كشف زيف أسطورة التشدد الاسلامي في موريتانيا / كريس سيمبسون *

اثنين, 2016-08-29 17:16

تُقدَم موريتانيا، التي تشهد حداثة متسارعة الوتيرة، نفسها على أنها مثال يحتذى به في "كيفية" مواجهة التطرف العنيف في أفريقيا.

ففي العام الماضي، استضافت هذه الدولة التي تقع في منطقة الساحل قمة إقليمية لبحث سبل تعاون المجتمعات المحلية مع السلطات لمواجهة التطرف، وهي مبادرة لاقت ترحيباً حاراً من قبل الولايات المتحدة.

ووجهت مساعدة وزير الخارجية الأمريكية بيزا وليامز التحية إلى سجل موريتانيا السابق الحافل بالنجاحات في مواجهة التطرف العنيف، وأشارت إلى سمعتها الجيدة كمركز للتعليم الإسلامي حيث العلماء "مجهزون تجهيزاً جيداً للرد على الاعتداءات على ممارسة تعاليم الإسلام ويعتنقون رسائل السلام".

مكافحة التطرف على الطريقة الموريتانية

وقد تحدث الرئيس محمد ولد عبد العزيز بثقة من نهج موريتانيا الفريد في مواجهة التحدي المتمثل في "الإسلام الراديكالي" في دولة لطالما أطلقت على نفسها وصف جمهورية إسلامية منذ الاستقلال.

أصبحت "مكافحة التطرف" تعويذة - ويعزى الانخفاض في العنف الراديكالي على مدار السنوات الخمس الماضية إلى الطريقة الموريتانية، وهي مزيج من الحملات الأمنية التي دفعت المتطرفين إلى مغادرة البلاد، ونهج أكثر ليونة من مواجهة التطرف العنيف.

ويتم تصوير الحوارات التي دارت في السجون في عام 2011 بين السجناء المتطرفين وكبار العلماء المسلمين المعتدلين كمبادرة رائدة، تقدم مثالاً ملهماً للدول المجاورة، مثل مالي والنيجر، التي تواجه مشاكل مماثلة.

ولا يزال عبد العزيز يدافع عن نهج الحوار. ففي كلمته التي وجهها للأمة خلال شهر رمضان المبارك في يونيو الماضي، ناشد علماء الدين في موريتانيا مرة أخرى "لبذل المزيد من الجهد لتعزيز قيم التسامح والتضامن الاجتماعي" واستخدام حكمتهم في التواصل مع "أنصار التطرف".

وفي حالة موريتانيا، "أنصار التطرف" هم الرجال والنساء الذين وقعوا ضحية للتأثيرات الخارجية الخبيثة، وأبرزها الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي يقودها جزائريون، والتي أصبحت فيما بعد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في عام 2007.

وتجدر الإشارة إلى أن هجمات متفرقة قد وقعت في موريتانيا منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، بما في ذلك هجمات على السفارتين الفرنسية والإسرائيلية، واختطاف وقتل موطنين غربيين، ومعارك مسلحة بين قوات الأمن ومتشددين في وسط نواكشوط.

هل كانت هناك صفقة؟

وتشير الوثائق التي تم ضبطها خلال غارة القوات الأمريكية على مجمع أسامة بن لادن في باكستان، والتي تم نشرها في وقت سابق من هذا العام، إلى أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي كان يدرس عقد هدنة مع الحكومة الموريتانية في عام 2010، وقد يكون هذا انعكاساً لنجاح الحملة الأمنية.

وكانت شروط الصفقة المحتملة هي استثناء موريتانيا من أي عمليات خطف أو نشاط إرهابي آخر على أراضيها مقابل ضمان الحصول على ما بين 11 مليون و22 مليون دولار سنوياً. في المقابل، يتم الإفراج عن جميع السجناء المنتمين إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وتتجنب الحكومة "أي هجوم عدائي على الأشقاء من أراضيها".

ولا يوجد أي دليل في المراسلات على موافقة الحكومة على هذا الاقتراح. وقد نفت موريتانيا صحة الوثائق ولا يزال معتقلوها الجهاديون في السجون، وإن كانت هناك حالات هروب مذهلة.

تصدير التطرف

ويبدو أن الخطر الرئيسي هو تصدير التطرف بدلاً من التمرد الداخلي. ولا ينتج أي بلد آخر في المنطقة العدد الذي تنتجهموريتانيا من المنظرين الرفيعي المستوى في الحركة الجهادية في منطقة الساحل.

مع ذلك، فإن التشدد الإسلامي كثيراً ما يتم تقديمه على أنه يمثل تهديداً وجودياً لاستقرار موريتانيا. ومؤخراً، في يونيو 2015، تساءل المحلل الأمريكي مايكل روبن في النشرة الأمريكية المعروفة باسم "تعليق" أو Commentary: "هل ستصبح موريتانيا الملاذ الجديد للإرهابيين؟" مشبهاً موريتانيا بجنوب ليبيا ومحذراً من "قدرة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على الوصول دون عوائق إلى معظم أنحاء البلاد".

