ليست مكاتب لأنظمة المعلومات والخدمات عبر الإنترنت فحسب، بل تشمل الأنظمة البيومترية، الإحصاء الحيوي، الرقابة بالكاميرات، والرقائق الإلكترونية وأمور أخرى مهمة يمكنها أن تخدم الإنسان كثيرا لكنها بالمقابل يمكن أن تضره ضررا بالغا.

كل هذا يعتمد على استخدام التكنولوجيا المتاحة من طرف السلطة العمومية أو القطاع الخاص.

وهو مايؤكد أهمية أن يعيش الإنسان اليوم في دولة القانون التي تحترم مواطنها وتكرمه وتكرس قيم الشفافية والفعالية ومبدأ العقوبة والمكافأة.

وهنا يكمن التحدي الرئيسي للحكومة الإلكترونية.

*الكاتب هو باحث موريتاني مقيم بالولايات المتحدة، مختص في الإدارة والعلوم السياسية.