العنوان الأصلي : إلى الأستاذ فاروق جويدة.. كفاية شبعنا كفتة! / خالد منتصر
أحرص على قراءة مقال الكاتب والشاعر فاروق جويدة فى جريدة «الأهرام»، لأننى أجد فيه متابعة دقيقة للأحداث وعرضاً أميناً للمشاكل والقضايا التى تؤرق هذا الوطن، ولكنى صدمت من مقال الأمس السبت 20 أغسطس الذى عرض فيه لاكتشاف شقيق الزعيم جمال عبدالناصر لعلاج جديد للسرطان من أعشاب مصرية، للأسف وجدت المقال ترسيخاً للعلم المزيف pseudoscience الذى شبعنا منه على مدى السنين الماضية سواء كان على يد ملك الأعشاب صاحب الفضائية الذى من أهم ابتكاراته كريم أعشاب تكبير الأرداف، أو على يد صاحب اختراع صباع الكفتة الشافى للإيدز!!، ولا يعفى الأستاذ جويدة من المسئولية تبريره بأنه ليس طبيباً، فالحس العلمى للصحفى لا يحتاج شهادة من كلية الطب والمفروض أن يتوفر هذا الحس فى كبار كتابنا من صناع الوعى، ولا يعفيه أيضاً أنه يعرض القضية على أكاديمية البحث العلمى لكى تناقشه لأنه لا يجوز نشر هراء لا علمى فى مكان مهم وزاوية خطيرة مثل زاويتك يا أستاذ «فاروق» فى أهم جريدة فى الشرق الأوسط!!، فهل يعقل أن تقبل منى مقالاً أبشرك فيه بأننى اكتشفت أن بلع نشارة الخشب ع الريق يشفى الروماتويد!!، هذه هى المأساة والكوميديا السوداء التى لا أتصور كيف مرت عليك تفاصيل هذه الرسالة الكارثية بدون أن تكتشف أنها تنتمى وبجدارة إلى عالم الفنكوش، لو طرحت على نفسك تلك الأسئلة يا أستاذ فاروق قبل النشر لكنت قد مزقت تلك الرسالة ولكان مصيرها هو أقرب سلة مهملات، وليس أقرب عمود صحفى مؤثر.
السؤال الأول: هل العلم فيه شقيق رئيس أو ابن خالة نبى؟!، العلم الزائف هو الذى دائماً يستند إلى سلطة سياسية كانت أو دينية، ما مؤهلات هذا الشقيق العلمية الصيدلية مع كامل احترامى لشخصه؟!، هذه المؤهلات التى مكنته من اكتشاف العشب المصرى المعالج للسرطان وإجراء التجارب الإكلينيكية عليه، نحن لسنا ضد الأعشاب ولكننا ضد الدجل بالأعشاب، نحن مع العلم، مع أن يدخل العشب أو أى مادة التجارب الإكلينيكية الفارماكولوجية المعتمدة طبقاً لبروتوكولات البحث العلمى على أى دواء فى العالم، هذا هو شرطنا الوحيد، هكذا دخل عشب الديجتاليس لعلاج القلب والأتروبين لعلاج العين والأسبرين المشهور من لحاء شجرة الصفصاف كمسكن ومضاد للتجلط.. إلخ، لكن أن يقول لك شخص إنه شاهد شخصاً موريتانياً فى ليبيا تعرف منه على هواية الأعشاب، وأن تعتبر حضرتك هذا فتحاً مبيناً وليس دليلاً على أن علاقة هذا الشخص بعلم الصيدلة مثل علاقتى باللغة الصينية، فهذا خطأ بل خطيئة صحفية، فالطب ليس هواية والصيدلة ليست مزاجاً أتعلمها من هاوٍ موريتانى، بل هى علم وله قواعد وأسس.
السؤال الثانى: هل العلم مقياسه الشهر العقارى؟!، صاحب الرسالة يقول لك إنه قد سجل اختراعه فى الشهر العقارى وأن مراكز البحث العلمى الروتينية تضطهده!!، أحب أن أزف إليك وإليه تلك البشرى وهى لو فتحت تلك المراكز البحثية ذراعيها لصاحب الرسالة ومخترع علاج السرطان لاستحقت الإغلاق والقبض على مديرها بتهمة إهدار المال العام!!، الأبحاث ليس طريقها الشهر العقارى يا شاعرنا الكبير، ولكن طريقها المعمل، الدواء الذى تتناوله حضرتك لأى مرض لا قدر الله تتكلف أبحاثه المليارات، هل صرف شقيق الزعيم الراحل تلك المليارات؟!، هل أجرى أبحاثاً على الحيوانات ثم الإنسان ثم عقد دراسات مقارنة مع البلاسيبو ثم عرف درجة السمية والفعالية والأعراض الجانبية ودرجة الأمان؟!، هل عرف كل ذلك؟!، أم أنه اكتفى بنصائح صاحبه الموريتانى عندما كانا يتناولان حلة الكسكسى فى طرابلس!!!، لا أجد شاعرنا العزيز إلا بيت المتنبى: كم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكاء!!.
السؤال الثالث: هل هناك ما يسمى بعلاج السرطان على إطلاقه، باكيدج واحد على بعضه؟!، هل يجرؤ عالم على أن يخرج على المجتمع الطبى ويصرح لقد اكتشفت علاجاً للسرطان من الثدى إلى الرئة إلى الكبد إلى الفشة والطحال والكوارع؟!، وكأننا فى مسمط، لا يوجد مثل هذا الهراء اللاعلمى إلا فى جلسات الدخان الأزرق وليس فى المؤتمرات العلمية المحترمة، ماينفعش نقول بنعالج السرطان، العلم الآن والطب القائم على الدليل بمدارسه الحديثة يعرف عبارات طبية محددة مثل هذا الدواء يؤثر على إنزيم كذا أو خلية كذا المناعية أو هورمون كذا.. إلخ، هذا الدواء يُصلح خللاً ما، أو عطباً هنا أو نقصاً هناك، لكن أن نتعامل مع أى مرض بسياسة الزنبيل ونعبى كل حاجة فيه، فنحن إما نمارس التهريج والهزار أو نمارس طق الحنك.
أرجو كل الكتاب والصحفيين خاصة من يمتلكون تأثيراً ولهم مكانة فى قلوب قرائهم ومتابعيهم، كفاية ترويج للعلم المزيف والخرافات والأوهام، شبعنا واتهرينا مخترعين مزيفين بمعدل مخترع لكل مواطن، فى الأسبوع الماضى فقط طالبة اخترعت علاجاً للسرطان من المانجو العويسى، وأخرى من آداب الفيوم اخترعت محركات صواريخ!!!، كفاية يا عالم ياهوه شبعنا كفتة.
للقراءة من المصدر اضغط هنا