وقد صدرت تحذيرات مماثلة منذ أكثر من 10 أعوام، مع التركيز بصفة خاصة على هشاشة الدولة الموريتانية، واقتصادها المتدهور، والإحباطات المتعددة لجيل الشباب المعرض لخطر اعتناق الأفكار المتطرفة.

لكن مدى الدعم الذي يحظى به التطرف العنيف في البلاد ليس واضحاً: ولا إلى أي مدى هو انعكاس لمعارضة النخبة السياسية الضيقة، التي يسيطر عليها المور الذين ينحدرون من أصل عربي.

قدمت موريتانيا كبار كوادر تنظيم القاعدة والحركات ذات الصلة قبل وقت طويل من بدء الصراع الانفصالي في مالي عام 2012. على سبيل المثال، أُشيع أن أبو حفص الموريتاني كان من المقربين إلى بن لادن، كمستشار روحي وسياسي. وفي وقت لاحق، سُجن الموريتاني في إيران، ونُقل إلى موريتانيا، وأُفرج عنه في نهاية المطاف في يوليو 2012.

وخلال صراع مالي، ظهر المواطنون الموريتانيون بشكل بارز بين الكتائب، أو الألوية، الإسلامية التي تقاتل الحكومة. وأصبح حمادة ولد محمد خيرو مؤسس الحركة من أجل التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، واحداً من أبرز حلفاء تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي في شمال مالي.

دوافع التشدد

وتقترح البحوث التي أجريت على عناصر القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في موريتانيا أن الأشخاص الأكثر عرضة للتجنيد هم الشباب المهمش، الذين يعيشون على أطراف المدن، وأحياناً تكون لديهم خبرة في ارتكاب الجرائم الصغيرة.

 

وإرث العبودية أيضاً له أصداؤه. كانت المؤسسة الدينية المدعومة من الدولة تقاوم إلغاءها (أُلغيت رسمياً فقط في عام 2007) - وهذه إهانة إلى كل من الموريتانيين الأفارقة والحراطين أو أحفاد العبيد. وفي هذا الشأن، يقول الباحثسباستيان إليشر: "إن صعود الإسلاميين هو نتيجة لفشل النخبة الموريتانية الاستبدادية في بناء دولة وطنية متماسكة ومواجهة إرث العبودية في البلاد". وقد حُكم مؤخراً على 13 ناشطاً مناهضاً للعبودية بالسجن لمدة 15 عاماً.

وألقى زكريا أحمد سالم، وهو باحث موريتاني، نظرة فاحصة على العلاقة بين الدولة والإسلام في موريتانيا. وفي حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) في نواكشوط، أكد سالم خطر الإفراط في تبسيط الاتجاهات والتيارات في موريتانيا. وأكد أنه "من الممكن جداً الخلط بين المحافظة المتشددة والإرهاب".

وفي السياق نفسه، تشير الباحثة أرميل شوبلان، إلى أن "الحكومة المركزية في موريتانيا تتبنى دائماً سياسة غامضة تجاه الإسلام بشكل عام والحركات الإسلامية بشكل خاص".

وتقبل الحكومة وجود الحزب الإسلامي تواصل، كجهة فاعلة شرعية. وقد سُجن زعيم حزب تواصل، محمد جميل منصور، في عهد نظام معاوية ولد سيدي أحمد ولد الطايع الذي حكم البلاد في الفترة من 1984 حتى الإطاحة به في عام 2005 وأصبح لديه هاجس بشأن تهديد الإسلاميين في السنوات الأخيرة من حياته.

وكان المذهب المالكي التقليدي للإسلام السني، الذي تروج له الدولة، يتعرض للضغط. ومن خلال الرعاية السعودية، انتشرت المساجد الوهابية بمعدل مذهل. وكانت موريتانيا تنتج دعاة تأثروا بشدة بجماعة الإخوان المسلمين في مصر. كما جلب نظام التعددية الحزبية الجهات الدينية إلى الساحة السياسية.

وقوبلت العلاقات الوثيقة بين ولد الطايع وواشنطن فضلاً عن استضافة موريتانيا لسفارة إسرائيلية بانتقادات شديدة. وردت الحكومة بفرض قيود صارمة على المساجد والدعاة الذين اعتبرتهم يشكلون خطورة، وحاولت تجريم التعاليم التي لا تتبع المذهب المالكي.

واستُخدمت ورقة الإرهاب مراراً وتكراراً، وتم الربط بصورة فجة بين المنشقين والجماعة السلفية للدعوة والقتال. كما تم تصوير محاولة الانقلاب الفاشلة الدموية في يونيو 2003 كأحد أعمال المتطرفين الإسلاميين. ومما لا شك فيه أن الاعتقالات الجماعية التي أعقبت ذلك قد ساعدت على زيادة تجنيد المتطرفين في نواكشوط وغيرها.

عبد العزيز والسلفيين

وقال عبد العزيز في مقابلة مع القناة التلفزيونية الدولية TV5 في نوفمبر 2015 أن موريتانيا تريد أن تنصف "أولئك الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء".

والجدير بالذكر أن برنامج الحوار في السجون الذي بدأ في يناير 2010، والذي أسهم كثيراً في تحسين سمعة موريتانيا في مجال مواجهة التطرف العنيف، تم تدشينه في البداية بناءً على طلب المعتقلين المتشددين.

وقد شارك فيه العديد من كبار علماء الدين في موريتانيا وانتهى في أغسطس 2010 بتوبة أكثر من 50 سجيناً ورفض اثنين فقط من السجناء الذين وافقوا على المشاركة في هذه العملية، ونبذ الجهاد كخيار مقبول للمسلمين. في المقابل، عرضت عليهم الدولة الحرية وبرامج رعاية لدى خروجهم من السجن.

وأوضحت الدولة أنه لن يتم الافراج عن الجهاديين الذين أُدينوا بالمشاركة في عمليات مثل قتل أربعة سياح فرنسيين في ألاك في عام 2007. وكان عدد من المعتقلين قد حُكم عليهم بالإعدام بالفعل، وإن كانت موريتانيا لم تنفذ أي حكم بالإعدام منذ عدة سنوات.

لكن السجناء المتشددين المتبقين في موريتانيا طالبوا كثيراً بالإفراج عنهم أيضاً. وفي كثير من الأحيان، يحذر الناشطون في مجال حقوق الإنسان من سوء أحوال السجناء، ونقص المعلومات عن وضعهم، والنقل التعسفي من سجن إلى آخر دون إبلاغ أُسرهم.

وشكا المحامون مراراً من استخلاص الاعترافات تحت التعذيب، ويلجأ السجناء بانتظام إلى الإضراب عن الطعام احتجاجاً على المعاملة التي يلقونها.

استيلاء الجيش على السلطة

وعند توليه منصبه كرئيس منتخب للدولة في عام 2009، تعهد عبد العزيز أنه "لن يدخر جهداً لمهاجمة الإرهاب وأسبابه"، موضحاً أن الرؤساء السابقين قد خذلوا موريتانيا. وفي السرد الموريتاني الرسمي بشأن محاربة التطرف، انتصر عبد العزيز في الحرب.

وخلال الفترة من يونيو 2005 - قتل 15 جندياً موريتانياً من قبل مقاتلي الجماعة السلفية للدعوة والقتال في شمال شرق البلاد - إلى عام 2011، كان تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي نشطاً في موريتانيا. ولكن الهجمات كانت متفرقة جداً ولا توحي بوجود حملة إرهابية متواصلة.

مع ذلك، فقد عُزي التراجع الملحوظ في أعمال العنف على الأراضي الموريتانية طوال السنوات الخمس الماضية إلى عدد من العوامل، من بينها قوانين مكافحة الإرهاب الصارمة، وإحكام السيطرة على الحدود مع مالي التي يبلغ طولها 2,200 كيلومتر، وجعل قوات الأمن أكثر مرونة، وتحسين تبادل المعلومات الاستخباراتية على المستوى الإقليمي، والتعاون الأوثق مع الحلفاء، وخصوصاً الولايات المتحدة، في مجال التدريب العسكري.

وكثيراً ما تشيد القيادة الأمريكية في إفريقيا بمساهمة موريتانيا العسكرية. كما أن موريتانيا هي التي دشنت عملية نواكشوط المدعومة من الاتحاد الافريقي في عام 2013، والتي جمعت بين 11 دولة لتعزيز التعاون الأمني.

ولكن هناك مشككين يشيرون إلى الخطاب الذي أرسله تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي إلى بن لادن باعتباره دليلاً على أن عبد العزيز قد بالغ عمداً في خطورة التهديد المحلي - وخلط بين المحافظة الإسلامية، التي تنمو بقوة، والنوايا الجهادية.

وتجدر الإشارة إلى أن موريتانيا بلد ينعم بموارد طبيعية وفيرة، من خام الحديد إلى الغاز الطبيعي، ومناطق الصيد هناك من بين الأكثر وفرة في العالم. لكن معظم الموريتانيين لا يرون هذه الثروة: ويصل معدل الإلمام بالقراءة والكتابة في البلاد إلى 40 بالمائة، كما تعاني من انعدام الأمن الغذائي المتوطن.

ويقول النقاد أن مكافحة الإرهاب توفر الهاءً مفيداً عن مواجهة العدو الحقيقي لموريتانيا، وهو الفقر والاستبعاد الاجتماعي.

*صحفي مستقل مقره في داكار، ومساهم منتظم في إيرين

للقراءة من المصدر اضغط هنا